قبل خمسة أعوام، وبعدما أصبحت محبطًا من مَيلي غير المُجدي لأداء أنشطة متعددة في آنٍ معًا، قمت بتجربة: لأسبوع واحد، قررتُ التوقف عن أداء مهمات عدة في الوقت نفسه ورؤية ما سيحدث.
غيَّرت تلك التجربة كل شيء في حياتي للأفضل؛ فقد تحسَّنت علاقاتي الاجتماعية، وزال توتري، وبلغَت إنتاجيتي ذروتها. وما من جانب سلبي واحد للتركيز على أداء أمر واحد فقط من دون التهاء.
وكانت إحدى المنافع الجانبية لتركيزي على أداء مهمة واحدة من دون التهاء شعوري الجديد وغير المحتمَل بنفاد الصبر إزاء أيِّ وقت ضائع. في الماضي، كنت أهتم بالبريد الإلكتروني، أو تصفح مواقع الإنترنت، في أثناء مكالمات هاتفية لا طائل منها.
وفي عالمي الخالي من الأداء المتعدد للمهمات في الوقت نفسه، أصبح الاستمرار في التركيز على مكالمة طويلة بلا فائدة مؤلمًا.
وبهذه الطريقة وجدتُ الإلهام الأكثر تغييرًا للحياة وتحويلاً للعمل في السنوات الخمس الأخيرة من حياتي:
الوقت المضغوط.
مع ذلك، يجدر في البدء التنبيه لأمر: هناك أمور في حياتي، مثل تناول العشاء مع الأصدقاء، والكتابة، والنوم، وإمضاء وقت غير منظم مع العائلة، تستحق أن تُعاش في سعة الوقت الممدد.
في المقابل هناك أمور أخرى، مثل غالبية الاجتماعات والعمل التخطيطي، قد تستفيد من الوقت المضغوط.
نحن في الغالب نُجَدول أعمالنا وفق حصص زمنية مدتها ساعة واحدة. ولكن لِمَ؟ كيف أصبحت ساعة واحدة المعيار لتقسيمنا الزمني لعدد كبير جدًّا من الاجتماعات والمكالمات الهاتفية والمواعيد؟
وفيما تنامى شعوري بنفاد الصبر إزاء تضييع الوقت، قمت بتجربة جديدة: اختصرتُ الوقت الذي كنت أخصصه للعديد من الأنشطة إلى النصف.
بدأتُ تنفيذ خطتي الجديدة بأمر سهل، فقد كنت معتادًا على أداء التمارين الرياضية لساعة في اليوم. وقد اختصرتها الآن بثلاثين دقيقة.
أمّا عن نتائجي، من حيث الوزن والتكيّف، فقد تحسَّنت، وهذا هو السبب: ازدادت قوّتي (أعلم أن لدي 30 دقيقة فقط للتمرن)، وتحسَّنت نوعية أكلي (لا أعتمد على تماريني الرياضية للمحافظة على قوامٍ نحيف)، وبتُّ أُضمِّن يومي قدرًا أكبر من الحركة (لا أعتمد على تماريني الرياضية للاهتمام برشاقتي)، ولا أفوِّت تمرينًا رياضيًّا واحدًا قط (أستطيع دومًا أن أجد ثلاثين دقيقة خالية من الالتزامات خلال اليوم).
إنْ كان لديك نصف الوقت لإنجاز مهمة، فستصبح فائق الوعي بكيفية استفادتك من ذلك الوقت، كما ستصبح فائق التركيز أثناء أدائك المهمة. معظم مكالماتي الهاتفية تدوم حاليًّا ثلاثين دقيقة، أو أقل، أمّا رسائلي الصوتية فتراوح ما بين 15 و20 دقيقة، وحتى مكالماتي الجماعية مع أطراف عدة تدوم 30 دقيقة، أو أقل. ويدرك المتصلون بي ضيق الوقت، لذلك فهم أكثر مراعاة لمواعيد اتصالهم وأشد حرصًا على عدم التحدث في أمور غير مفيدة.
والناس الآن يصغون بشكل أفضل أيضًا، لأننا نميل إلى المزيد من التيقظ والانتباه حين تتسارع وتيرة الأمور؛ فنحن ندرك أن لحظة تشتت واحدة ستعيق تقدُّمنا. وبما أن ذلك يبقينا منشغلين أكثر بما نفعله، ينتهي المطاف بنا إلى الاستمتاع أكثر خلال العملية.
وما من مجال كان فيه هذا التأثير أشد تغييرًا للواقع، وأشد وضوحًا، من التدريب على القيادة الذي نمارسه في مؤسسة بريغمن وشركاؤه. لسنوات عدة مضَت، كان جميع التدريب الذي نقوم به يُنجَز في جلسات مدة الواحدة منها ثلاثين دقيقة.
والمنافع البديهية واضحة: الجميع يوفرون الوقت والمال.
ولكن هاكَ ما هو أقل بداهة: ببساطة، ليست للتدريب المضغوط الفاعلية نفسها، بل إنه أكثر فاعلية على نحو واسع. فحين يدرك المدرِّب والعميل كلاهما أن لديهما 30 دقيقة فقط، يعملان بسلاسة وسرعة.
العملاء يحضرون الجلسات التدريبية. تمامًا كما هو الحال بالنسبة إلى تماريني الرياضية، يكون احتمال تفويت الناس جلسة من 30 دقيقة أضعف بكثير من احتمال تفويتهم جلسة مدتها ساعة.
الجميع يلتزمون بالوقت. في محادثة لثلاثين دقيقة، كل ثانية لها قيمتها، وهم يعلمون ذلك. تكون بداية الدورة أسرع نظرًا إلى أن العلاقة بين المدرِّب والعميل مبنية على أداء عمل جيد، لا على الأحاديث التافهة.
من المرجح أكثر أن يحضر الناس وهم مستعدون مسبقًا للتدريب. لا وقت للتضييع في المواضيع الجانبية والمحادثات غير المُجدية. والعملاء يعلمون المواضيع التي يريدون تغطيتها، وقد فكَّروا فيها مسبقًا.
ضغط الوقت يعزِّز التركيز والانتباه؛ فالناس لم يعودوا يركزون على ثلاث مسائل في آنٍ معًا، وإنما يعملون على الفرصة الكبرى الوحيدة، أو يعالجون العقبة الكؤود المُلِحة، ويتخطونها. فالتركيز يقود إلى النجاح.
المدرِّبون أصبحوا أكثر تصميمًا على التحلي بالشجاعة، والعملاء أكثر تصميمًا على الاستجابة للتحفيز. في جلسة من ثلاثين دقيقة، لا
يستطيع المدرِّبون تضييع الوقت في الدوران حول الموضوع؛ فهم يتطرقون إلى النقطة الأساسية على نحو أسرع وفي وقت أبكر، ويقاطعون الآخرين بجرأة أكبر، ويطرحون المزيد من الأسئلة الاستفزازية.
العملاء ينجزون قدرًا أكبر من العمل بين الجلسات التدريبية. ولست متأكدًا من السبب وراء ذلك، ولكن هذه نظريتي: ينبغي أن يتحلى القادة على جميع المستويات بمهارة عالية لبلوغ النقطة الأساسية بسرعة وكفاءة. لذا فإن الجلسة التدريبية المضغوطة والمركّزة تشحذ هذه المهارة، بالتركيز على العناصر الأكثر أهمية في وضع معيَّن، واتخاذ خطوات عملية.
ماذا عن السلبيات؟ لم أرَ أمرًا سلبيًّا واحدًا حتى الآن.
جرِّبها بنفسك: اختصر بعض اجتماعاتك التي تدوم ساعة إلى 30 دقيقة. وفيما تفعل ذلك، خذ بعَين الاعتبار هذه الخطوات الثلاث لجعل الدقائق الثلاثين أكثر فاعلية:
اقرأ ما تحتاج إلى قراءته مسبقًا واطلب من الجميع أن يقوموا بالمثل. فكِّر بأسئلتك وبالأمور التي تشغل بالك، وقرِّر ما المهم بالنسبة إليك وما يمكنك التخلي عنه. اطرح على نفسك السؤال الأهم: “ما النتيجة التي أريد التوصل إليها؟”
حدِّد الأمر الأوحد الذي سيُحدث الفارق الأكبر، وأمضِ الدقائق الثلاثين في معالجة تلك المسألة، أو الموضوع، أو الفرصة. ابدأ اجتماعك في الوقت المحدد، بِغَض النظر عمَّن لم يحضر، وكن جريئًا ومنظَّمًا في إبقاء المحادثة في مسارها الصحيح. أهمِل أيَّ أمر أقل أهمية، واتخذ قراراتك بسرعة، حتى إن كان ينقصها الكمال. إنَّ إمضاء الوقت في معالجة أمر واحد أكثر إفادة بكثير من معالجة العديد من الأمور بسطحية من دون تحقيق تقدم في أيِّ منها.
دليل نجاح الاجتماع ليس الاجتماع بحد ذاته، وإنما ما يحدث عقب ذلك الاجتماع. احتفِظ بالدقائق الخمس الأخيرة على الأقل لتلخيص ما تعلَّمته، وصياغة الأمور المهمة شفهيًّا، والالتزام بما ستفعله نتيجةً للاجتماع، ووضِّح كيفية تقييمك المستقبلي لنجاح خطواتك القادمة.
ستحتاج إلى مهارات “بلوغ النقطة الأكثر خطورة بسرعة” تلك، والجرأة لاستخدامها، إن كنت تنوي الاستفادة من وقتك على أفضل وجه. عليك أن تكون جريئًا، بل مستفزًّا أيضًا. وعليك أن تكون مستعدًّا للمقاطعة، بطريقة محترمة ومدروسة، وللصالح الأسمى المتمثل في التقدم بطموح نحو الأهم، وإهمال كل ما لا يهم فعليًّا.
وعليك أن تكون حاضرًا تمامًا: لا قيام بمهمات متعددة معًا، ولا إرسال رسائل هاتفية نَصّية تحت الطاولة، ولا مُلهيات. وذلك أيضًا الجانب الإيجابي: سيُتاح لك أن تكون في حالة من الحضور التام فيما تقوم به. ولكن هناك ثمن؛ ففي حين تشحن هذه الحالة طاقة الإنسان ، يستنفد التركيز الشديد قدرًا كبيرًا من الطاقة، حتى وإن استمر مدة قصيرة. إنها خطة عدّاء السباقات القصيرة.
بالمقابل، حين تختصر أوقات اجتماعاتك وأنشطتك الأخرى للنصف، سيُتاح لك قدر أكبر بكثير من الوقت للاسترخاء في تناول العشاء مع أصدقائك، والكتابة، والنوم، وإمضاء وقت غير منظَّم مع الأشخاص الذين تحبهم.
اقرأ أيضاً:
ما هي إنجازات رواد أعمال ما بعد الثلاثين من العمر؟