بقلم هنادي خليفة: مديرة العمليات في الشرق الأوسط وأفريقيا والهند لدى معهد المحاسبين الإداريين
كشفت التداعيات التي تمخضت عنها جائحة كوفيد-19 أن ضمان الشركات لاستمراريتها يتطلب منها تعزيز تركيزها على النمو، فقد أظهرت الجائحة مدى هشاشة الاقتصاد القائم على العولمة، لكنها في الوجه المقابل بيّنت أن تعزيز العولمة قد يساعد الشركات على النمو والازدهار خارج حدودها المحلية.
ما يعني أن تبني التقنيات على نطاق أوسع والارتقاء بمستويات التكيف معها سيسهم أيضاً بدور ملموس في تمكين الشركات من التحلي بمستويات أعلى من المرونة والتهيؤ بصورة أفضل لاستشراف المستقبل. وعليه، أثر استخدام التقنيات على نطاق أوسع خلال الأعوام القليلة الماضية على دور وظائف المالية والمحاسبة و وسّع آفاق تأثيرها. وقد ترافق هذا التوسع بارتفاع ملحوظ في حجم المخاطر الشخصية والمساءلة.
ففي الوقت الراهن، تشهد أدوار ومهام خبراء المالية والمحاسبة توسعاً متسارعاً لتتجاوز تفسير البيانات وإعداد التقارير استناداً إلى جداول البيانات المعدة يدوياً، وتتحول إلى وظائف استشارية ذات أبعاد استراتيجية ومدفوعة إلى حد كبير بالرؤى المستندة إلى بيانات منظومة العمل الأوسع والمؤثرة على أهداف المؤسسة. وعليه، تلعب التقنيات دور المحفز الأكبر على هذا الصعيد حيث باتت المؤسسات في مختلف القطاعات تدرك أهمية الأتمتة في عمليات التخطيط المالي.
ويشمل ذلك تلقي المزيد من البيانات المالية الدقيقة في الوقت المناسب من خلال التحليلات المتقدمة وأدوات إدارة أداء الشركات التي تعمل بتقنيات الذكاء الاصطناعي، كما أن خبراء المالية والمحاسبة يمضون اليوم وقتاً أطول لتحقيق فهم أكثر شمولاً لآليات عمل التقنيات المتقدمة ومقدرتها على تخفيف العديد من المشكلات التي تواجههم في إداراتهم عبر دفع عملية التغيير عوضاً عن اتخاذ القرارات تماشياً معها.
ووفقاً لدراسة تم إجراؤها مطلع العام 2020، يعتزم غالبية المسؤولين التنفيذيين للشؤون المالية والمحاسبة في أمريكا الشمالية التركيز على الاستثمار في مبادرات تقوم على التحليلات السحابية وأدوات إعداد التقارير الحديثة المدعمة بالتقنية خلال السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة، وذلك لمساعدة مؤسساتهم على النمو والازدهار في منظومة الأعمال الحالية التي تشهد منافسة متزايدة.
أما عبء مساعدة المتخصصين الماليين والمحاسبين الشباب على تبني هذه التقنيات ومواكبة وتيرة التغيير بصورة مثالية، فيقع على عاتق المؤسسات عموماً، والمدراء الماليين الذين يقودونها إلى حد كبير.
وعلى مدار فترات طويلة، ساهم الافتقار إلى الوعي التجاري والإقناع والتأثير ومهارات إدارة شؤون الشركاء إلى تشويه صورة فرق المالية التقليدية والتي كان يُنظر لها كأنها وظيفة عفا عليها الزمن. أما اليوم، فيتوجب على المسؤولين الماليين حث زملائهم الشباب على التركيز على مهارات الأعمال الشاملة التي تمكنهم من تطوير ورعاية الشراكات التجارية، والتفاوض مع الأطراف المعنية الرئيسيين واستثمار الوقت في التواصل مع العملاء وبناء العلاقات.
ويوماً تلو الآخر، يكتسب الاستثمار في فرق المالية والمحاسبة أهمية متزايدة نظراً لأن المهارات المطلوبة للتقدم في عالم الأرقام ستصبح جانباً أساسياً من الوظيفة. وبات لزاماً على المتخصصين في الشؤون المالية والمحاسبة في هذه المرحلة الاستفادة من البيانات لتحديد الفرص التي تسهل اتخاذ قرارات استراتيجية تعود بالفائدة على الأداء الإجمالي لمؤسساتهم.
ويرى غالبية المدراء الماليين أن الارتقاء بمهارات فرق العمل الداخلية يشجع الموظفين على مواصلة السعي للارتقاء الوظيفي داخل المؤسسة وتعزيز الثقافة المؤسسية للشركات، وتتجاوز أهمية ذلك مسألة الحفاظ على الموظفين إلى الحد من مخاطر تعيين موظفين جدد. ورغم بروز العديد من استراتيجيات الارتقاء بمهارات الفرق الداخلية، فإن ذلك يتطلب من المؤسسات أحياناً توفير برامج شهادات خارجية لتدريب فرق العمل على المهارات ذات الصلة عبر هذه البرامج. وتأتي هذه البرامج استكمالاً لمبادرات التوجيه الداخلي والتعاقب الوظيفي التي توفر لفرق المالية والمحاسبة فهماً أوسع لتأثير وظيفتهم على وحدات العمل المختلفة فيما يتعلق بعمليات الأعمال الشاملة.
وعليه، يتطلب التطور المستمر لهيكلية عمليات التمويل العالمية والمتطلبات المتغيرة لوظائف المالية والمحاسبة جهوداً هائلة لتمكين فرق العمل الحالية من تبني مفاهيم التعلم المستمر ضماناً لتطوير مهاراتهم في المستقبل.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلف ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر وآراء موقع البوابة أو الشركات التابعة لها.