ثشا
أشار بنك الكويت الوطني في نشرته الاقتصادية لدول الخليج إلى أن الاقتصاد القطري واجه الأزمة العالمية بتكلفة محدودة. وبينما كشفت الأزمة عن نقاط الضعف في بعض القطاعات (لاسيما القطاع العقاري وسوق الأسهم)، ساهمت الإجراءات الحكومية القوية في الحد من الخسائر المحتملة.
وفي الوقت نفسه، حافظ الاقتصاد القطري على وتيرة نموه السريعة، وبلغ معدل النمو في العام الماضي 9.8% بالأسعار الثابتة. وتوقع الوطني أن يواصل الاقتصاد القطري مساره هذا، مدعوما بمقومات قوية. وبالتالي لا يتوقع أن يؤثر ضعف الاقتصاد العالمي على معدل نمو الاقتصاد القطري، بل يتوقع أن يتسارع هذا النمو في العامين 2010 و2011، قبل أن يعتدل قليلا في السنوات اللاحقة مع بلوغ قطر المستوى المستهدف لإنتاج الغاز الطبيعي المسال.
وخلال السنوات المقبلة، ستلعب العوامل التالية دورا مهما في رسم ملامح وأداء الاقتصاد القطري:
أ- باتت قطر المصدر الأكبر للغاز الطبيعي المسال في العالم. وتوقع الوطني أن يشهد العامان المقبلان ارتفاعا ملحوظا في حجم إنتاج قطر من الغاز مع اقترابها من المستوى المستهدف البالغ 77 مليون طن سنويا، أي ما يوازي 3.4 مليون برميل يوميا من النفط، والذي يتوقع أن تبلغه بحلول نهاية العام 2011. وعند هذا المستوى، تكون قطر قد ضاعفت من حجم إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال مقارنة مع العام 2009.
ب- من شأن الفوائض المالية والتجارية الضخمة أن تدعم النمو في المستقبل. ورأى الوطني أن صادرات قطر من الغاز والسلع النفطية الأخرى ستعزز من الفوائض المالية في المستقبل، كما إنها ستدعم حجم الاستثمار في القطاعات الأخرى من الاقتصاد. وتتضمن ميزانية السنة المالية 2010/2011 ارتفاعا في إجمالي المصروفات بواقع 25%، وتوقع الوطني أن تتواصل هذه المصروفات الضخمة في المستقبل في ظل جهود الحكومة لتنويع الاقتصاد.
ج- ساهمت الإجراءات والسياسات الوقائية الحكومية في تحقيق الاستقرار في القطاعين العقاري والمالي خلال الأزمة. ومن المرجح أن تقوم الحكومة في تقديم الدعم متى استدعت الحاجة في المستقبل لكي يواصل الاقتصاد نموه القوي.
نمو قوي للناتج المحلي الإجمالي...
وقد سجلت قطر نموا اقتصاديا قويا في السنوات الأخيرة. ويتوقع الوطني أن يكون الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة قد نما بواقع 9.8% في العام الماضي، من بين الأسرع عالميا. كما يتوقع أن يتسارع هذا النمو في العامين 2010 و2011 إلى 16% و12% على التوالي، بفضل الارتفاع في إنتاج الغاز. ومن بعدها، يتوقع أن يعتدل النمو قليلا، متراجعا دون مستوى 10%، معتمدا بشكل أكبر على القطاع غير النفطي.
... ودعم كبير من القطاع النفطي
وقد نما قطاع النفط والغاز في قطر بنحو 11% في 2009، بفضل ارتفاع إنتاج الغاز. وقد بلغ إنتاج قطر من النفط الخام 0.8 مليون برميل يوميا في 2009، كما بلغ إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال 39 مليون طن سنويا. وكان قطاع الغاز قد تجاوز قطاع النفط كأكبر مساهم في الناتج المحلي الإجمالي في 2008. أما في العامين المقبلين، فيتوفع الوطني أن ينمو هذا القطاع بمعدل 15% سنويا مع مضي قطر في خططها لإنتاج 77 مليون طن سنويا من الغاز الطبيعي المسال بنهاية العام 2011، والمضي قدما في خططها لرفع طاقتها الإنتاجية من النفط الخام إلى مليون برميل يوميا.
قطاع الغاز عامل أساسي في التنمية
وأشار الوطني إلى أن احتياطيات قطر المؤكدة من الغاز الطبيعي تبلغ، وفقا لشركة قطر للبترول، نحو 900 تريليون قدم مربع، أي ما يوازي 168 مليار برميل من النفط الخام. ويضع هذا قطر في المرتبة الثالثة عالميا خلف روسيا وإيران كصاحبة أكبر احتياطي من الغاز، بحصة تبلغ 15% من الإجمالي.
وفي السنوات الأخيرة، تعاظم دور قطر كأحد أهم اللاعبين على ساحة الطاقة العالمية. إذ بعد أن ضخت استثمارات ضخمة في قطاع الغاز، باتت قطر المصدر الأول للغاز الطبيعي المسال في العالم. وسيؤمن هذا الموقع لقطر عائدات كبيرة لسنوات عديدة في المستقبل، تضاف إلى عائداتها من النفط الخام، ما من شأنه أن يدعم الجهود الحكومية لتنويع الاقتصاد.
إنتاج الغاز الطبيعي المسال نحو ضعف مستواه بحلول 2011
وأوضح الوطني أن هناك مشروعين أساسيين للغاز الطبيعي المسال في قطر، هما "راس غاز" و"قطر للغاز" اللذين يشغلان حاليا 11 خط إنتاج ضخمة. وكانت ثلاثة خطوط إنتاج قد أضيفت في العام 2009 بطاقة إنتاجية تبلغ 23.4 مليون طن سنويا، ما رفع إجمالي الطاقة الإنتاجية لكافة خطوط إنتاج الغاز الطبيعي المسال إلى 54 مليون طن سنويا (رغم أن هذه الخطوط لن تعمل بطاقتها القصوى قبل نهاية العام 2010). كذلك، يتوقع أن تضاف ثلاثة خطوط إنتاج جديدة في وقت لاحق من العام الحالي وفي العام المقبل، بطاقة إنتاجية تبلغ 23.4 مليون طن سنويا إضافية، لترفع إجمالي الطاقة الإنتاجية إلى 77.4 مليون طن سنويا.
ضعف الطلب على الغاز يمثل تحديا
ورغم كونه يعتبر بديلا ملائماً للنفط، إلا أن الوطني رأى عددا من العوامل تدفع إلى توقع حالة من الضعف في تطلعات قطاع الغاز في المدى الطويل. إذ إثر الأزمة الأخيرة، انخفض الطلب العالمي على النفط والغاز، وهناك تخوف من أن يؤدي استمرار تردي النشاط الاقتصادي العالمي نتيجة الأزمة إلى خفض الطلب بشكل إضافي. كما أن هناك تخوفا متزايدا من أن يتجاوز العرض حجم الطلب بعد الاستثمارات الكبيرة التي ضخت في إنتاج الغاز (التقليدي وغيره) خلال السنوات الأخيرة. ونتيجة لذلك، تراجعت أسعار الغاز بشكل ملحوظ منذ العام 2008.
لكن رغم هذه التحديات، توقع الوطني أن تستفيد قطر من نمو قطاع الغاز لديها. فواقع أن تكلفة إنتاج الغاز في قطر أدنى بكثير من متوسطه العالمي، قد وضعها في موقع أفضل من الدول الأخرى في مواجهة تداعيات انخفاض الأسعار. إلا أن التعمق في تحليل أثر هذه التغيرات على مستقبل القطاع يتطلب الكشف على عقود الغاز (وآليات التسعير فيها). لكن بشكل عام، تشكل هذه التحديات دليلا إضافيا على ضرورة تنويع الاقتصاد، وهو ما يتصدر أولويات الحكومة.
نمو متوقع أيضا للقطاع غير النفطي
بدوره، شهد القطاع غير النفطي نموا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، ويتوقع أن يواصل هذا المنحى في السنوات المقبلة. وقد دفعت خطط قطر لتنويع الاقتصاد إلى استثمار مبالغ ضخمة في قطاعات الصناعات التحويلية والبنى التحتية والصحة والتعليم، إلى جانب قطاعات أخرى. وتشير تقديرات الوطني إلى أن القطاع غير النفطي قد نما في 2009 بواقع 9% بالأسعار الثابتة، ويتوقع أن ينمو في العام الحالي بنحو 15%.
ويساهم كل من القطاع المالي والعقاري بالحصة الأكبر في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، وبما نسبته 25%. وإلى جانب استفادتهما من نمو القطاع النفطي، يستفيد هذان القطاعان من النمو السكاني السريع في قطر، والذي سجل ما متوسطه 17% سنويا خلال السنوات الأربع الماضية، ليبلغ عدد سكان قطر نحو 1.7 مليون نسمة في مارس 2010 (بحسب جهاز الإحصاء في قطر).
وأشار الوطني إلى أن طفرة قطاع الغاز في قطر لا تنحصر بإنتاج الغاز الطبيعي المسال فقط، بل تمتد لتشمل العديد من الصناعات المرتبطة به التي من شأنها أن تدعم نمو قطاع الصناعات التحويلية. وعلى الرغم من أن حصة الأخير من الناتج المحلي الإجمالي- بالأسعار الجارية- قد انخفضت في العام 2009، إلا أنه يتوقع أن يستعيد قطاع الصناعة التحويلية مكانته في السنوات المقبلة بفضل عودة كل من الأسعار والإنتاج إلى الارتفاع مجددا.
إنفاق حكومي قياسي في السنة المالية 2010/2011
واعتمدت ميزانية قطر للسنة المالية 2010/2011 نحو 117.9 مليار ريال قطري كمصروفات عامة، ما يمثل ارتفاعا بواقع 25% عن حجم المصروفات في ميزانية السنة السابقة. وتقدر الحكومة أن تحقق الميزانية فائضا بمقدار 9.7 مليار ريال على أساس 55 دولارا سعرا لبرميل النفط. إلا أن أسعار النفط يتوقع أن تأتي فعليا أعلى من ذلك المستوى، وفقا لتقديرات الوطني، وبالتالي يفترض أن تقود إلى تحقيق فائض في السنة المالية الحالية بما نسبته 11.5% من الناتج المحلي الإجمالي، أي أعلى بكثير من الفائض المحقق في السنة السابقة.
ومن إجمالي المصروفات، اعتمدت الحكومة نحو 43.5 مليار ريال للمصروفات الرأسمالية، ما يمثل ارتفاعا بواقع 15% عن مستواها في ميزانية السنة السابقة، 82% منها ستنفق على البنى التحتية. وفي المقابل، خصصت الحكومة 17.3 مليار ريال لقطاع التعليم، أي ما نسبته 15% من إجمالي المصروفات، و8.6 مليار ريال لقطاع الصحة.
ارتفاع متوقع في الحساب الجاري خلال 2010
وفي الوقت نفسه، أشار الوطني إلى أن حجم التجارة الخارجية لقطر شهد تراجعا ملحوظا في 2009. إذ يحتمل أن يكون الفائض السلعي قد سجل تراجعا حادا نتيجة انخفاض الإيرادات النفطية بنحو 30% (إثر انخفاض الأسعار). ونتيجة لذلك، يتوقع الوطني أن يكون فائض الحساب الجاري قد تراجع في 2009 مقارنة مع السنوات السابقة. إلا أن ارتفاع أسعار النفط والغاز يفترض أن يساهم في تعافي الصادرات النفطية هذا العام، ما سيدفع فائض الحساب الجاري إلى حدود 23% من الناتج المحلي الإجمالي، متجاوزا مستواه في السنوات السابقة، ومستفيداً من تنامي صادرات الغاز.
الطلب المحلي يتوقع أن يجاري النمو الاقتصادي
وأشار الوطني إلى أن معدل النمو السنوي لعرض النقد بمفهومه الواسع (M2) كان قد انكمش في النصف الأول من العام الماضي، فيما شهد عرض النقد بمفهومه الضيق (M1) هبوطا أكثر حدة. لكن مع بداية النصف الثاني من العام، عاد عرض النقد بمفهومه الواسع إلى النمو، مدفوعا بالدعم الحكومي القوي وبتعافي نمو الائتمان. وبنهاية شهر فبراير من العام الحالي، نما عرض النقد بمفهومه الواسع بنحو 36% على أساس سنوي، بينما تسارع معدل نموه بمفهومه الضيق إلى 19% مقارنة مع فبراير 2009، في وقت مازال عرض النقد يشهد نموا ضعيفا في كافة الدول الخليجية الأخرى.
وعلى نحو مشابه، تباطأ نمو الائتمان في النصف الأول من العام الماضي، لكنه بقي موجبا. وفي النصف الثاني من العام، بدأ معدل نمو الائتمان بالتسارع، ليسجل 31% على أساس سنوي (+63 مليار ريال) في فبراير الماضي. ووجد هذا النمو دعما بشكل رئيسي من تزايد القروض الممنوحة إلى القطاع العام (مرتفعة بواقع 47 مليار ريال)، لتشكل نحو 80% من إجمالي النمو. بالإضافة إلى ذلك، استفاد نمو الائتمان من القروض الممنوحة إلى القطاع العقاري (مرتفعة 28% في فبراير). لكن القروض الاستهلاكية وتلك الممنوحة إلى القطاعات الخدمية قد تراجعت بمقدار 4 مليارات ريال (-5%) خلال الفترة نفسها.
معدل التضخم المتوقع بحدود 4% في 2010
وشهدت قطر انكماشا في أسعار المستهلك في 2009، بلغ 4.2% على أساس سنوي. بعدما كانت قد شهدت في العام 2008 أعلى معدل تضخم خليجيا عند 15.2%. وفيما تراجعت أسعار معظم مكونات سلة المستهلك في 2009، إلا أن الهبوط الأكبر كان في إيجارات المساكن (-10%). وتظهر أسعار المستهلك في شهر فبراير من العام الحالي أول ارتفاع شهري لها منذ شهر مايو من العام 2009، ولو بشكل طفيف. وتظهر هذه البيانات بعض الاستقرار في أسعار الإيجارات. بينما في النواحي الأخرى، فرأى الوطني أن من شأن تسارع النمو الاقتصادي أن يرفع الأسعار، لكن ليس لما كانت عليه قبل الأزمة. أما بالنسبة لكامل العام 2010، فيتوقع الوطني أن يرتفع معدل التضخم إلى ما متوسطه 4%. وهذا المعدل المنخفض، مقارنة مع السنوات السابقة، يتيح مرونة أكبر للسياسة النقدية.
الخلاصة
ونتيجة لذلك، رأى الوطني أن معدل نمو الاقتصاد القطري سيبقى مرتفعا في السنوات المقبلة، مدفوعا بنمو قطاع الغاز وارتفاع المصروفات الحكومية. لكن ما زال من الممكن أن تبرز بعض نقاط الضعف، إذ قد يشهد القطاع العقاري تراجعا، لاسيما التجاري منه بسبب فائض العرض. كما أن اعتماد النمو الاقتصادي على قطاع الغاز يعرض قطر للصدمات التي قد تصيب هذا القطاع. إلا أن العزم على تنفيذ خطط تنويع الاقتصاد والدعم الحكومي القوي عوامل من شأنها أن تحمي الاقتصاد القطري وتتيح له مواصلة النمو.
© 2010 تقرير مينا(www.menareport.com)