هدى السعدي.. دموع البنفسج وياقوت الأُنثى

تاريخ النشر: 04 نوفمبر 2007 - 05:12 GMT

تستنفر الشاعرة العربية الإماراتية (هُدى محمد السعدي) طاقاتها الشعرية وفي كُلّ الاتجاهات الإبداعية في قصائد وجدانية تنتمي إلى هموم العصر العربية وتُلغي خطوط التقسيم الاستعمارية التي وضعتها اتفاقية سايكس ـ بيكو المشؤومة وذلك في مجموعتها الشعرية البكر «دموعُ البنفسج» الصادرة في دمشق، عن مطبعة دار عكرمة عام 2005.
 

ويجدُ القارئ قاموس شاعرتنا مُلمّاً بقضايا الأُمة المصيرية وعاكساً لواقعها التراجيدي ومليئاً بالحنين إلى الماضي التليد المشرق بالبطولات والانتصارات والعطاء الإنساني الأثير. وعند استعراضنا قصائد المجموعة نلاحظ أنّ النصوص تنتمي إلى جنسين صعبين من أجناس الشعر العربي المعاصر وهما الشعر العمودي
 

وقصيدة التفعيلة وبهذين الشكلين تستعرض شاعرتنا همومها الشخصية المتصلة بهموم وطنها وأُمتها وهي بذلك تحقق نجاحاً باهراً. يجعل الشعر صوتاً مُعبّراً عن (الهمّ الفردي ـ الجمعي) وهذه نقطة لا يحققها إلاّ شاعر واسع الثقافة والدراية وأصيل الموهبة
 

ويمتلك أدوات شعرية متكاملة تؤهلُهُ لدخول منطقة الشعر العربي المعاصر المضيئة في الزمن الراهن المليء بالرّثّ من نصوص تبتعد عن منطقة الإبداع كثيراً وتدخل حيّز المحسوبية والوساطة في الطبع والنشر والتطبيل الإعلامي والنقدي على أساس العلاقات الشخصية والنفعية الزائلة بزوال وانتهاء منافع شخصية ومادية لا تعيش طويلاً تحت ضوء شمس الإبداع الحقيقي.
 

يبدو انَّ قضية غزو العراق شغلت شاعرتنا وأضنتها كردّة فعل على الجمود العربي الرسمي الذي زامن الكارثة باعتبار الظلم الواقع على العراق كقطر عربي مستقل من الأقطار العربية ظلم مريرٌ وغير مُبرّر (ما أنت جاريتي ولستِ بجارتي/
 

أو منْ صديقاتِ الصّبا أو بنتِ عَمّ/ بَلْ أنتِ أُمّي.. أي بنتِ بَرّةٍ/ تقوى امتلاك دموعِها في فَقْدِ أم ـ قصيدة حوارية الألم ـ الفتاة ص46) ويبدو أنّ [(الفتاة الصُّغرى)، هي الشاعرة التي تحاورُ الأُمّ (بغداد)] وَهُنا تنجح الشاعرة عبر حوارها المرير في قصيدة «حوارية الألم» بوصف حالة الخذلان التي تعيشها (بغداد) من (أبنائها العرب)
 

فقد ناوأتْ بغداد الاستعمار وهجماته الشرسة التي استهدفت أبناء الأمة العربية وما كان جزاؤها إلا أن تُسلّم بدمٍ باردٍ للمذبح وسط برود حكومي عربي تفجّره الشاعرة بالرفض على لسانِ بغداد قائلةً (أنا لَنْ أُسامِحَ يا ابنتي مَنْ أنكروا/ طَعْمَ الحليبِ وأنكروا دِفْءَ الرّحمْ/ الكافرونَ بأَصلِهم وبدينهم/ المُسلمون ثرى العروبةِ للعجمْ/
 

العاملونَ لدى الأعادي سحَرةً/ يتواطؤونَ لأَجلِ تهويدِ العلمْ/ ستُصِبُّ لعنات العراقِ عليهمُ/ مطراً تمورُ بهِ شآبيب الحِمَمْ ـ قصيدة حوارية الألم ص48) أوجزت شاعرتنا المأساة في هذه الأبيات الأربعة ورسمتْ ريشتها الشعرية رَدّة الفعل المستقبلية (بغداد/ الأم) لردع فعل الخيانة والتدمير والتقتيل والتشريد لأبناء العراق الموحّد شاحذةً همم الرجال بالثأر عبر المقاومة الوطنية التي ستنتصُر على كُلّ أعداء الحياة والحُبّ في بلاد الرّافدين.
 

كلماتُ شاعرتنا مُرهفة مقدودة من جمرها الذاتي المشحون بالعاطفة الإنسانية الجائشة تجاه مشكلات الواقع المأزوم متنقلةً بين بساتين الكلام والحبّ والجمال مُتعاملةً مع ثنائيات الطبيعة باتزان إنساني ملحوظ فهي تتصّدى للموت والقتل بالحياة والسلام والمقاومة لأعدائها، وللكراهية بالحب، وللعتمةِ بالضوء، وللهروب بالثبات،
 

وللهزيمة بالانتصار، وللذبول بالتفتح وللنسيان لما هو جميل بالذكرى كما فعلت في قصيدتها العاطفية (ستذكرُها) فهذه القصيدة ذات الإيقاع الصوتي المرح الراقص والقوافي المتنوعة الشفيفة تؤكد على انتصار الحُبّ الحقيقي لشخصية الحبيبة ـ الشاعرة الباقية بعطائها وسماتها الحُسنى (وماتَ الصّيفُ وانصرمتْ ليالي الفُلِّ والعنّابْ/ وضاعتْ دُميةٌ حلوة جعلتُ لها ضفاف الروح ارجوحةْ ـ قصيدة ستذكرها ص73)
 

يبدو أن ذات شاعرتنا الخلاقة Creator PG?l منتصرةٌ على سوداوية الموت والواقع لشعورها بحتمية الانتصار وأنّ المقاومة هي المفتاح المفضي إلى البشائرِ مواجهةً سلبيات الواقع بإيجابيات الإشراق الكامنة في ذاتها التي لم تأتِ مِنْ فراغ أو كحالة تفاؤلية نفسية وحسب إنما تأتت من ثقتها بنفسها كإنسانة خلاقة تستحق الحياة الحُرّة الكريمة
 

وبوطنها وأُمتها التي قَدّمت للإنسانية العديد من الإنجازات الحضارية التي ساهمت في دفع عجلة التطور المعرفي والحضاري للبشرية بشكل عام.كما أن شاعرتنا تعي جيداً أن الواقع السياسي العربي المأزوم لا يمكن لهُ أن يمثّل إرادة الشعوب العربية
 

لذلك احتفظت لنفسها بخصوصية الحُبّ الإنساني لوطنها وأهلها وحبيبها والحياة بل إنّها لم تغادرْ سعيها وحبّها لحياة كريمة لشعبها العربي ورموزه الحياتية فترسمُ محبتها شعراً لأُمها (وتموتُ يا أمي على كتفيكِ أحزان السنين/ أنت العظيمة ويح قلبكِ يستميح العذر يوماً للبنين/ أمي ص19) خالد السعدي. البيان