أسعار المحروقات في الأردن: بين الخطأ والإهمال

تاريخ النشر: 10 سبتمبر 2012 - 09:46 GMT
المسؤولية الأولى للحكومة، تتمثل في التعامل مع الحالة
المسؤولية الأولى للحكومة، تتمثل في التعامل مع الحالة

ان تتصاعد أسعار النفط في السوق العالمي، فذلك أمر لا تلام عليه أي حكومة ، ولا تتحمل مسؤوليته بأي شكل من الأشكال. لكن “المسؤولية الأولى للحكومة، تتمثل في التعامل مع الحالة، و إيجاد الحلول والبدائل والوسائل التي تجعل المواطن كمستهلك، والقطاع الانتاجي من صناعة أو زراعة أو خدمات قادراً على تحمل أعباء الأسعار، دون أن يفقد قدرته على البقاء والعيش الكريم ،وقدرة المنتجات على المنافسة”. بمعنى أن دور الحكومة في الاقتصاد الحر لا يعني الهرب من المسؤولية، وإنما أن تكون جسراً ييسر العبور الاجتماعي إلى الحالة الاقتصادية القائمة. لقد شاءت الطبيعة الجيولوجية للمنطقة، أن يكون الأردن محاطاً بدول غنية بالنفط والغاز، ابتداء من العراق ودول الخليج واليمن والسعودية، وانتهاء بمصر وسوريا على مستوى أقل، في الوقت الذي لا تتوفر لديه مثل هذه المصادر.

الأمر الذي يمكن دول الجوار من التعامل مع أسعار المحروقات لمواطنيها وقطاعاتها الاقتصادية والاجتماعية بشكل مخفض ومدعوم. كل هذا يضع ضغطاً كبيراً على قدرة المنتجات الأردنية على المنافسة في الأسواق العربية، وقدرة المواطن على تحمل الأسعار. ولكن هذه الحالة لا تعني أن جميع السبل مسدودة أمام صانع القرار الأردني. واذا كان الملك قد تدخل هذه المرة في تجميد قرار الحكومة برفع الأسعار، فهل سوف يتدخل في كل مرة؟ و إلى متى ؟ وهل تستطيع الخزينة أن تتحمل دعماً سنوياً متزايداً لأسعار المشتقات بمئات الملايين من الدنانير ودون توقف؟ اين الخطأ..؟ وكيف يمكن التعامل مع هذه المسألة التي سنواجهها كل شهر وكل عام؟ الخطأ الذي وقعت فيه الحكومات المتعاقبة أنها” لم تأخذ موضوع النمو الاقتصادي المتواضع في البلاد بالخطورة اللازمة، ولا موضوع الطاقة وأسعارها المتصاعدة بعواقبها المؤلمة ، و لا قدرة المواطن على التعامل مع كل ذلك مأخذاً جاداً”. بل اعتبرت كل هذا مسألة عادية تقليدية .. ولسان حالها يقول نحن نرفع الأسعار وعلى المواطن أن يقبل ذلك. وفي اسوأ الأحوال يستمر الدعم لسنة أو أخرى بمزيد من الإستدانة. ولم تدرك الحكومات أن هذه مسائل حيوية تتزايد تعقيداً وتفاقماً عاماً بعد عام. فالطاقة أصبحت مثل الغذاء والدواء والكساء. هذا إضافة، إلى أن الحكومات لم تدرك حتى الآن، أن حالة التلكؤ في الاصلاح السياسي والاقتصادي من شأنها أن تضعف من بنية الدولة وتضيف توترات جديدة وتزعزع كل قرار.

لقد كان رفع الدعم عن المحروقات (وغيرها) وتحرير سوق الطاقة واحداً من التوصيات الدولية لمواجهة عجز الموازنة. ولكن الأخذ بهذه الوصفة جاهزة بدون الأعداد والاستعداد لها واللجوء “الساذج البسيط” إلى حركة العرض والطلب أمر غاية في الخطورة. كان على الحكومات منذ سنوات أن تقدم للمستهلك البدائل الممكنة ليختار منها ما يناسبه ،ثم تحمله مسؤولية الاختيار. أما أن تتقاعس الادارات عن تنويع مصادر الطاقة الذي كان الخبراء ينادون به منذ عام 1980، وتتقاعس عن تطوير المصادر المحلية، و عن تنمية الاقتصاد لينمو دخل الفرد بما يناسب الأسعار، تتقاعس الحكومات ثم تلقى المواطن في “اليم مكتوفاً.. وتقول له اياك أن تبتل بالماء”، فهذا أمر لا يعقل أبداً، ولا يستقيم في حالة المجتمع. كان على الحكومة ولا يزال القيام بسلسلة من الاجراءات قبل رفع الدعم، وقبل تحرير السوق، وإلا سوف تواجه باشكالات اجتماعية معقدة.

أولاً: اتمام حالة الاصلاح السياسي، و إزالة الاحتقانات حول رفض قانون الانتخاب، ووضع قانون متوافق عليه، ينتج برلماناً قوياً متماسكاً كتلياً برامجياً يساند الحكومة في قراراتها، بدلاً من هجومه عليها.

ثانياً: المباشرة الفورية مقابل حوافز ضريبة، و بمشاركة الحكومة لاستغلال الصخر الزيتي الأردني في توليد الكهرباء، وفي الصناعة من خلال الحرق المباشر، وفيما بعد التقطير.

ثالثاً: انشاء نظام نقل مركزي منظم يستخدم الحافلات الكبيرة وكذلك السكة الحديد، حتى لا يضطر كل مواطن أن يبحث عن سيارة. ذلك أن(40%) من المشتقات النفطية بكلفة (1600)مليون دينار سنويا تذهب لغايات النقل.

رابعاً: العمل على توفير أنظمة للتدفئة والتسخين و الإنارة لا تستعمل المحروقات، وإنما الطاقة الشمسية التي لم تعطها الحكومات أي اهتمام حتى الآن. وان تدخل الجامعات ومراكز الأبحاث لتطوير نماذج منزلية وهي موجودة في العالم

خامساً: المباشرة الفورية و بمشاركة الحكومة في إنشاء محطات لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية والتي أصبحت متاحة من أصغر الحجوم (1) كيلو واط إلى أكبر الحجوم (200) ألف كيلو واط. وكلفتها أقل من الطاقة النووية التي يسعى البعض إلى إقحامها.

سادساً: ان تباشرا لحكومة بتزويد المدارس بوحدات كهرباء وتدفئة بالطاقة الشمسية. ويكفي أن نذكر أن (30) مليون دينار كافية لتزويد كل المدارس الحكومية بالوحدات المطلوبة بدلاً من الحالة الصعبة القائمة و توفيرا للدعم الذي تدفعه

سابعاً: أن تتعاقد وزرة المالية مع البنوك لتمويل وحدات التوليد بالطاقة الشمسية والعزل الحراري.

ثامناً: أن يأخذ موضوع ترشيد الطاقة اهتماماً حقيقياً من خلال انشاء مجموعات تكنولوجية وهندسية متخصصة في المحافظات

تاسعاً: أن تبادر وزارة المالية باعطاء حوافز ضريبية للمستهلكين الذين يخفضون استهلاكهم. ولتكن هذه الحوافز (50%) من قيمة الدعم الذي كانت تدفعه الخزينة مقابل استهلاكاتهم

عاشراً: أن تستعين الدولة وصانعوا القرار ولو مرة واحدة على نطاق واسع ومعمق ودائم بأهل العلم والخبرة والمعرفة والاطلاع والرؤية المستقبلية. فإدارة قطاع الطاقة مسألة غاية في التعقيد والتشعب والتجدد. وأخيراً فإن مسألة الطاقة أخطر اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا وحضاريا من أن تكون مجرد زيادة أسعار، وتحميل المواطن عبء الفاتورة التي وصلت إلى هذا الحجم وهذا الثقل، نتيجة لتراخي الادارات المتعاقبة في تطوير البدائل، وتمكين المواطن، وعدم الإفادة من تجارب الدول الأخرى مثل اليابان و الدنمارك و النظر في متطلبات المستقبل.