إما الأسهم.. أو المونديال

تاريخ النشر: 15 يونيو 2010 - 09:30 GMT

في ظل أجواء الإثارة «المونديالية»، وانشغال الناس بمتابعة مباريات كأس العالم، والجدل الدائر في «المجالس» بين أنصار الفرق المرشحة لاقتناص البطولة الغالية، تدور مناقشات حامية من نوع آخر بين المتعاملين في الأسواق المالية، حول ما إذا كانت أسعار الأسهم قد وصلت إلى القاع، ما يفتح الباب بالتالي أمام إمكانية اقتناص الفرص الثمينة والشراء بانتظار صعود مرتقب.

غير أن هؤلاء المستثمرين منقسمون: فالشريحة الأكبر منهم هجرت السوق تماماً، بعد أن قامت بتصفية البقية الباقية من محافظها الاستثمارية، ورضيت بما قسمه الله لها من خسائر موجعة، باعتبار أن ذلك «قدر ومكتوب». وهذا الفريق وجد سلواه في منافسات كأس العالم التي تدور رحاها هذه الأيام، وأصبح لديه بديل «غير مكلف» يمكن أن يفرغ فيه طاقته وإدمانه على أجواء الإثارة والشد العصبي والرغبة في المراهنة.. على الأقل، لن يكلفه الأمر أموالاً طائلة إذا ما راهن على فريق معين ولم يحرز البطولة، بخلاف ما يحدث في سوق الأسهم حيث يقتطع الرهان غير الدقيق من «لحمه الحي»، ومن قوته وقوت عياله.

وأما الشريحة الثانية، أو الفريق الآخر من المستثمرين، فتجده حائراً بين متابعة أمواله وهي تواصل «التبخر» في قاعات التداول صباحاً، ومشاهدة المباريات مساء، وهؤلاء يقتطعون جزءاً لا بأس به من وقتهم في محاولة للتوصل إلى حل للغز استمرار انحدار مؤشرات الأسواق، فيما تؤكد كل النظريات والدراسات، ومعها «الخبراء المعتبرون» أن الأسهم تتداول بأسعار تقل كثيراً عن قيمها «العادلة»، وأنها (الأسهم) وصلت إلى قيعان مغرية على الشراء.

ويظل السؤال (هل حان وقت الشراء وتعويض الخسائر؟) ملحاً في أذهان هؤلاء الحائرين، من دون معطيات واضحة تمكنهم من التوصل إلى إجابة شافية، ما ينغص عليهم متعة متابعة البطولة الأكثر شعبية عالمياً.

كلما ارتدت الأسواق صاعدة، كما حدث في البورصات العالمية يوم الجمعة الماضي، وتبع ذلك - حسبما جرت العادة - ارتفاع في أسواق المنطقة في جلسة التداول التالية (الأحد)، تنفرج أسارير المستثمرين، ويحسون أن «الفرج قد جاء»، ولكن سرعان ما تنقلب الأمور رأساً على عقب، عندما تكتسي شاشات التداول مجدداً باللون الأحمر الذي كرهه المتعاملون كما لم يكرهوا لوناً من قبل، وهو ما حدث فعلاً في جلسة أمس.

ما الذي يحدث إذاً؟ هل هناك تفسير؟

لا أعرف لماذا لا يمتلك المحللون الماليون والفنيون من ذوي المصداقية، الشجاعة الكافية ليؤكدوا للمتعاملين أن الأسواق في اتجاه هبوطي (downtrend) على المدى القصير والمتوسط والطويل، وأن ما يحدث فيها من ارتفاعات ما هي إلا «موجات صاعدة محدودة في سوق هابطة بوجه عام». هؤلاء المحللون كانوا حتى وقت قريب ملء السمع والبصر، وتتخاطفهم شاشات المحطات التلفزيوينة، ليزفوا للمستثمرين بشرى المكاسب الخيالية التي تنتظرهم جراء ضخ أموالهم في هذا السهم أو ذاك. أما الآن فيتوارون عمداً ويختفون من المشهد تماماً، إما لتعرض شركات الوساطة التي كانوا يعملون لديها للإفلاس أو التعثر (في أحسن الأحوال)، وإما لعدم امتلاكهم الشجاعة الكافية لقول الحقيقة التي ستناقض تماماً كل ما «ملؤوا به رؤوس المستثمرين» منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية، ومحاولاتهم الحثيثة لتجميل الصورة على غير سند من الواقع.

لا. لم يحن وقت شراء الأسهم بعد؟ رغم أن مكررات ربحية الأسهم وصلت إلى أرقام متدنية غير مسبوقة في تاريخها، ورغم أن بعض الأسهم تتداول بثلث قيمتها الاسمية، ورغم أن القيمة السوقية لعدد آخر من الأسهم تقترب كثيراً من قيمتها الدفترية.

إن الأسهم عندما تكون في اتجاه هابط (downtrend) لا تعترف بالنظريات ولا بالمنطق، ولا تستجيب للأخبار الجيدة إن وجدت أصلاً. ولكي تخرج الأسواق من هذه الحال، تحتاج إلى سيولة متدفقة وطازجة (freshmoney)، فيما هذه السيولة الجديدة لن تعرف طريقها إلى الأسواق إلا إذا توافرت الثقة، والأخيرة لن تتوافر إلا إذا تحسنت الأوضاع الاقتصادية عالمياً وإقليمياً ومحلياً، وهذا يحتاج بطبيعة الحال إلى المزيد من الوقت.

ما الذي يمكن للمستثمرين عمله إذاً؟

يمكن للمحترفين من المتعاملين اتباع أسلوب «المتاجرة (المضاربة) في الأسهم على المدى القصير»، على أن يقوموا بالبيع كلما حققوا أي أرباح مهما كانت ضئيلة، ثم إعادة الشراء بعد ذلك بأسعار أقل. وأعتقد أن البعض منهم يقوم بذلك حالياً، وهم يجنون أموالاً بالفعل. أما غير المحترفين، فعليهم إما التوقف تماماً عن التداول وترك محافظ أسهمهم كما هي - من دون بيع أو شراء - إلى حين تتحسن الأمور، وإما تصفية هذه المحافظ، والتفرغ إلى الاستمتاع بمباريات كأس العالم. وبعد انتهاء البطولة، عليهم أن يفكروا في منفذ بديل «أكثر أماناً» يستثمرون فيه البقية الباقية من أموالهم.

 مقال من صلاح صبح

للتواصل مع الكاتب:

[email protected]

 

© 2010 تقرير مينا(www.menareport.com)