أظهر تقرير بريطاني أنه رغم ارتفاع حجم التبادل التجاري بين إيران والدول المجاورة لها منذ بدء تطبيق الحظر على وارداتها النفطية، إلا أن الوضع الاقتصادي لإيران يزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
وأظهر التقرير الصادر عن المركز العالمي للدراسات التنموية أن سعي طهران المحموم للحصول على العملة الصعبة ساهم في رفع حجم التبادل التجاري مع تركيا إلى 16.5 مليار دولار نهاية العام الفائت2011، وإلى أكثر من 7 مليارات دولار مع العراق. وقال: «إن إيران تحاول بسياستها الاقتصادية هذه استمالة بعض دول المنطقة والتأثير في سياساتها الخارجية، فقد زادت إيران صادراتها من الغاز الطبيعي إلى تركيا إلى قرابة 30 مليون متر مكعب في اليوم، خاصة بعد التوقف في خط نقل الغاز الأذربيجاني جراء عمل تخريبي تعرض له، كما تحاول طهران إغراء أوروبا ببيع الغاز الإيراني بأسعار أرخص من الفترة التي سبقت العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، مستغلة الأزمة الأوروبية والحاجة لمصادر الطاقة بكلفة أقل وكميات أكبر خاصة قي فصل الشتاء». وأضاف: «إن إيران تحاول هيكلة شركة النفط الإيرانية وإجراء تغييرات جذرية في سياستها النفطية، حيث ألغت مؤخراً احتكار شركة النفط الوطنية الإيرانية لتصدير النفط الخام وقامت بالتعاقد مع شركات نفط إيرانية خاصة لها القدرة الأكبر على بيع النفط الإيراني، كما تخفي إيران وجهة تصديرها للنفط وذلك عن طريق إقفال أجهزة التتبع الموصولة على ناقلاتها وتغيير أسماء الناقلات والأعلام المرفوعة عليها في وضع يربك عمليات المتابعة والرصد لها، وتقوم باستئجار ناقلات نفط من شركات خاصة تستخدمها لتخزين النفط قبالة سواحل بعض الجزر في جنوب شرق آسيا ليتم فيما بعد بيع حمولاتها بأسعار أقل من سعر السوق». ولفت التقرير إلى أن إيران تعمل لتمويل مشاريع البنى التحتية، خصوصاً في قطاع تطوير صناعة النفط على اقتطاع 20 % من وارداتها النفطية لتمويل صندوق التنمية الوطنية، مذكراً بأن البنك المركزي الإيراني أصدر سندات للاكتتاب العام بقيمة 10 مليارات دولار، وأعلن عن بيع بعض أصول وزارة النفط الإيرانية بقيمة 10 مليارات دولار لتطوير حقول بحرية في الخليج العربي. وأشار إلى أنه وفي مسعى لتطويق أزمة تدهور الريال، عمدت إيران خلال العام المنصرم إلى شراء الذهب من دول في المنطقة كتركيا والعراق والإمارات والهند، لافتاً إلى أن طهران اشترت ذهباً من تركيا وحدها بأكثر من 3 مليارات دولار. وقال التقرير: «تستفيد إيران من عمليات شراء الذهب في تمويل بعض صفقات الغذاء، حيث تتم مقايضته بالحبوب والأرز والسكر والشاي وغيرها من السلع التي تحتاجها الأسواق الإيرانية، إلا أن تراجع العملة الإيرانية إلى مستويات متدنية وصلت إلى ثُلثي القيمة أضعف من قدرة إيران على تطوير بناها التحتية وساهم في إنهاك قواها الاقتصادية، لا سيما أن واردات إيران من السلع الاستهلاكية انخفضت إلى النصف مع عجز المصارف الإيرانية على تحويل الأموال للمصدرين، لذلك تعمل إيران على استيراد ما تحتاجه من سلع وخدمات مقابل عروض تفضيلية على صادراتها من النفط الخام الخفيف والثقيل. فقد عرضت إيران على دول كالهند مثلاً أن يتم بيع النفط الإيراني بالروبية بدلاً عن الدولار، وذلك لبيع أكبر قدر من النفط الذي يعتبر شريان الاقتصاد الإيراني». وأشار تقرير المركز العالمي للدراسات التنموية إلى وجود شعور متنامٍ بالغضب لدى شرائح كبيرة من الإيرانيين تجاه سياسة حكومتهم التي عرّضت الاقتصاد الإيراني لأزمات انعكست بشكل كبير على الحياة العامة في البلاد، موضحاً أن التضخم ارتفع إلى 25 % ونسبة البطالة وصلت إلى قرابة 20 % لذا تسعى الحكومة الإيرانية لكسب ود الجمهور الغاضب من خلال خفض تكاليف الطاقة وزيادة استخدام الغاز الطبيعي بنسبة 15 % سنوياً مع خفض الاعتماد اليومي على البنزين بنسبة 4 %، كما أنها تخطط لتتحول من مستورد للبنزين إلى مُصدِّر له، لكنها تواجه معضلة رئيسة تتمثل في إيجاد أسواق جديدة لهذه المشتقات النفطية وفي تحويل الأموال.
وأضاف التقرير: «تحاول إيران خفض التكاليف الصناعية الخاصة بتطوير بعض القطاعات الإنتاجية، حيث تتجه إلى وقف وارداتها من الصلب والبالغة 7 ملايين طن سنوياً من الفولاذ الخام، وتعمل على تطوير إنتاجها المحلي منه بمعدل نمو يصل إلى 8% سنوياً»، مفسراً أن هذا لم يلغ الحقيقة بتراجع العديد من القطاعات متأثرة بضعف القوة الشرائية وارتفاع تكاليف استيراد المواد الأولية من الخارج، الأمر الذي أدى إلى توقف العديد من المصانع والمعامل عن العمل وطرد أكثر من 120 ألف عامل خلال أقل من عام على بدء الحظر الاقتصادي. وقال: «تراجع إنتاج السيارات في إيران إلى قرابة 40 %، الأمر الذي يهدد مصير أكثر من نصف مليون عامل إيراني بالاستغناء عن خدماتهم لعدم وجود سيولة كافية تضمن استمرارية العمل أو دفع رواتبهم». ولفت إلى أن استمرار العقوبات الاقتصادية على إيران قد أدى إلى حدوث انقسامات في النظام الرسمي الإيراني، لا سيما بعد الانتقادات الكبيرة التي وُجهت إلى سياسة البنك المركزي الإيراني في الحفاظ على سعر صرف العملة وسط أداء حكومي وُصف من قبل بعض السياسيين الإيرانيين بأنه لا يعالج أساس الأزمة، خاصة في مجال القروض وجلب الاستثمارات، الأمر الذي يسيء لسوق الإنتاج، مؤكداً أن السوق النفطي الإيراني فقد قدرته على جذب الشركات، وبدا هذا واضحاً في معرض النفط والغاز الذي عُقد مؤخراً، حيث انخفضت نسبة المشاركة فيه إلى أقل من 35 % عن العام السابق.
وتوقع التقرير أن يخسر الاقتصاد الإيراني أكثر من 42 مليار دولار سنوياً، خصوصاً بعد أن أعلنت كل من الصين وكوريا الجنوبية واليابان والهند جميعها عن خفض أو توقف استيراد النفط الإيراني بنسب متفاوتة تصل إلى 20 % على الأقل، وإذا ما استمر هذا الأمر على هذه الوتيرة فهو ينذر باستنزاف احتياطي البنك المركزي الإيراني من العملة الأجنبية، ويهدد بانهيار مؤسسات مالية يعتمد عليها الحرس الثوري الإيراني في تمويله وتدريب أعضائه أو دفع رواتب لهم، وقد يؤدي هذا الأمر إلى ثورة حقيقية تطيح كرسي الرئيس الإيراني، أحمدي نجاد، الذي تزداد الجبهة المعارضة له حتى من قبل بعض أركان النظام الإيراني نفسه.