توقعات بانخفاض أسعار السلع الزراعية في العالم خلال 2017

تاريخ النشر: 24 يناير 2017 - 08:13 GMT
بلغت أسعار مجموعة كبيرة من السلع الزراعية الرئيسة أدنى مستوى لها العام الماضي بعد جودة المحصول لعدد من سنوات متعاقبة
بلغت أسعار مجموعة كبيرة من السلع الزراعية الرئيسة أدنى مستوى لها العام الماضي بعد جودة المحصول لعدد من سنوات متعاقبة

يبدي مختصون اقتصاديون عالميون تفاؤلا معتدلا بأن يشهد عام 2017 استمرارا في انخفاض السلع الزراعية، وبلغت أسعار مجموعة كبيرة من السلع الزراعية الرئيسة أدنى مستوى لها العام الماضي بعد جودة المحصول لعدد من سنوات متعاقبة. 

ولا ينفي هذا التفاؤل وجود تحديات يجب أن تأخذها الأسواق في الاعتبار، إذ يمكنها أن تغير المشهد التفاؤلي في الأسواق. 

ويرصد لـ"الاقتصادية" روبرت جليز المختص في السلع الزراعية في بورصة لندن مجموعة من أبرز التحديات التي ستواجه السلع الزراعية هذا العام، "التقدم التكنولوجي في مجال الزراعة سمح بوجود وفرة عالمية في المخزون الحالي لعديد من السلع الزراعية الرئيسة، لكن هناك مشاكل أخرى يمكن أن تبرز جراء تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بتغيير السياسات الراهنة بشأن غاز الإيثانول، وإذا أخذنا في الاعتبار أن نسبة كبيرة من الإنتاج الأمريكي من الذرة وفول الصويا يستخدمان في إنتاج الوقود الحيوي، فإن ذلك سيؤثر بشدة في حجم الإنتاج النهائي المتاح في الأسواق، فنحو 40 في المئة من إنتاج الذرة الأمريكي استخدم في إنتاج الوقود الحيوي العام الماضي، بينما بلغت نسبة الفول الصويا نحو 20 في المئة". 

وأضاف قائلا: "كما أن أسعار العديد من السلع الزراعية الحيوية في أدنى مستوى لها حاليا، ومواصلة انخفاض الأسعار سيؤثر عمليا في عملية الإنتاج، وفي الاستثمارات المستقبلية".

مع هذا يرى المختصون أن سوق السلع الزراعية ستشهد تغيرات تختلف من سلعة إلى أخرى. 

في المقابل قال لـ"الاقتصادية" الدكتور تشارلز تيلوش أستاذ الاقتصاد الزراعي في جامعة بريستول: "هناك تفاؤل بشأن الحبوب والبذور الزيتية، والتقديرات الراهنة تشير إلى ارتفاع أسعار الذرة وفول الصويا بما يراوح بين 20 و25 في المئة".

وتابع :"هذا التحسن في الأسعار يعود إلى توقع بلوغ الطلب الصيني أرقاما قياسية، كما أن الطلب العالمي على الذرة في تزايد منذ بداية العام، لكنه من المبكر الآن وضع تصور نهائي لمسيرة الطلب العالمي على إجمالي السلع الزراعية في عام 2017".

وتشير بيانات منظمة الزراعة والغذاء العالمي "الفاو" إلى أن الاحتياطي الدولي من الحبوب وفول الصويا يظل عالي المستوى خاصة في الصين التي تحظى بنحو نصف الاحتياطي الدولي من الذرة، و40 في المئة من القمح، و20 في المئة من فول الصويا، بينما تمتلك 60 في المئة من المعروض العالمي من القطن. 

وقال لـ"الاقتصادية" المختص في بورصة لندن مارك اليوت: "ارتفعت أسعار المحاصيل الزراعية منذ بداية العام بنحو 5.8 في المئة، ومن المرجح أن ترتفع الأسعار خلال الربع الأول من هذا العام بنحو 6.7 في المئة، ولكن هناك مخاوف من التأثير السلبي للدولار على الطلب من قبل البلدان الناشئة".

وأضاف مارك قائلا: "العديد من السلع الزراعية تقيم بالدولار، حيث إن أغلب التقديرات تشير إلى أن عام 2017 سيشهد ارتفاعا كبيرا في سعر صرف العملة الأمريكية، فإن ذلك سيضع ضغوطا ملموسة على قدرة الاقتصادات الناشئة على الاستيراد".

وبينما يحذر بعض المختصين من مغبة الإفراط في التفاؤل بشأن التوجهات السعرية المعتدلة للسلع الزراعية هذا العام، مؤكدين أن التغيرات غير المتوقعة في الطقس العالمي، خاصة في البلدان المنتجة للسلع الزراعية الرئيسة كالولايات المتحدة وروسيا والصين، قد يؤدي إلى

تعقيد المشهد نتيجة السحب من الاحتياطيات العالمية بما لذلك من تأثير مضاعف على الأسعار.

في المقابل يحذر مختصون آخرون من العكس تماما، ويؤكدون أن الأسعار يمكن أن تشهد انخفاضا لأسباب خارج قدرة الإنسان في السيطرة عليها أو توجيهها. 

ويشير الدكتور تشارلز تيلوش أستاذ الاقتصاد الزراعي في جامعة بريستول قائلا: "هناك مخاوف من عودة وباء انفلونزا الطيور في بعض البلدان الآسيوية مثل كوريا الجنوبية، والصين واليابان، وكذلك في بعض البلدان الأوروبية مثل ألمانيا وفرنسا أكبر منتج للدواجن في الاتحاد الاوروبي، وإذ ما حدث ذلك فسنشهد انخفاضا شديدا في الطلب على الأعلاف ومكوناتها الأساسية، ما يعني زيادة العرض وانخفاض الطلب ومن ثم تراجع الأسعار".

وأضاف هاري ريد الباحث في منظمة الفاو إلى تلك العوامل مجموعة أخرى من العوامل التي قد تدفع لانخفاض الأسعار، وقال لـ"الاقتصادية": "توتر العلاقات التجارية بين بكين وواشنطن سيؤدي إلى تقليص الواردات الصينية من العديد من المنتجات الزراعية الأمريكية، وهذا سيخلق فائضا في الإنتاج سيكون بمثابة عنصر ضغط على الأسعار".

مع هذا يرى هاري ريد أن تحسن الأسعار المتوقع هذا العام لربما يكون تحسنا مؤقتا، وأن هناك مجموعة من العوامل الفاعلة على الأمد الطويل التي ستؤثر سلبا في أسعار المنتجات الغذائية من أهمها كما يقول لـ"الاقتصادية": التباطؤ في نمو السكان عالميا، اذ يتوقع أن يبلغ النمو 1 في المئة خلال العقد المقبل، ليصل سكان الكرة الأرضية إلى ثمانية مليارات شخص بحلول عام 2024، وبعض البلدان سيتراجع عدد سكانها مثل اليابان بنحو 3 في المئة، وكذلك روسيا الاتحادية بنحو 4.3 مليون نسمة خلال العقد المقبل، هذا النمو البطيء لسكان الكرة الأرضية يترافق مع ارتفاع في مستوى معيشة السكان في عدد من البلدان كثيفة السكان مثل الصين والهند والبرازيل، ويترافق ذلك أيضا مع تغير في أنماط الاستهلاك الغذائي من الكم إلى النوع مع استهلاك أكبر للبروتين الحيواني والأسماك، فإذا أخذنا في الاعتبار التقدم المتسارع في التكنولوجيا الزراعية وقدرتها على زيادة الإنتاج، فسنجد أن المحصلة النهائية زيادة في المعروض من السلع الزراعية بمعدلات تفوق الزيادة في الطلب ما ينعكس سلبا على الأسعار". 

إلا أن وجهة النظر تلك تلقى معارضة شديدة من الدكتورة مارجريت براون أستاذة الاقتصاد الزراعي في جامعة كامبريدج، حيث قالت لـ "الاقتصادية": "المراهنة على أن المستقبل يحمل في طياته انخفاضا في أسعار السلع الزراعية، يدخل في إطار التمنيات أكثر منه واقع معاش.

فإمكانية التوسع في الإنتاج الزراعي دائما محدودة سواء بسبب العوامل الجغرافية مثل تناقص مساحة الأراضي الصالحة للزراعة، والعوامل المناخية، والتغييرات المختلفة في سياسات حماية البيئة، وخلال العقد الماضي زاد الإنتاج الزراعي العالمي بنحو 2.2 في المئة للفرد نتيجة النمو الزراعي الكبير في أوروبا الشرقية بما في ذلك روسيا التي زاد فيها الإنتاج الزراعي بنحو 3.3 في المئة وإفريقيا بنحو 2.9 في المئة بينما لم يزد في أوروبا الغربية بأكثر من 0.7 في المئة، وخلال العقد المقبل سينخفض الإنتاج الزراعي العالمي بنحو 1.5 في المئة للفرد نتيجة تراجع الإنتاج الزراعي في مختلف مناطق العالم وهو ما يعني حتمية ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية”.