انطلقت في قصر الثقافة صباح أمس جلسات ملتقى الشارقة الحادي عشر للسرد الذي تنظمه دائرة الثقافة والإعلام، ويستمر على مدى يومين، ويأتي هذا العام تحت عنوان "هل الرواية سيدة الأجناس الأدبية؟"، وأدارت فعالية افتتاح الملتقى عائشة العاجل رئيسة قسم الإعلام بالدائرة التي رحبت بالمشاركين، وقالت إن ملتقى هذا العام يحمل على عاتقه الإجابةَ عن تساؤلِ المشهدِ الثقافي العام (هل الرواية سيدةُ الأجناس الأدبية؟) ويشاركُ معنا قرابةُ أربعين ناقداً وباحثاً ومفكراً وأديباً وناقداً وإعلامياً، بأوراقِ عملٍ وشهاداتٍ نعول عليها في الإجابة عن التساؤل المطروح، وعلى ما سينتج عنها من أفكار هي إثراءٌ وتجديدٌ للفكر الإنساني والأدب الخلاق السرد .
كلمة الافتتاح ألقاها عبد الله العويس رئيس الدائرة الذي استهلها بالإشارة إلى أن الملتقى استطاع على مدى العقد أن يكون سنداً وحافزاً للدراسات السردية العربية، حيث طرحت في أروقته قضايا السرد والرواية والقصة، وعمل على التواصل مع واقع الكتابة الإبداعية بشكل دائم عن طريق الفحص والتدقيق للمستجدات الفنية والإبداعية، وقال العويس "إن الشارقة أصبحت على موعد متجدد ومتسع مع كل مَحاور الفنون والآداب والإبداع، اضطلاعاً بدورها الثقافي والتنويري في إطار مشروعها النهضوي كما أراده وخطط له صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ويأتي الملتقى في دورته الحادية عشرة استكمالاً واستعداداً للإحاطة بالمشهد السردي العربي والمحلي، ومن منطلق الارتقاء بالذائقة الإبداعية" .
واختتم العويس كلمته قائلاً: "إن مثل هذه الملتقيات تؤكد ساستمرار الحراك الثقافي العربي، وتُثريه وتدفع به، وتحافظ على ديمومة الذاكرة العربية من خلال الإبداع؛ ومن خلال القصة والرواية خصوصاً، وجعْلِها حيةً متفاعلةً في سبيل الاندفاع للأمام، محصَّنةً بالفكر، والوعي القادم من الأدب والأديب، حفاظاً على التنوير المجتمعي والثقافي" .
ثم قدم الدكتور فهد حسين من مملكة البحرين كلمة الضيوف فشكر الدائرة على تنظيم هذا الملتقى وعلى الجهود التي تقوم بها خدمة للثقافة العربية، وقال: "إن إمارة الشارقة التي تحتفل بكونها عاصمة الثقافة الإسلامية ليس غريباً عليها تنظيم اللقاءات الثقافية والملتقيات الأدبية، والندوات السردية، فهي منارة العطاء الثقافي في المنطقة، والضوء الحضاري الذي لا يخفت" .
بعد الافتتاح بدأت أولى جلسات الملتقى وأدارها إبراهيم مبارك الذي نوه بالجهد الكبير الذي تبذله دائرة الثقافة من أجل إحداث نهضة داخل الإمارات والاسهام في النهضة الثقافية العربية، وكان محور الجلسة بعنوان (هل الرواية سيدة الأجناس الأدبية؟)، وقدم فيه د .عبدالرحمن بناني (المغرب) ورقة تناول فيها قضية التجنيس في الرواية معرفا (الجنس، والرواية، والأدب) ومستعرضاً تاريخ الدراسات في هذا المجال، ليخلص إلى أن الرواية ليست جنساً أدبياً مستقلاً بذاته، لكنها جزء من جنس أدبي هو السرد تدخل فيه الرواية والقصة والحكاية والأسطورة .
المتحدث الثاني في الجلسة كان د .يوسف الفهري (المغرب) الذي عقب على ورقة بناني، واستهل حديثه بالتأكيد على أن الرواية العربية اليوم هي سيدة الأجناس الأدبية، وضرب المثل بحالة روايات نجيب محفوظ التي حولت 20 منها إلى أفلام، وترجمت 25 إلى عدة لغات، ونال عليها جائزة نوبل، ما يدل على الاحتفاء الكبير الذي تحظى به الرواية عربياً وعالمياً .
الجلسة الثانية جاءت حول محور "المرجعيات الثقافية للرواية الخليجية"، وأدارها الدكتور هيثم الخواجة، وتحدث فيها ماجد بوشليبي، مستهلاً بتعريف الثقافة بكونها النتاج الأدبي والفني الذي ينتجه مجتمع ويحمل سماته الروحية والمادية والفكرية والعاطفية، وعرف النقد الثقافي بأنه الدراسات التي تبحث في الأنساق الثقافية والدلالات الاجتماعية والفكرية للنص الأدبي، وارتباطها بالنسق الثقافي العام الذي أنتجت فيه، وأشار إلى ندرة مثل هذه الدراسات في المشهد الثقافي الإماراتي، حيث لم يقدم حتى الآن سوى بحثين لفاطمة البريكي والدكتور يوسف الحسن .
وختم بوشليبي مداخلته بتناول نماذج من الروايات الإماراتية التي يكتبها جيل الشباب، مستعرضا بعض ملامحها الثقافية التي تشير إلى واقع الحياة الثقافية والاجتماعية التي يعيشها كتابها، وتتماهى مع النسق الثقافي العام في الوطن .
الورقة الثانية كانت للدكتور فهد حسين ورأى فيها أن ولادة الرواية كجنس أدبي خارج دائرة ما هو متعارف عليه في المنطقة العربية الخليجية، وهو الشعر بأنواعه الفصيح والعامي، يعني أن هناك عوامل استجدت في المنطقة ساعدت على ظهور هذا الجنس الجديد، وهي عوامل ذات علاقة بالأوضاع المدنية والبنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية .
الورقة الثالثة قدمتها د .أماني فؤاد (مصر)، وتوقفت فيها عند المرجعيات الثقافية الجديدة للرواية العربية مستعرضة الفضاء الفكري، والفضاء التقني، والفضاء الحداثي، والفضاء التراثي باعتبارها جميعا الخلفية التي تستند إليها الرواية في صياغتها لرؤيتها وملامستها لواقع حياة المجتمع، ما يعطيها قوة تأثير وسيادة على غيرها من الأجناس الأدبية .
د .كريمة الإبراهيمي (الجزائر) رأت في ورقتها أن الروائي العربي وانطلاقاً من وضعية ثقافية واجتماعية واعية بما يدور في مجتمعه واعتماداً على مادة شعبية من الحكايات والأغاني والفلكلور وغيرها استطاع أن ينقل إلينا جانباً من حياة المجتمع، والرواية العربية بهذه التفاعلية تبقى من الأشكال الأدبية المفتوحة على الكثير من الأجناس الأدبية من دون أن تفقد كيانها الأصلي الذي هو النص المستقل .