لقد مرّت أكثر من سنة على انطلاق الربيع العربي، وهو الاسم الشامل الذي يُنسب إلى الثورات المنتشرة في الشرق الأوسط. فقد أوصدت التغييرات السياســـيّة والاقتصــــــاديّة بعض الأبواب لتفتح أبواباً أخرى أمام رجال الأعمال المستعدّين إلى المخاطرة. ففي هذا الصّدد، علّقت نافا ماشيا، وهي إسرائيليّة الأصل والرئيسة التنفيذيّة لـ «أم.إي لينكس»، شركة الاستشارات التي تصفها هذه الأخيرة بأنّها تعمل «من أجل تعزيز العلاقات الاقتصاديّة بين إسرائيل ودول أخرى»، قائلةً: «لقد لاحظت حركةً مزدهرةً بسبب الربيع العربي لم تحصل من قبل». وقالت ماشيا، التي تعمل من مقرّها في جنيف، إنّ معظم الحركة تكمن في الدبلوماسيّة الناعمة واجتماعات التطوّر غير الرسميّة، التي غالباً ما يتمّ التنسيق لها مع منظّمات حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكوميّة. وذكرت هذه الأخيرة أيضاً موضوعَ مساعدة الزبائن على تطوير علاقات في أو من مواقع تشمل تونس وقطر ومصر وليبيا. وأضافت: «تعمل الشركة على شدّ الأواصل بين الناس حتّى وإن كانت مركزاً للأبحاث، فثمّة حركة تشبيك كبيرة داخل الأروقة». إلى ذلك، شبّهت ماشيا نشاط وإمكانيّةَ القنوات الخلفيّة الحاليّة باتفاقيّة أوسلو التي وُقّعت عام 1993 بين إسرائيل والفلسطينييّن، والتي أثارت ازدهاراً اقتصاديًّا.
ومن جهته، صرّح شاك ديتريش، المدير التنفيذي للجمعيّة الأميركيّة الليبيّة للأعمال، بأنّه يعتقد أنّ على رجال الأعمال الأميركيّين «قصد ذلك المكان للاعتياد عليه»، حتّى وإن لم يستفيدوا على الفور. وقال ديتريش إنّ أعضاء الجمعيّة يجتمعون بمسؤولين حكومييّن ورجال أعمال ليبييّن، وإنّهم «ليسوا مستعدّين تماماً للبيع، وهم يهمّون في تطوير العلاقات وإنجاز عمليّة تخطيط وحسم الخطوات التالية»، ذاكراً أيضاً المعارض التجاريّة التي ترّكز على تطوير النفط ووسائل النّقل والبنى التّحتيّة وعلى الصّحة والتربية. وتابع ديتريش قائلاً: إنّ الاقتصاد الليبي قد بدأ بالتحرّر عام 2005 عندما بادر معمّر القذافي، وهو كان رئيساً في ذلك الوقت، بالتقرّب من الغرب. وأضاف، أنّ من وجهة نظر رجال الأعمال، ذلك يعني أنّ «أكثر من نصف الكأس مملوء وأنّ كلّ العناصر متوافّرة من أجل إنجاز هذا المشروع بطريقة جيّدة».
وشدّد ديتريش على أنّه يمكن تجاهل الشركات الأميركيّة التي تحتاج إلى وقت طويل خوفاً من المجازفة. بالإضافة إلى ذلك، أعلن هذا الأخير عن زيارة قام بها فريقه خلال شهر أبريل قائلاً: «إنّنا أوّل جمعيّةٍ منظّمةٍ للأعمال في الولايات المتّحدة تزور طرابلس منذ بداية النزاع». ولكنّه قال أيضاً: «إنّ البعثة التركيّة والأوروبيّة حضرت منذ الأيّام الأولى». غير أنّه يتوجّب على مندوب المؤسّسة التجاريّة الذي يتوقّف لفترة وجيزة في المنطقة، القيام بتحضيرات مختلفة عن تلك التي يقوم بها شخص يتّخذ من بلدٍ في وسط التغيير مقرًّا له. أمّا مارشال ل. ستوكر، وهو محلّل ماليّ مؤهّل لدى مدير صندوق التحوّط للاستشارات الملكيّة الناشئة في بوسطن، فقد انتقل إلى القاهرة خلال شهر يونيو عام 2010، ثمّ سافر مؤقّتاً بعد بدء المظاهرات الجماهيريّة في 25 يونيو 2011. وفي هذا الصّدد، قال ستوكر: «مع انعدام إمكانيّة استخدام الهواتف الخلويّة والإنترنت في مصر، أضحى من المستحيل إنجاز أيّة أعمال. فكنت محتجزاً داخل شقّتي». مضيفًا: «لقد أخليت الشقة بنفسي واتجهت إلى المطار مع تذاكر لثلاث رحلاتٍ مختلفة» كانت زوجته قد قطعتها من الولايات المتّحدة. وعاد ستوكر خلال شهر فبراير عام 2011، بعد استقالة حسني مبارك من منصب الرئاسة. فهو يقول إنّه على الرغم من الاضطرابات، تُقدّم مصر فرصاً للتجارة. وأضاف: «إنّ الوقت مناسب جدًّا الآن لشراء الأصول، فنظريًّا وعمليًّا، قيمة الأصول هنا على انخفاض». وأوضح أنّ شركته تبدي اهتماماً بمصر بسبب اتّجاه جوّ العمل. وقال في هذا الإزاء: «إنّ أحد الأمور التي جذبتنا نحو مصر هي تحسين المصرف العالمي لنسبة «سهولة ممارسة أنشطة الأعمال»، فأصبحت مصر تستقبل الاستثمارات بشكلٍ أكبر. فمن العام 2004 حتّى 2007، كانت تنفرد مصر بأعظم تقدّم في «سهولة ممارسة أنشطة الأعمال» من أي بلدٍ في العالم». وبينما تستقرّ الأمور بشكلٍ عامّ، يشير ستوكر إلى أنّه مستعّد للحالات الطارئة. فصرّح: «على خلفيّة قيام الربيع العربي، قمت بشراء تأمينٍ للجلاء السياسي كما أنّني أملك هاتفاً يعمل بواسطة الأقمار الاصطناعيّة». بالإضافة إلى ذلك، إنّه يستعين بـ«غلوبل رسكيو» وهي شركة تؤمّن جلاءً طبيًّا وخدمات الأمن ومساعدات أخرى في حالات الطوارئ. ومع ذلك، قال ستوكر إنّ بعض تكاليف السفر من أجل العمل قد انخفضت، بما في ذلك من أسعار الحجوزات في الفنادق وثمن تذاكر السفر. والجدير بالذكر هو تأثير الربيع العربي على مسالك الرحلات الإقليميّة، بخاصّة بين مصر وإسرائيل حيث كانت تضمّ الرحلات المباشرة الشبه يوميّة في السابق تل أبيب وإسرائيل والقاهرة. فشركة الطيران الإسرائيليّة «إل عال» تنظّم الآن رحلات مرّةً في الشهر، وغالباً ما تلغي شركة «سيناء للطيران» المصرية الرحلات المقرّرة. وهنا، اقترحت ماشيا اختيارَ الأردن الذي يتّخذ موقف الحياد كنقطة اجتماع أو اتّصال بديلة لهذه البلدان وغيرها من بلدان الشرق الأوسط، كما أنّها نصحت اختيار أوروبا كمركزٍ للاجتماعات الأوليّة بين رجال الأعمال الأميركييّن والشرق أوسطييّن، وذلك لتفادي المشاكلَ الناجمة عن التأشيرة ومجازفات أخرى.
ونظراً إلى غياب خطوط الرحلات المباشرة بين الولايات المتّحدة وليبيا، قال ديتريش إنّ فريقه لجأ إلى عدّة محاور، بما فيها فرانكفورت وألمانيا وروما وإسطنبول للوصول إلى طرابلس، وإنّهم عند وصولهم، اكتشفوا خطوط داخليّة لشركة بُراق للطيران الليبيّة ممثّلة بـطائرات جديدة من صنع شركة بوينغ، وهي دقيقة وتقدّم أسعاراً رخيصة. ونوّه ستوكر إلى انخفاض عدد الخطوط المباشرة الآن بين الولايات المتّحدة ومصر، فهو يسافر عبر أمستردام أو باريس متأسّفاً على الوقت التي تحتاجه هذه الخطوط. أمّا شركة «مصر للطيران»، فتنظّم رحلات مباشرة من مطار كيندي في نيويورك نحو القاهرة. وتجدر الإشارة إلى أنّ البلدان العربيّة لا تشكّل المنطقة الوحيدة في العالم التي تخضع للتغيير. فيقول من هذا المنطلق جون ماك أوليف، وهو المدير التنفيذي لصندوق التسوية والتنمية الذي يعمل من أجل تطبيع العلاقات بين الولايات المتّحدة وكوبا، إنّ بعض القطاعات في الاقتصاد الكوبي متاحة للأميركييّن، على الرغم من القيود التي تفرضها وزارة الخزانة الأميركيّة. وتابع قائلاً: «إنّ الزراعة مسموحة، ويمكن أن يمارسها الناس كما يمكنهم الذهاب بهدف مناقشة المبيعات» مع الكوبيّين، وأضاف: «إنّ الاتّصالات السلكيّة واللاسلكيّة مسموحة». وبالإضافة إلى ذلك، لقد حرّرت ميانمار أي بورما سابقاً اقتصادها مؤخّراً، رغم قلّة عدد مندوبي المؤسّسات التجاريّة من الغرب.
ومن ناحيتها، أفادت ماريلين داونينغ ستاف، رئيسة الرحلات الآسيويّة عبر المحيط الهادئ، بأنّها قد رأت في معظم الأحيان مسافرين ينتمون إلى مجموعات إغاثة كـمنظّمة «كير» و«وورلد فيغين» و«أطبّاء بلا حدود». وقالت إنّه لطالما ارتكب مندوبو المؤسّسات التجاريّة الآسيويّين انتهاكات، من ممثلّي صناعة النفط الصينيّة إلى فرق المبيعات من شركات السيارات والصابون والملابس والبرّادات الكوريّة والهنديّة. وأضافت: «أُلغيت كلّ الاحتمالات بعد رفع الحظر، فإنّ الأمور تتغيّر في كلّ لحظة»، مشيرةً إلى أنّ المشكلة «تكمن في معاناة المندوبين لإيجاد أماكن مناسبة للإقامة، فقد بلغت البنى التّحتيّة حدّها الأقصى»، مع قيام عدد قليل من الفنادق التي تطابق معايير التجارة العالميّة. ومع ذلك، سيتجاهل كلّ من لديه الخبرة في المناطق المضطربة والتي هي قيد التطوّر، مصادرَ القلق هذه. فقالت ماشيا، المستشارة الإسرائيليّة: «إذا كنت متخوّف من الأوقات المضطربة فلربمّا لن يناسبك هذا الأمر». ولكنّها أضافت: «مع زيادة المجازفات، تزداد الفرصة». وأنهت قائلةً: «ثمّة احتمال خسارة لدى رجال الأعمال الذين ينتظرون 5 سنواتٍ، ولكنّ البعض يعمل مباشرةً على الأرض، فيجني كلّ الأرباح».