توقع خبراء اقتصاديون أن يصل نمو الناتج المحلي الحقيقي في لبنان إلى 2.5 في المائة خلال العام 2012 مع احتمال تخفيض نسبة النمو الاقتصادي في ظل تفاقم الأوضاع السياسية المحلية والإقليمية. فعلى مستوى القطاع السياحي لم يسجل أي تقدم خلال النصف الأول من العام الحالي بل سجل تراجعًا بلغت نسبته 8 في المائة مع توقع زيادة نسبة التراجع في النصف الثاني من نفس العام. وعزا الخبراء التراجع في نسبة النمو الاقتصادي في لبنان إلى تباطؤ في الحركة السياحية وسط الأزمة السياسية والأمنية في سوريا التي أثرت سلبًا على الاقتصاد اللبناني الذي يرتكز بشكل أساسي على قطاع الخدمات.
وكشفوا أن متوسط التضخم في لبنان سيكون معتدلاً خلال العام 2012 في ظل انخفاض أسعار السلع غير النفطية، مرجعين ذلك إلى استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية بفضل قدرة البنك المركزي على الحكم بمعدلات الفوائد التي حافظت على استقرارها خلال الفترة السابقة، إضافة إلى الدعم الملحوظ من قبل المصارف التجارية المحلية. وقالوا «إنه من المتوقع أن يبقى العجز في لبنان مرتفعًا نسبيًا؛ حيث من المرتقب أن يبلغ نسبة 23.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، حتى أن تقرير بنك عودة اعتبر أن الاقتصاد قد تباطأ، لكنه استطاع أن يتفادى الوقوع في فخ الركود أو تسجيل معدلات نمو سلبية للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في حين انه حافظ على استقرار المؤشرات المالية والنقدية». الخبير الاقتصادي الدكتور غازي وزنة من جانبه أشار إلى أن لبنان دخل نفق الأزمة السورية ودخل كذلك مرحلة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي بسبب بعض الأحداث الداخلية مما يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الوطني خصوصًا في النصف الثاني من العام 2012.
وتوقع أن يكون النمو الاقتصادي متواضعًا وأقل من 2 في المائة مرجعًا ذلك إلى تراجع القطاع السياحي بنسبة 8 في المائة في النصف الأول من العام 2012 وذلك بسبب الإجراءات التي اتخذت من قبل الدول الخليجية والعربية فيما يخص رعاياها. وأشار إلى ما ذكره وزير السياحة فادي عبود أن لبنان خسر ثلث عدد السياح الذين كانوا يستعملون الطرق البرية للوصول إلى لبنان بسبب الأحداث في سوريا ولم تتمكن وزارة السياحة من تأمين البديل لهؤلاء عن طريق المواصلات الجوية أو البحرية مما أدى إلى تراجع الإنفاق السياحي إلى أقل من 5 مليارات دولار بعد أن كانت في السنة الماضية نحو7 مليارات دولار. وبين أن من الأشياء التي أثرت على النمو الاقتصادي كذلك تراجع الاستثمار الأجنبي في السنوات الأخيرة من نحو 495 مليار دولار عام 2010 إلى 39 مليار دولار عام 2011، مشيرًا إلى أن التوقعات كذلك تشير إلى أن يكون أقل من 3 مليارات في العام الحالي مما سيؤثر ذلك بشكل لافت في الاستثمارات في القطاع العقاري الذي يشهد منذ بداية السنة انكماشا وتريثا من قبل المستثمرين وتراجعا في الطلب. ولفت غازى وزنة الانتباه إلى أن القطاع العقاري بدأ التصحيح الفعلي بأسعاره في جميع النواحي سواء من ناحية الشقق الفاخرة أو المتوسطة مع استقرار نسبي في أسعار الأراضي في بيروت، عادا انخفاض عدد المبيعات بنسبة 8 في المائة في النصف الأول من العام الحالي ووصول المبيعات إلى نحو 44 مليارات دولار مرحلة تصحيح. وأشار وزنة إلى أن القطاع المصرفي اللبناني بوحدته كان يسير بعكس اتجاه بقية القطاعات الاقتصادية، متوقعًا أن نموه سيبقى مقبولاً في العام 2012 بسبب عامل الثقة في هذا القطاع ومتانته وانتشاره الخارجي ويتوقع أن يبلغ النمو 8 في المائة على غرار العام الماضي، وكذلك نمو الودائع سيكون معتدلاً بما يقارب الـ 75 في المائة، إلى جانب استمراره في نسبة النمو بإعطاء التسليفات حيث ستتجاوز نسبة الـ 10 في المائة ولا سيما أن جزءًا منها سيكون متوجهًا نحو التسليفات العقارية للطـــبقة المتوسطة.
وقد ارتفعت الميزانية المجمعة للمصارف العاملة بقيمة 1565 مليار ليرة لبنانية خلال شهر يونيو الماضي لتصل إلى 219940 مليار ليرة (14590 مليار دولار أميركي) مقابل 218.375 مليار ليرة (144.86 مليار دولار) خلال شهر مايو الماضي وذلك بحسب إحصاءات النشرة الشهرية لجمعية المصارف؛ حيث نتج هذا الارتفاع عن زيادة في محفظة التسليفات إلى القطاع العام بنسبة 70 في المائة ليصل إلى 44266 مليار ليرة (2936 مليار دولار ) ونمو في الموجودات الخارجية لمصرف لبنان بنسبة 26 في المائة ليصل إلى 37170 مليار ليرة (2466 مليار دولار) الأمر الذي طغى على التراجع في التسليفات إلى القطاع الخاص بنسبة 44 في المائة ليصل إلى 62869 مليار ليرة (4170 مليار دولار). أما على الصعيد النقدي فان الليرة اللبنانية ستبقى معززة رغم الأحداث الأمنية وذلك بسبب الثقة لإجراءات حاكمية مصرف لبنان وبسبب تزايد موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية بشكل كبير جدًا، متجاوزة 35 مليار دولار أي أكثر من 80 في المائة من الناتج المحلي وبسبب متانة القطاع المصرفي اللبناني.
وخلاصة القول، فقد شهد اقتصاد عام 2011 تباطؤًا في المؤشرات الاقتصادية على صعيد السياحة والاستثمار والتجارة والاستهلاك ولكن سيبقى محصنًا وقويًا على صعيد قطاعي المصرفي وعلى صعيد سعر صرف الليرة. وعلى صعيد المالية العامة، تظهر إحصاءات جمعية المصارف في لبنان ووزارة المالية نموًا شهريًا في الدين الإجمالي بقيمة 12206 مليون دولار خلال شهر يونيو من العام 2011 ليصل إلى 5525 مليار دولار مقابل 5512 مليار دولار خلال شهر مايو. أما على الصعيد السنوي، فقد ارتفع الدين الإجمالي بنسبة 515 في المائة، وقد بلغت حصة الدين الداخلي 5824 في المائة من إجمالي الدين العام فيما شكلت حصة الدين الخارجي ما نسبته 4176 في المائة، في الوقت الذي ذكرت فيه مصادر مالية مطلعة أن الدين العام قد تجاوز الـ 55 مليار دولار.
وفي كل الأحوال إن تباطؤ الاقتصاد يبقى أفضل من الركود الاقتصادي الذي يهدده في حال حدوث أي تطورات دراماتيكية إقليمية خصوصًا في ظل تراجع حركة الصادرات البرية وعدم القدرة على التصدير البحري بالكميات ذاتها، وفي ظل تراجع المؤشرات الاقتصادية المختلفة وفي ظل عدم القدرة على إجراء الإصلاحات الضرورية خصوصا في ما يتعلق بالكهرباء وغيرها.