إيران تستشعر وخز العقوبات مع تهاوي إيراداتها النفطية

تاريخ النشر: 11 يونيو 2012 - 09:30 GMT
من المتوقع أن تواصل شحنات الخام من إيران الهبوط حينما يدخل حظر أوروبي على واردات الخام الإيراني حيز التنفيذ في أول تموز
من المتوقع أن تواصل شحنات الخام من إيران الهبوط حينما يدخل حظر أوروبي على واردات الخام الإيراني حيز التنفيذ في أول تموز

تتعرض المالية العامة لإيران لضغط غير مسبوق ويضع التضخم المرتفع صبر المواطن العادي موضع الاختبار مع تهاوي إيرادات البلاد من النفط نتيجة العقوبات الغربية المشددة والهبوط الحاد في سعر النفط.

وزادت إجراءات مالية مشددة فرضتها واشنطن وبروكسل الصعوبات أمام سداد ثمن النفط الإيراني وتحميله. وهوى إنتاج البلاد من الخام لأدنى مستوى في 20 عاما لتتراجع الإيرادات الضرورية لتمويل جهاز الدولة الضخم.

ومن المتوقع أن تواصل شحنات الخام من إيران الهبوط حينما يدخل حظر أوروبي على واردات الخام الإيراني حيز التنفيذ في أول تموز (يوليو). وانخفضت الشحنات بالفعل أكثر من 25 في المائة أو نحو 600 ألف برميل يوميا من 2,2 مليون برميل يوميا العام الماضي. وتفيد تقديرات بأن طهران خسرت بالفعل عشرة مليارات دولار من إيرادات النفط هذا العام.

وتتفاقم الآلام الإيرانية مع هبوط أسعار النفط عن 100 دولار للبرميل الأسبوع الماضي مسجلة أدنى مستوياتها في 16 شهرا وسط تدهور التوقعات الاقتصادية في أوروبا والولايات المتحدة والصين.

وقال مهدي فارزي المسؤول السابق في شركة النفط الوطنية الإيرانية: ''هذا نوع من الحرب الاقتصادية. العقوبات لها تأثير كبير من الناحية التراكمية.. يجري عزل إيران عن النظام المالي العالمي''.

وأضاف: ''يبدو أن التفاوض مع إيران الآن أسهل مما كان عليه قبل عام. ينبغي أن يستغل الغرب هذا الوضع المؤقت لتقديم تنازلات أكثر قيمة.. خارطة طريق لما سيؤول إليه كل هذا''.

ويقول دبلوماسيون ومحللون إن إيران قد تعرض مزيدا من التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية كورقة مساومة في مفاوضاتها مع القوى العالمية التي جرى استئنافها في نيسان (أبريل) بعدما توقفت 15 شهرا وستتواصل في موسكو يومي 18 و19 حزيران (يونيو).

ووفقا لقواعد الرياضيات الأساسية فإنه كلما تراجعت صادرات النفط الإيرانية ارتفع سعر النفط الذي تحتاجه البلاد لتظل في المنطقة الآمنة.

ووفقا لصندوق النقد الدولي تحتاج إيران لأن يبلغ سعر النفط 117 دولارا للبرميل لتحقيق التعادل في ميزانيتها البالغ حجمها 462 مليار دولار. وقال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد: إن الميزانية تهدف إلى تقليل اعتماد إيران على إيرادات النفط.

وأقر مسؤولون كبار في قطاع النفط الإيراني أن العقوبات قلصت الصادرات لكنهم يقولون إن ايران تملك خبرة كبيرة في إيجاد سبل للالتفاف حول العقوبات وأن تراجع إيرادات النفط ليس نهاية العالم.

وقال مسؤول نفطي إيراني طلب عدم نشر اسمه: ''شخصيا سأكون سعيدا للغاية لو قلصنا اعتماد الاقتصاد على عائدات النفط.. يمكننا استغلال العقوبات كفرصة''. وتتعرض إيران لعقوبات غربية منذ عقود وطهران ماهرة في التحايل عليها، لكن هناك علامات متزايدة على أن المواطن العادي يشعر الآن بسببها بمعاناة أكبر مما كان يجده في ضوء قفزة في التضخم خلال الستة الأشهر الماضية.

وقال أحمد (54 عاما) الذي يمتلك محلا صغيرا للأقمشة في طهران: ''فاجأني ارتفاع الأسعار عندما ذهبت إلى محل البقالة أمس''. وأضاف قائلا: إن سعر التفاح ارتفع إلى أكثر من مثلي مستواه الشهر الماضي وبلغت الفراولة نحو ثلاثة أمثال سعرها لتصل إلى 110 آلاف ريال للكيلو أو أكثر من ستة دولارات بأسعار السوق. وقال: ''حتى الفاكهة تصبح نوعا من الرفاهية تدريجيا''.

ويبلغ التضخم الرسمي حاليا نحو 20 في المائة إلا أن اقتصاديين يقولون إن اسعار السلع المهمة لمعظم الإيرانيين ترتفع بوتيرة أسرع كثيرا.

وتمر البلاد بما تسميه الحكومة جراحة اقتصادية كبيرة في شكل تخفيضات لبرنامج الدعم البالغ مليارات عدة من الدولارات والذي أبقى لسنوات على سعر السلع الضرورية مثل الوقود والغذاء منخفضا.

وبدأت قيمة الريال تتراجع في كانون الثاني (يناير) وبلغ نحو 20 ألف ريال للدولار في شباط (فبراير) ارتفاعا من 10.500 ريال في كانون الأول (ديسمبر). ويبلغ حاليا 17.800 ريال للدولار بأسعار السوق بينما السعر الرسمي 12.260 ريالا للدولار. وما زال سعر البنزين في السوق المحلية مستقرا لكن تعريفة سيارات الأجرة والنقل العام ارتفعت.

وتعيد العقوبات أيضا تشكيل تدفقات السلع على الشركات الصغيرة وقال صاحب شركة للاستيراد في طهران، إنه اضطر إلى تسريح بعض العاملين في الآونة الأخيرة بعدما أجبر على الاستيراد من الصين بدلا من أوروبا. وقال صاحب الشركة الذي طلب عدم نشر اسمه: ''سبب التحول لنا خسائر مالية كبيرة. لا أعرف إلى متى يمكننا الاستمرار بهذا الشكل. بالتأكيد لن نتمكن من التأقلم لو جرى تشديد العقوبات المالية على إيران''.

ومن ناحية التصدير علقت شركات أوروبية كبيرة عدة مشترياتها من النفط الإيراني بينما يقلصها آخرون.

وكانت إيران تأمل أن تحصل الصين والهند المتعطشتان للطاقة - وكلتاهما من العملاء الرئيسين - على حصة كبرى من النفط الذي تركه العملاء الأوروبيون لكن الحال قد لا تكون كذلك.

وقال مسؤول كبير في شركة نفط غربية طلب عدم نشر هويته: ''نشعر بأن الصين والهند لم تقدما العون الذي كانت تتوقعه إيران''. وأضاف: ''لكن من الصعب للغاية تصور كمية النفط التي يجري نقلها لأن السفن تغلق اتصالاتها عمدا''.

ومنذ مطلع نيسان (أبريل) تخفي طهران وجهة مبيعاتها النفطية بإغلاق أنظمة الرصد الموجودة على ناقلاتها.

لكن الأرقام المتاحة من عد البراميل لدى وصولها إلى أكبر أربعة مشترين للنفط الإيراني وهم: الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية، تظهر انخفاضا نسبته 20 في المائة أو 357 ألف برميل يوميا منذ بداية العام الجاري وذلك وفقا لبيانات حكومية ومصادر في الصناعة.

ويترجم ذلك لخسارة في الإيرادات تقدر بنحو 35,7 مليون دولار يوميا أو 4,3 مليار دولار في الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري حسب سعر خام برنت الحالي. ويباع الخام الإيراني أيضا بخصم دولارات عدة للبرميل عن سعر برنت القياسي، لذا فإن الخسائر الفعلية من المرجح أن تكون أعلى.