الأسواق الناشئة تفقد17 % من قيمتها في 2015

تاريخ النشر: 27 ديسمبر 2015 - 09:38 GMT
المختصون يعتقدون أن مواصلة النجاح والاستشفاء قصة أخرى تتطلب متابعة دقيقة لعديد من المؤشرات الاقتصادية التي تتأرجح حاليا بين الصعود والهبوط، التي لن تحدد وضع الاقتصاد العالمي العام المقبل
المختصون يعتقدون أن مواصلة النجاح والاستشفاء قصة أخرى تتطلب متابعة دقيقة لعديد من المؤشرات الاقتصادية التي تتأرجح حاليا بين الصعود والهبوط، التي لن تحدد وضع الاقتصاد العالمي العام المقبل

توقع مختصون أن يواصل الاقتصاد العالمي النمو في عام 2016، وبدء الاستشفاء من أزماته بعد سنوات من الأزمة الاقتصادية والمالية العنيفة في 2008.

لكن المختصون يعتقدون أن مواصلة النجاح والاستشفاء قصة أخرى تتطلب متابعة دقيقة لعديد من المؤشرات الاقتصادية التي تتأرجح حاليا بين الصعود والهبوط، التي لن تحدد وضع الاقتصاد العالمي العام المقبل فقط ولكن خلال الأعوام الخمسة المقبلة على أقل تقدير، وأكدوا لـ «الاقتصادية» أن قدرة الاقتصاد العالمي على الإبحار والاقتراب من شاطئ الأمان بالرغم من العواصف والأعاصير التي ضربته من كل جهة في العام الجاري.

القضاء على الفقر المدقع
وتتفق وجهات نظر خبراء ومختصين على أن هناك تطورات اقتصادية متناقضة ميزت هذا العام، وعلى الرغم من تناقضها، إلا أن ذلك لا ينفي إيجابية بعضها، وأنه يمثل خطوة مهمة في مسيرة الإنسانية للقضاء على الفقر المدقع، فللمرة الأولى انخفضت نسبة البشر الذين يعيشون في فقر مدقع لأقل من 10 في المائة، ولا شك أن هذا التطور وعلى الرغم من أنه لم تسلط عليه أضواء إعلامية كافية خلال العام، إلا أنه يكشف عن إمكانية القضاء على الفقر حول العالم. الباحثة جيما جري من مؤسسة أوكسفام الدولية توضح لـ "الاقتصادية"، أن الاتجاه السائد خلال العقود السابقة كان يشير إلى زيادة الفجوة بين الفقراء والأثرياء عبر العالم، إلا أن بيانات البنك الدولي تشير إلى أن نسبة الفقر المدقع حول العالم والمحدد له 1.95 دولار في اليوم تراجعت من 29 في المائة من إجمالي عدد سكان الكرة الأرضية عام 1999 إلى 13 في المائة عام 2012 إلى أقل من 10 في المائة عام 2015.


وحول أسباب هذا التراجع تقول جري، إن تحسن مستويات المعيشة في الصين والهند وارتفاع معدلات التنمية في إفريقيا جراء الاستثمارات الحكومية والأجنبية، لكنها تحذر من أن هذه الظاهرة لا تسير في اتجاه واحد، فإمكانية النكوص وارتفاع نسبة الفقر المدقع بين سكان الكرة الأرضية، أمر وارد إذ لم يتم الحفاظ على المكاسب الاقتصادية التي تم تحقيقها. وترافق تراجع نسبة الفقر المدقع في عام 2015، مع زيادة واضحة سواء في البلدان المتقدمة أو النامية مع ظاهرة أخرى وهي تنامي الفجوة بين الأغنياء والفقراء، فبيانات الأمم المتحدة تشير إلى تنامي سوء توزيع الدخل في معظم أقطار العالم خلال العام الراهن بصرف النظر عن درجة النمو والتطور. وأوضحت لـ "الاقتصادية"، الدكتورة فيونا فوت الاستشارية السابقة في الأمم المتحدة، أنه في كثير من دول العالم يسيطر نصف السكان فقط على 10 في المائة من ثروات بلدانهم، وعلى الرغم من أن معدلات النمو الاقتصادي تحسنت خلال العام الجاري، إلا أن ظاهرة غياب العدالة في توزيع الدخل لم تتغير، وهذا أحد العوامل وراء الكثير من النزعات في إفريقيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة الشرق الأوسط.

وحول العوامل المطروحة لكيفية التغلب على تلك المشكلة تشير فيونا إلى أن الأمر يختلف من منطقة إلى أخرى في العالم، ففي آسيا يتطلب الأمر العمل على ثلاثة محاور وهي تحسين التعليم وتبني سياسة ضريبية أكثر عدلا، واتخاذ إجراءات حكومية لإعادة توزيع الدخل، في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، معتبرة أن حل مشكلة البطالة تعد مدخلا أساسيا لتقليص الفجوة الراهنة في مجال توزيع الدخل، على أن يترافق ذلك مع سياسات أكثر فاعلية لتعزيز الرفاهية الاجتماعية.

بيد أن بعض الخبراء الاقتصاديين يعتقدون أن أهم أحداث عام 2015 الاقتصادية لم تحدث بالضرورة في الحقل الاقتصادي مباشرة، ولكنها كما يصفها البروفيسور نيك أوريل وقعت في مجال آخر ولكن تأثيرها الاقتصادي المباشر سيكون واسع النطاق خلال العقد المقبل.

أزمة المهاجرين في العالم
يضع بعض المختصين قضية الهجرة إلى أوروبا، وتدفق نحو مليون مهاجر ولاجئ إلى القارة الأوروبية، في مقدمة الأحداث الاقتصادية الكبرى لهذا العام، وبعيدا عن التداعيات السياسية والثقافية والاجتماعية لموجات المهاجرين المتتالية على أوروبا، فإن البعد الاقتصادي كان أحد العوامل الرئيسة في تلك القضية. الدكتورة ليزا سميث أستاذة الهجرة والسكان في جامعة أكسفورد، والاستشارية في الأمم المتحدة، تعد أن الأعداد الضخمة للمهاجرين إلى القارة الأوروبية تجعل من تلك القضية أهم حدث اقتصادي للعام.


وتقول ليزا لـ "الاقتصادية"، إن ضخامة أعداد المهاجرين تضع الجميع أمام تحدٍ اقتصادي كبير، وبعيدا عن موقف الاقتصاديين اليمينيين المعاديين للهجرة، فإن أوروبا وخصوصا ألمانيا لم تكن تقبل بهذه الأعداد الضخمة، دون أن يكون هناك ربحية اقتصادية من ورائها، وبمقدار ما ستثمله الكثافة العددية للمهاجرين واللاجئين من ضغوط على ميزانيات بعض الدول الأوروبية، فإنها حتما ستحفز النمو وخصوصا في ألمانيا باعتبارها قاطرة النمو الاقتصادي الأوروبي. وأضافت ليزا أن عملية الإيواء والمساعدات المالية التي ستمنح للمهاجرين، ستسهم بشكل فعال في إنعاش قطاع البناء والتشييد الذي سيجذب كثيرا من القطاعات الاقتصادية الأخرى، كما أن المهاجرين واللاجئين سيقومون بإنفاق ما سيتلقونه من مساعدات على السلع والخدمات المحلية، وسيسهم هذا وفقا لتقديرات المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية في زيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي بين 0.1-0.2 في المائة. وأشارت ليزا إلى أنه يجب الأخذ في الحسبان الطابع العمري لأغلب المهاجرين واللاجئين، الذين سيمثلون إضافة لقوة العمل المحلية، حتى وإن كان ذلك في إطار العمالة غير المدربة، ولكن بفضل عمليات التدريب سيتمكن الاقتصاد الأوروبي من اكتساب قوة عمل مؤهلة على الأمد الطويل.

*المناخ.. والكوارث البيئية

ويعد أوريل أن اتفاق المناخ الذي وقع في فرنسا أخيرا سيؤثر حتما على الخريطة الاقتصادية العالمية على الرغم من أن الهدف الأساسي كان الحد من الأضرار البيئية والتأثيرات السلبية على المناخ.

وأوضح لـ "الاقتصادية"، أن قيمة الخسائر المالية السنوية جراء الكوارث الطبيعية الناجمة عن السلوك الإنساني السيئ مثل تجريف الأراضي في الصين وبعض بلدان أمريكا الجنوبية وما ينجم عن ذلك من انهيارات أرضية لاحقا، وتدمير طرق وجسور وقرى بأكملها، مشيرا إلى أن القيمة المالية لتلك الخسائر تجاوزت 85 مليار دولار هذا العام، أما قيمة التأمين المالي لمواجهة تلك الكوارث وفقا للبنك الوطني السويسري فقدر بـ 35 مليار دولار فقط، وعدد الأرواح البشرية التي لقت حتفها جراء تلك الكوارث وصل إلى 26 ألف شخص.


وأضاف أوريل أن اتفاقية المناخ ستتطلب عديدا من البلدان النامية أن تأخذ في الاعتبار عند تبني خطط التنمية الاقتصادية الجانب البيئي، وهذا سيكون له انعكاسات على الأداء الاقتصادي عامة ومعدلات التنمية خاصة، إذ إن أخذ الاعتبارات البيئية في العملية الإنتاجية يرفع من تكلفة الإنتاج حتما، وسينجم عنه تخلي البلدان النامية أو الاقتصادات الناشئة عن قطاعات صناعية تعد حاليا ملوثة للبيئة. وأشار أوريل إلى أن الصين أغلقت 1700 شركة العام الحالي جراء تلوثها للبيئة، وعلى المدى الطويل سيتطلب الأمر إعادة تأهيل للقوى العاملة لرفع مستوى الأداء، لتكون أكثر قدرة على التعامل مع الاحتياجات الصناعية الجديدة، كما ستجبر الحكومات في البلدان النامية عن البحث عن مصادر تمويل جديدة في ظل ارتفاع تكلفة الإنتاج.

تراجع أسعار النفط
ويعد تراجع أسعار النفط من أبرز الأحداث الاقتصادية للعام الجاري أيضا، وخصوصا أن عددا من المختصين يعتبرون أن التراجع السعري للنفط ساعد البلدان الصناعية المتقدمة على خفض معدلات التضخم لديها، ومن ثم قام النفط بدور ملحوظ في رفع معدلات النمو العالمي، إلا أنه في المقابل أضعف من الدور الاقتصادي للقطاع النفطي وشركات الطاقة التقليدية بما لها من دور مؤثر في الاقتصاد الدولي.

أزمة الأسواق الناشئة وتدهور النمو
ويعتقد بعض الباحثين أن من أبرز الأحداث الاقتصادية لهذا العام تراجع الدور الاقتصادي المنوط بالأسواق الناشئة في دعم الاقتصاد الدولي، فقد تعرضت الاقتصادات الصاعدة سواء تعلق الأمر بقيمة عملتها، أو بقدرتها التصديرية، أو بمعدلات النمو المحلي، إلى وضع حرج، بل زادت المخاوف أن يشهد عام 2016 مشكلة أكبر جراء زيادة الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة، وما يمكن أن يسببه ذلك من أزمة مالية في الأسواق الناشئة نظرا لأن جزءا من ديونها الخارجية وأعباء الدين يقيم بالدولار.

وقال لـ "الاقتصادية"، نيل جريلند الصحافي الاقتصادي، إنه وفقا لمؤشر "إم إس سي آى" للاقتصادات الصاعدة الذي يضم 23 دولة، فإن معدل تراجع تلك الأسواق بلغ 17 في المائة خلال العام الجاري، فيما بلغت نسبة التراجع منذ شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي حتى منتصف الشهر الجاري 10 في المائة، ولا شك أن تدهور أسعار المعادن والنفط يعد سببا رئيسا في الوضع التنموي السلبي للاقتصادات الناشئة، لكن ارتفاع قيمة الدولار "إمبراطور العملات" بشكل كبير خلال العام أسهم أيضا في انخفاض الأداء الاقتصادي في تلك الأسواق.

وحول توقعات العام المقبل، يشير جريلند إلى أن الإحباط الراهن سيتواصل، وستزداد حدته في بعض البلدان كالبرازيل وجنوب إفريقيا وروسيا، ومن المستبعد أن تشهد الأسواق الناشئة ارتفاعا في معدلات النمو خلال السنوات الثلاث المقبلة، طالما ظل معدل النمو الصيني في تراجع.

ومع هذا، فإن البروفيسور وليم هاربر رئيس قسم الاقتصاد سابقا في جامعة كمبريدج والاستشاري في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية يعتقد أن أهم احداث العام هي قدرة الاقتصاد العالمي على الإبحار والاقتراب من شاطئ الأمان بالرغم من العواصف والأعاصير التي ضربته من كل جهة.

وأضاف هاربر لـ "الاقتصادية"، أنه إذا كانت الرياح عاتية منذ بداية العام فالأزمة اليونانية كادت أن تطيح بكل ما راكمته أوروبا من إنجازات اقتصادية، وكادت تقضي على اليورو كعملة دولية، والأزمة التي ضربت البورصة الصينية جعلت المضاربين الصينيين يخسرون أكثر من 3 تريليونات دولار خلال أيام، وضم اليوان لسلة العملات الدولية، لم يحل دون تراجع معدلات نمو الاقتصاد الصيني.

وذكر هاربر أنه بتراجع وضع الصين اقتصاديا انهارت أسعار المعادن ومن بينها الذهب في الأسواق العالمية، وحسم الفيدرالي الأمريكي أمره قرب نهاية العام ورفع سعر الفائدة، بعد ترقب الأسواق لأسابيع وشهور هذا القرار، والاهتزاز الذي أصاب الأسواق الصاعدة التي فقدت خلال العام الحالي لبريقها الذي حظيت به لسنوات، وتدهورت قيمة عملتها إلى مستويات غير مسبوقة، أضف لذلك الهبوط الحاد في أسعار النفط وخسارة البلدان المنتجة لمليارات الدولارات، وسط توقعات بأن يواصل النفط خسائره خلال عام 2016، ومع هذا كله فإن الاقتصاد العالمي واصل النمو، وبدأ في الشفاء بعد سنوات من الأزمة الاقتصادية والمالية العنيفة، وهذا أهم حدث اقتصادي خلال العام الراهن.

ويتساءل هاربر إلى أي مدى ستتواصل قصة النجاح تلك خلال العام المقبل؟، مشيرا إلى أنها قصة أخرى تتطلب متابعة دقيقة لعديد من المؤشرات الاقتصادية التي تتأرجح حاليا بين الصعود والهبوط، التي لن تحدد وضع الاقتصاد العالمي العام المقبل فقط ولكن خلال الأعوام الخمس المقبلة في أقل تقدير.

اقرأ أيضاً: 

النقد الدولي: الاقتصاد العالمي يواجه تأثيرات سلبية بسبب الصين

في الأسواق الناشئة... نزوح 3.5 مليار دولار خلال نوفمبر

الربع الثالث الأسوأ على الأسواق الناشئة منذ 2008