ما إن أعلن رئيس الوزراء الإيطالي استقالته من منصبه، إثر رفض الناخبين في إيطاليا حزمة الإصلاحات الدستورية التي طرحها عليهم في استفتاء عام، وارتفعت أسعار الذهب بنحو 0.9 في المئة، لكنها سريعًا ما انخفضت بنحو 1.3 في المئة ليصل سعر الأونصة إلى 1162.45 دولار، وليصل الذهب بذلك إلى أدنى مستوى له خلال عشرة أشهر، وليزداد الدولار قوة في مواجهة العملة الأوروبية الموحدة اليورو.
وتعرض الذهب هذا العام لحالة من التقلبات نتيجة تطورات متعاقبة في عديد من الاقتصادات المتقدمة، فالذهب الذي ارتفعت أسعاره في أعقاب تصويت البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوروبي، انخفض مع فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأمريكية، وتعهده برفع أسعار الفائدة.
ولا شك أن تلك الضغوط التي يتعرض لها المعدن الأصفر، طرحت تساؤلات حول جدوى الاستثمار في الذهب في المرحلة الراهنة!
تيم سوني الباحث في بنك إنجلترا يعلق لـ"الاقتصادية"، "ربما الظاهرة الغريبة التي تواجهها أسواق الذهب حاليًا، هي أن عدم الاستقرار السياسي الذي يجتاح الاقتصادات الغربية منذ النصف الثاني من العام الجاري، الذي بدا واضحًا في تصويت البريطانيين لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي، ثم وصول دونالد ترمب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، والآن رفض الإيطاليين الإصلاحات الدستورية، كان يجب أن تنعكس على أسعار الذهب ارتفاعًا، لكن الذي حدث هو العكس تمامًا"، وأضاف "نلاحظ أن هذا ترافق مع وضع غير معتاد في الأسواق، وهو ارتفاع في أسعار المعادن الرئيسية، وعادة لا يحدث ذلك في أوقات التقلبات الاقتصادية".
ويرجع تيم سوني هذا الوضع إلى التغيرات الموازية في سوق العملات، ويقول "الارتفاع الصاروخي لسعر صرف الدولار، على الرغم من انخفاض أسعار الفائدة الأمريكية، يدفع بعديد من المستثمرين إلى تجنب الاستثمار في الذهب في الوقت الراهن، لمصلحة الاستثمار في مجالات أخرى مثل المعادن الأساسية"، لكن إلى أي مدى يعني ذلك أنه من غير المجدي الاستثمار في الذهب في حاليًا.
هنا قال هنري جونير المحلل المالي في بورصة لندن، "ربما لا يكون الاستثمار في المعدن الأصفر مجديا في الأمد القصير، لكن في الأمدين المتوسط والطويل سيكون الوسيلة المثلى كملاذ آمن، فالفجوة بين الصين والولايات المتحدة تزداد اتساعًا، وانتقادات الرئيس ترمب الأخيرة للصين بأنها تتلاعب في عملتها بالخفض لجذب الشركات الأمريكية لنقل نشاطها إليها، تمثل بداية لمواجهة عدائية مقبلة بين الطرفين، والمتوقع أن ينجم عنها مزيد من الطلب على الذهب كملاذ آمن".
واستدرك، قائلًا، "الأسواق ستستعد تدريجيًا لمواجهة تبعات تلك المعركة، ومع اتخاذ الطرفين خطوات ملموسة في هذا الصراع سنشهد إقبالًا شديدًا على الذهب، وفي الأغلب سيظهر ذلك السلوك انطلاقًا من الربع الثاني من العام المقبل، بعد أن تضعف نسبيا الفورة الناجمة عن رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، وما سيرافقها من إقبال على شراء الدولار"، ويعتقد بعض الاقتصاديين أن نجاح الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب في الوفاء بوعوده برفع معدلات النمو الاقتصادي، ستصاحبه بلا شك ارتفاعات ملحوظة في معدل التضخم، وهو ما سيمثل عاملًا تلقائيًا لزيادة الطلب على الذهب، إلا أن وجهة النظر تلك تعول على الأمد الطويل لرفع أسعار المعدن الأصفر.
ويرجح بعض المختصين في بورصة لندن، أن الانخفاض الراهن في أسعار المعدن الأصفر يمثل فرصة ذهبية للراغبين في تحقيق أرباح ملموسة في المستقبل من خلال الشراء الآن، كما يشيرون إلى أن ذلك يساعد على تنويع المحفظة الاستثمارية مع خفض نسبة المخاطر على الأصول المختلفة في الوقت ذاته.
من ناحيته، قال نيل منروا؛ المحلل المالي في بورصة لندن، "في ظل أسعار الذهب المنخفضة حاليًا، يبدأ عديد من شركات التنقيب عنه جذابا للمستثمرين، وربما يشجع ذلك في زيادة مستقبلية لرؤوس الأموال المستثمرة في البحث والتنقيب التي انخفضت من عشرة مليارات دولار عام 2012 إلى أربعة مليارات فقط أخيرًا".
وأضاف، "إذا تواصل هذا الوضع ولم تضخ أموال كثيفة في عمليات البحث والتنقيب، فسنشهد انخفاضًا في المعروض بشكل ملموس بحلول عام 2020، وسيؤدي ذلك إلى ارتفاع الأسعار بصورة فلكية".
اقرأ أيضًا:
توقعات الفائدة الأميركية تضيق النطاق على أسعار الذهب
الذهب يتخلى عن موجة الصعود بعد انهيار محادثات اليونان
توقيت رفع الفائدة الأمريكية يضيق النطاق على أسعار الذهب والدولار