يتناول كتاب "التحول الديمقراطي في روسيا من يلتسين إلى بوتين.. التجربة والدروس في ضوء الربيع العربي"، لمؤلفه الدكتور هاني شادي، المقيم في موسكو منذ العام 1985، مرحلة زمنية مهمة في تاريخ روسيا، تتمثل في العشرين سنة الأخيرة وانتقالها، كما يشير، من «الشمولية السوفييتية» إلى نموذج «الديمقراطية الموجهة».
يتناول شادي في الفصل الأول، موضوع "التحول الديمقراطي في الفضاء السوفييتي" ومفهوم "الديمقراطية الموجهة " وعملية التحول الديمقراطي في روسيا، ذلك في إطار نظريات الانتقال إلى الديمقراطية. كما يُلقي نظرة عامة على التحول الديمقراطي في الفضاء السوفييتي السابق، والنتائج المتمخضة.
وفي الفصل الثاني "يلتسين والديمقراطية"، يتطرق المؤلف إلى الخطوات التي أقدم عليها بوريس يلتسين، لغرس بذور نموذج «الديمقراطية الموجهة»، عبر التخلص من البرلمان وقصفه بالدبابات، وإقرار دستور جديد يمنحه صلاحيات كبيرة وواسعة في مواجهة السلطة التشريعية، ومن ثم إجراء انتخابات رئاسية في عام 1996 شابها التزوير وامتزج فيها المال السياسي بالسلطة. وبعد ذلك نقل يلتسين السلطة الرئاسية إلى «الوريث»: فلاديمير بوتين، من أجل الحفاظ على النظام الذي أسسه.
ويكشف شادي في الفصل الثالث من الكتاب: "صعود بوتين وترسيخ الديمقراطية الموجهة"، عن الخطوات والآليات التي اتبعها فلاديمير بوتين لترسيخ نموذج "الديمقراطية الموجهة" في روسيا، على مدار السنوات الأخيرة، ذلك النموذج الذي لا يفترض "تداول السلطة" عبر انتخابات نزيهة وشفافة بين القوى السياسية المختلفة في المجتمع الروسي، وإنما "تبادل السلطة"، خاصة الرئاسية، داخل مجموعة ضيقة من المقربين لزعيم الكرملين. ويبين المؤلف أن بوتين عمل بقوة على ترسيخ "الديمقراطية الموجهة" وتقوية سلطته وإخضاع طواغيت المال (الأوليغاركيا) ووسائل الإعلام.
ويرصد الكتاب أيضاً، دور أسعار النفط والغاز المرتفعة عالمياً، وما نجم عنها من نمو اقتصادي غير مسبوق في تاريخ روسيا، ساعد بوتين على ترسيخ نموذج "الديمقراطية الموجهة ". وفي الفصل الأخير "مستقبل الديمقراطية الموجهة في روسيا "، يتعرض المؤلف لعودة بوتين إلى الكرملين من جديد في مرآة "الربيع العربي"، ويربط بين نموذج "الديمقراطية الموجهة " القائم في روسيا وموقف الكرملين " المتحفظ والحذر" من الانتفاضات الشعبية في بعض البلدان العربية.
ويلفت شادي إلى أن عودة بوتين إلى الكرملين مجدداً في 2012، والاحتمال الكبير لاستمراره في الرئاسة حتى العام 2024، أدت إلى ظهور سيناريو آخر يتعلق باحتمال إصابة روسيا بنوع من «الركود»، على غرار فترة حكم ليونيد بريجنيف للاتحاد السوفييتي.
ويستند هذا السيناريو إلى أن استمرار بوتين في الحكم لفترة جديدة طويلة، ربما يزيد من ميل النخبة الحاكمة نحو النزعة «المحافظة »، لإيمانها بأنها لن تُزاح عن السلطة، لأن زعيمها موجود وسيستمر على الدوام. ومن السيناريوهات الأخرى، التي تُطرح في الكتاب، سيناريو «الربيع الروسي» على غرار «الربيع العربي».
ويستند هذا السيناريو إلى تكهن البعض باستمرار الاحتجاجات الشعبية السلمية مستقبلاً، للمطالبة بانتخابات شفافة ونزيهة والانتقال إلى ديمقراطية حقيقية لتداول السلطة ونظام عادل لتوزيع الدخول والثروات ومكافحة الفساد. ويرى مؤلف الكتاب، أنه من الصعوبة بمكان، التكهن بمستقبل الحركة الاحتجاجية الشعبية في روسيا، خاصة بعد تراجعها في الفترة الأخيرة، لأسباب كثيرة، منها: تشرذم هذه الحركة وضعفها، استمرار تمتع بوتين بتأييد مجموعات غير قليلة من الأنصار وأصحاب المصالح.
وفي مواجهة السيناريوهات المشار إليها، يتعرض المؤلف في كتابه إلى آراء المدافعين عن "نظام الديمقراطية الموجهة"، الذين يؤمنون بأن بوتين بعد أن عاد إلى الكرملين، سيجرى إصلاحات سياسية واقتصادية مهمة، تخلص روسيا من الفساد وتحقق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. المصدر: البيان
المؤلف في سطور
الدكتور هاني محمد شادي، كاتب وباحث مصري. من مواليد القاهرة.. ومقيم في موسكو منذ عام 1985، حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد السياسي من جامعة موسكو. وعمل مراسلاً لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" العربية في موسكو من 2004 وحتى 2011، ومراسلاً لجريدة "الوطن" العمانية في روسيا خلال الفترة من 1994 وحتى 2009. وهو حالياً كاتب مقال في جريدة السفير اللبنانية.