العقارات أكثر استثمارات العرب تضررا من «خروج بريطانيا»

تاريخ النشر: 23 يونيو 2016 - 07:47 GMT
لندن
لندن

يتوجه الناخب البريطاني اليوم إلى صناديق الاقتراع للتصويت في استفتاء مصيري بشأن بقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه، ويعكس الجدل حول البقاء أو الخروج في حقيقته خلافا يمتد لعقود داخل المجتمع البريطاني، بشأن تلك القضية المصيرية، لكن نتيجة الاستفتاء تبدو من الأهمية بحيث تتجاوز حدود بريطانيا أو مستقبل الاتحاد الأوروبي أو آفاق التطور السياسي والاقتصادي في القارة الأوروبية برمتها، فنتيجة الاستفتاء، خاصة إذا صب في مصلحة التيار الداعي إلى المغادرة ستؤثر بشدة في الاقتصاد العالمي، والمؤكد أنها ستنعكس أيضا على علاقة بريطانيا الاقتصادية والتجارية والمالية والاستثمارية مع الشرق الأوسط.

"الاقتصادية" استطلعت آراء مجموعة من المختصين والأكاديميين والمصرفيين البريطانيين بشأن الآفاق المتوقعة لتأثير نتيجة الاستفتاء على العلاقات الاقتصادية بين بريطانيا والعالم العربي وتحديدا منطقة الخليج العربي.

وأوضح لـ "الاقتصادية"، الدكتور مراد حسن أستاذ اقتصادات الشرق الأوسط والمحاضر الزائر في جامعة لندن، أنه إذا ما افترضنا أن نتيجة الاستفتاء حسمت لمصلحة سيناريو البقاء فالمشهد الاقتصادي مع العالم العربي لن يتغير كثيرا، ولكن إذا فاز معسكر الداعيين للخروج من الاتحاد الأوروبي، فإننا سنشهد تغيرات ملموسة في العلاقات الاقتصادية بين بريطانيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ويضيف أن المتوقع هو أن تقوم أوروبا باتخاذ إجراءات متشددة تجاه بريطانيا يمكنا وصفها بالعقابية إذا ما غادرت لندن الاتحاد، وأحد أبرز أشكال العقاب المتوقعة هي خفض الواردات الأوروبية من بريطانيا، وهذا سيتطلب من الشركات البريطانية البحث عن أسواق جديدة، فإذا أخذنا في الاعتبار تراجع معدلات النمو في الصين، فإن الشركات البريطانية ستبحث عن أسواق جديدة غالبا ستكون الهند وشمال إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط وتحديدا الأسواق الخليجية.

وأشار حسن إلى أنه من غير المتوقع أن يحدث تغير حقيقي في نمط أو معدل الصادرات العربية لبريطانيا، وإنما يتوقع زيادة الواردات العربية من المملكة المتحدة، خاصة إذا قدمت بريطانيا مميزات تجارية للمستوردين العرب والخليجيين، فقيمة الصادرات البريطانية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بلغت العام الماضي 20 مليار دولار، أما الواردات فلم تتجاوز 12 مليار دولار، ومن ثم فالميزان التجاري في مصلحة بريطانيا، وربما يزداد إذا ما تعززت علاقتها التجارية مع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إذا غادرت الاتحاد الأوروبي.

ويستدرك حسن قائلا إن أبرز البلدان التي ستكون محل اهتمام الشركات البريطانية إذا صوت الناخب البريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي، هما دولتا الإمارات، والسعودية خاصة أن الأجواء الاقتصادية في السعودية في ظل التغيرات الاقتصادية التي تمر بها ملائمة لتعزيز العلاقات التجارية مع بريطانيا، ولكن سيكون على لندن إعادة التفاوض مع بلدان مجلس التعاون الخليجي على اتفاقيات تجارية جديدة غير الموقعة في الوقت الحالي بين الاتحاد الأوروبي وبلدان المجلس.

إدوارد تشارتون المختص المصرفي يعتقد أنه من الصعب الحكم الآن على مستقبل العلاقات المالية والاستثمارية بين العالم العربي وبريطانيا إذا ما صوت الناخب البريطاني لخيار مغادرة الاتحاد الأوروبي.

وأضاف لـ "الاقتصادية"، أنه بالنسبة للودائع المالية العربية في المصارف البريطانية فإنه من غير المتوقع أن يتم سحبها، لأن لندن ستظل - حتى في حالة الخروج من الاتحاد- مركزا ماليا عالميا، ولن تفلح حتى العقوبات الأوروبية المتوقعة أن تنال من مكانتها المالية، بل يمكن للودائع العربية في المصارف البريطانية أن ترتفع قيمتها إذا تواكب الانسحاب من الاتحاد الأوروبي مع موجة من الكساد الاقتصادي، أو قيام الأوروبيين بسحب رؤوس أموالهم من بريطانيا، أو تراجع حد في قيمة الاسترليني، فإذا حدث أي من تلك الاحتمالات الثلاثة أو حدثت جميعا، فلن يكون أمام بنك إنجلترا (البنك المركزي البريطاني) غير زيادة معدلات الفائدة في المصارف البريطانية، كوسيلة فعالة لجذب المزيد من الودائع المالية للنظام المصرفي البريطاني.

أما بالنسبة للاستثمارات العربية المباشرة فإن الأمر يختلف من وجهة نظر إدوارد تشارتون، فالجزء الأكبر من الاستثمارات العربية المباشرة في بريطانيا ينصب على القطاع العقاري، وسيتوقف الأمر على مقدار التراجع في قيمة العقارات البريطانية، فإذا صدق ما تنبأ به وزير المالية جورج أوزبورن من أن قيمة العقارات ستتراجع بنحو 18 في المائة، فلربما يدفع ذلك بعدد من المستثمرين العرب إلى مغادرة السوق البريطانية، لقناعتهم بأنها حتى في حالة تحسن الأسواق مستقبلا، فلن تكون قادرة على تعويض تلك النسبة من الخسائر، وسيكون من الأفضل بالنسبة لهم في تلك الحالة تصفية استثماراتهم في بريطانيا، وإعادة استثمار أموالهم في اقتصادات أخرى بعائد أعلى، ولكن إذا انخفضت أسعار العقارات بما يراوح بين 1 و4 في المائة فإن المستثمرين العرب سيتحملون الخسائر في المديين القصير والمتوسط على أمل تعويضها في المدى الطويل"

ويضيف أنه من المؤكد أنه إذا لم تنسحب الاستثمارات العربية من بريطانيا، حتى مع خروج المملكة المتحدة من عضوية الاتحاد الأوروبي، فأننا لن نشهد خلال السنوات الثلاث المقبلة على الأقل زيادة في الاستثمارات العربية في بريطانيا، إذا سيكون هناك حرص مفرط وتأن شديد بشأن جدوى الاستثمار هنا، خاصة إذا أدى الخروج من عضوية الاتحاد إلى موجة من الركود الاقتصاد في بريطانيا.

وبالفعل فإن قطاع العقارات حيث تعد الاستثمارات العربية عنصرا رئيسيا في إنعاش هذا القطاع في الاقتصاد البريطاني، لربما يواجه أوضاعا صعبة إذا ما خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فمنذ عام 2013 والأسعار آخذة في الارتفاع بشدة، ويقدر المختصون نسبة الزيادة في الأسعار منذ ذلك الحين وحتى الآن بنحو 40 في المائة.

وأشار لـ "الاقتصادية"، ديفيد بليس من "يو بي إس" العالمية للعقارات، إلى أن العقارات في بريطانيا مقيمة بأعلى من قيمتها مقارنة بـ 15 مدينة عالمية من بينها هونج كونج ونيويورك وجنيف وسيدني، وفي حالة الخروج من عضوية الاتحاد فإن الأسواق العقارية في بريطانيا وتحديدا لندن، حيث يتركز فيها الأغلبية العظمى من المستثمرين الخليجيين ستتعرض لهزة شديدة، ولكن أغلب هؤلاء لن يتركوا لندن ويغادروها إذا ما انخفضت الأسعار بشدة، وإنما سينتظرون بعض الوقت حتى تستعيد الأسواق توازنها نسبيا، وتتخذ الحكومة بعض الإجراءات لمساندة الأسواق العقارية ثم يقومون ببيع عقاراتهم لتقليص خسائرهم"

وقال بليس إن هناك سيناريو آخر إذ يتوقع أن يقوم المضاربون العرب مثلهم في ذلك مثل معظم المضاربين في العالم باستغلال فرصة انهيار الأسعار العقارية في لندن، وتكثيف استثماراتهم على أمل تحسن الأوضاع السعرية مستقبلا، والبيع عند ارتفاع الأسعار وتحقيق معدل ربح ملموس من ذلك.

ويعتقد البروفيسور جون آركيل أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة ليدز أن خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد ربما يعزز الاستثمارات البريطانية في بلدان مجلس التعاون الخليجي، وأوضح لـ "الاقتصادية"، أن الشركات البريطانية لا شك ستمر بمرحلة ارتباك إذا ما كانت نتيجة الاستفتاء الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، فلن تكون لديهم معرفة بطبيعة القوانين المنظمة لعلاقتهم بالاتحاد الأوروبي، وسيكون عليهم البحث عن مناطق استثمارية جديدة، ومنطقة الخليج العربي ستكون منطقة مثيرة للاهتمام، خاصة في ضوء العلاقات الاقتصادية المميزة بين المملكة المتحدة وبلدان الخليج العربي، وربما يعد القطاع المصرفي وقطاع الطاقة سواء النفطية أو المتجددة أبرز القطاعات الاقتصادية البريطانية التي يمكن أن تنقل نشاطاتها الاقتصادية إلى منطقة الخليج.

ولكنه يستدرك قائلا، إن هذا يجب ألا يدفعنا إلى تفاؤل غير واقعي، بأن الطرفين البريطاني والخليجي سيوقعان اتفاقية تجارة حرة، لأن الأولوية بالنسبة للمملكة المتحدة توقيع اتفاقيات تجارية مع الاتحاد الأوروبي بحلول منتصف عام 2018.

ومع هذا، فإن بعض المختصين في مجال الاستثمارات الدولية يشيرون إلى تداعيات مختلفة لانسحاب بريطاني من النادي الأوروبي على اقتصادات الشرق الأوسط، وفي هذا السياق يقول لـ "الاقتصادية"، مارك بوفيز الاستشاري في مجموعة "ألن آند دويل" للاستثمار، إنه في حالة خروج بريطانيا فإن قيمة الاسترليني واليورو ستتراجع بقوة في مواجهة الدولار، ولأن اقتصادات بلدان مجلس التعاون الخليجي تعتمد على النفط الذي يقيم في الأسواق الدولية بالدولار، فإنها ستكون في وضع نسبي أفضل، وستستطيع القيام بعملية شراء أصول بريطانية أو الاستثمار في بريطانيا بشكل أفضل نظرا لقوة الدولار في مواجهة الاسترليني.

وأشار بوفيز إلى أن هناك جانبا سلبيا آخر يمكن أن يؤثر في القدرة الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وعلاقاتها مع بريطانيا، ويتمثل ذلك في أن يؤدي خروج بريطانيا إلى هزة اقتصادية عالمية تدفع في اتجاه المزيد من الركود التجاري والمالي العالمي، ففي هذا الحالة ربما تتآكل أو تضعف القدرة المالية العربية عن القيام بدور حقيقي للاستثمار في بريطانيا، لأن الاقتصاد البريطاني لربما يفقد جزءا كبيرا من جاذبيته الاقتصادية في هذه الحالة.

اقرأ أيضاً: 

دول أوروبية تغري المستثمرين العرب بالجنسية مقابل الاستثمار

ما علاقة الربيع العربي بـ أسعار عقارات لندن؟

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن