مجمع البحوث الإسلامية في مصر يصادر كتبا جديدة

تاريخ النشر: 15 أغسطس 2007 - 05:45 GMT

شهدت الساحة الإبداعية مؤخراً عدداً من المصادرات لبعض الأعمال العربية الثقافية والفكرية والأدبية على وجه الخصوص، وجدل رهيب يدور بين أهل الثقافة حول فكرة المصادرة ، هل يحق للمؤسسة الدينية بالدولة مصادرة إبداع أي كاتب ؟ ومتى يجب مصادرة العمل ؟ وما هي حدود حرية الكتابة والتعبير؟

وقد عبّر عدد من المثقفين المصريين مؤخرا عن غضبهم بسبب قرار مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف، بمنع ثلاثة كتب من التداول هي: كتاب "إلا أمير المؤمنين" لـ"خليل عبد الكريم"، و"ركعتان في العشق: دراسة في شعر البياتي" للكاتب روبين سفير، أما الكتاب الثالث فهو من تأليف أحد المنشقين عن التيار الإسلامي، وهو خالد البري، ويحمل عنوان "الدنيا أجمل من الجنّة"، كما أوردت صحيفة "الدستور" الأردنية .

وكتاب "الدنيا أجمل من الجنة" الصادر عن دار ميريت ، على سبيل المثال هو دمجٌ بين السيرة الذاتية والوقفات التأملية في الأنظمة المنزَلة أو العلمانية، في التصوُّف أو في إلزامية قيام الدولة الإسلامية ، فكاتب السيرة يتوسَّع في تدرُّج هادئ في علاقاته مع "الجماعة الإسلامية"، من لعب كرة القدم، إلى أداء الصلاة، إلى الأحاديث المتصلة بحركة المجتمع، وكيفية فهم الجماعة لمجموعة الحركات الاجتماعية بكونها أموراً دنيوية لن تفيد في الآخرة، وأن مهمة الإنسان الأولى هي السعي إلى إقامة دولة الإسلام القوية، القادرة على تحرير أرض الإسلام السليبة، من فلسطين حتى الأندلس، وعلى فرض النموذج الإسلامي في العالم كلِّه.

أما الناشر محمد هاشم فقد اعتبر أن قرار مصادرة الكتاب ليس سوي حرب بالوكالة يخوضها المجمع نيابة عن جماعة العنف التي كانت تخوض حالة إرهاب ضد المجتمع المصري طوال عقد التسعينات.

وكانت جهات رقابية قد منعت على مدار السنوات الماضية عدداً من الإصدارات في مصر ، حيث أعلن وزير الثقافة المصري فاروق حسني في حديث لوكالة فرانس برس أنه قرر مصادرة ثلاثة روايات وذلك لحماية الأمن الاجتماعي في مصر، وهذه الروايات الثلاثة هي "قبل وبعد" لتوفيق عبدالرحمن، و"أبناء الخطأ الرومانسي" لياسر شعبان، و"أحلام محرمة" لمحمود حامد، وقال أنه قام بقطع الطريق على الاسلاميين بهدف منعهم من إثارة أزمة جديدة بسبب الروايات الثلاث أثناء إنعقاد الدورة الثالثة والثلاثين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب .

واعتبر الوزير أن إصدار هذه الروايات التي تستخدم لغة سوقية في وصف المشهد الجنسي قصد منها اثارة ازمة في المجتمع المصري, وان من يكتب مدافعا عنها في الصحافة هم يساريون لا يقف الى جانبهم أحد.

ومن الكتب الشهيرة في عالم المصادرة كتاب "تأويل الفلسفة" للدكتور نصر حامد ابوزيد، حيث أعد المفكر الإسلامي محمد عمارة تقريرا يكفر فيه الدكتور أبوزيد وكتابه "فلسفة التأويل"، ويكتب التقرير حين زار الدكتور نصر أبو زيد مصر منذ عدة شهور بعد انقطاع دام 8 سنوات، وكانت كتابات الباحث المصري قد أثارت ضجة إعلامية في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، فقد أتُهم بسبب أبحاثه العلمية بالارتداد الإلحاد.

ففي كتاب "تأويل الفلسفة" نواجه فلسفة ابن عربي في جوانبها الوجودية والمعرفية، مفاهيمه الخاصة بماهية النص الديني ودوره الوجودي والمعرفي، ومفهوم اللغة بمستوياتها المتعددة باعتبارها الوسيط الذي يتجلى من خلاله النص والمراتب المختلفة والمتعددة للوجود الانساني، تخضع لهذا التصور.

كما أوصى مجمع البحوث الإسلامية المصري التابع للأزهر بمصادرة كتاب "الحجاب رؤية عصرية" للكاتبة الصحفية إقبال بركة بعد أن توجه الكاتب الإسلامي خالد البحيري بشكوى للمجمع يتهم فيها بركة بمخالفة إجماع علماء المسلمين بشرعية الحجاب لكل نساء المسلمين، كما أشار البحيري إلى أن الكتاب اعتمدت فيه مؤلفته على كتابات المستشار سعيد العشماوي والمفكر جمال البنا مدعية أن الحجاب فرض للتمييز بين الإماء والحرائر ، الأمر الذي يختلف مع النص الصريح للقرآن الذي عمم القول بنصه: "وليضربن بخمرهن على جيوبهن" وبعد عرض الموقف على الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية قرر عدم صلاحية الكتاب للنشر لمخالفته صريح الكتاب والسنة النبوية.

الدكتورة نوال السعداوي من أشهر الأسماء في عالم الكتب المصادرة، حيث تهاجم كتبها الأخلاق والعادات التي يحيا عليها أهل الشرق والمسلمين اليوم ، وتدعو لتحرير المرأة ، ومنعت كتب لها من الأسواق بقرار من الأزهر لأنها تسيء للمقدسات الإسلامية ، ومن كتبها المصادرة " أوراق حياتي" و"سقوط الإمام" و "الإله يقدم استقالته" عن مكتبة مدبولي.

ومن الكتب التي منعت أيضاً كتاب المفكر الإسلامي محمد عمارة "فتنة التكفير بين الشيعة والوهابية والصوفية" حيث اعلنت وزارة الاوقاف المصرية انها قررت سحب واعدام نسخ من كتاب صادر عنها لتضمنه عبارات عن اباحة قتل المسيحيين، وكان المجلس الاعلى للشؤون الاسلامية التابع للوزارة قد أصدر هذا الكتاب ، وردت فيه جملة عن "اباحة دم وأموال غير المسلمين والنصارى والبراهمة والزنادقة"، وقالت الوزارة في بيان ـنها قررت "سحب جميع نسخ الكتاب من الاسواق وقد تم ذلك بالفعل وعادت نسخ الكتاب الى المجلس وسيتم التصرف فيها باعدامها"، وأضافت "تبين أن ما ورد به خاطئ تماما ولا يتفق مع تعاليم الاسلام بل يتناقض معها تناقضا واضحاً".

كذلك أثار كتاب "الدين والحياة" للشيخ على جمعة مفتي الديار المصرية بعض الجدل ، بسبب بعض الفتاوى التي تضمنها ومنها إجازة للمسلمين ببيع الخمور في بلاد غير المسلمين ، وفق ما يعرف فقهيا بالعقود الفاسدة مع غير المسلمين ، ويعد الجدل جمع المفتي نسخ الكتاب من المكتبات ونقح نسخها وأعاد طرحها من جديد .

ومن الأزمات الحديثة ، رفع مجلة "إبداع" من الأسواق والتي يرأس تحريرها الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي ، بسبب تضمنها قصيدة للشاعر حلمي سالم بعنوان " في شرفة ليلى مراد" ومست بالذات الإلهية في مضمونها .

جدير بالذكر أن أغلبية من المشاركين في تصويت أجرته "الجزيرة" على موقعها على الإنترنت قد أيدت رقابة المؤسسات الدينية على الإنتاج الثقافي في البلاد العربية.

وقال 63.2% من المشاركين في التصويت إنهم يؤيدون "رقابة المؤسسات الدينية على الإنتاج الثقافي في الدول العربية"، بينما أبدى 36.8% رفضهم ما يسمونه أي وصاية دينية على الإنتاج الأدبي، وتعكس النسبة المؤيدة مظاهرات خرجت ببلاد عربية وإسلامية نددت بروايات وكتب ومؤلفين قال المتظاهرون إنها تعرضت للمقدسات الإسلامية بأسلوب لا يليق بها، وحكم على كتاب في البلاد العربية بالسجن "بسبب التجديف والمساس بالمعتقدات". كما قدم نواب إسلاميون استجوابات لوزراء بسبب نشر مؤسسات رسمية تابعة لوزاراتهم لكتب من هذا النوع.

ولكن الرافضين للرقابة الدينية في الاستطلاع وفقاً لـ "الجزيرة" يعكسون وجهة نظر تقول إن هذه الرقابة تعصف بحرية الإبداع وتجعل الكاتب مقيدا في تفكيره بسبب وجهات نظر متشددة في تفسير الدين، وأصدر 120 مثقفا في مصر بيانا ضد رقابة الأزهر على الإبداع بعدما أفتى مجمع البحوث الإسلامية التابع لجامعة الأزهر بمصادرة كتاب "الوصايا في عشق النساء" للشاعر أحمد الشهاوي بدعوى أنه يحض على الإباحية.

ويقول بعض الكتاب إن قانون الأزهر لا يعطي له حق إبداء الرأي إلا فيما يتعلق بالكتب التي تتناول الدين مباشرة ولا دور له بالنسبة للأعمال الفنية ، وأضافوا أن مدرسة النقد الأدبي في الأزهر تتوقف عند عصر الشاعر أحمد شوقي ولا تعرف شيئا عن المدارس الأخرى مما يجعل نظرته إلى الأعمال الأدبية الحديثة قاصرة وغير صحيحة.

وكان الدكتور وحيد عبدالمجيد مساعد رئيس الوفد ومدير مركز الدراسات السياسية قد أكد في ندوة "حرية الرأي والتعبير بين السياسة والثقافة والدين" ضمن منتدي الوفد السياسي وفي إطار موسمه الثقافي الصيفي أن هناك نضالا متواصلا من أجل توسيع رقعة الهامش المتاح للتعبير وحرية الرأي في العالم العربي ومصر خاصة فيما يتعلق بحرية التعبير سياسيا.

وكشف عبدالمجيد - وفق جريدة "الوفد" المصرية - أنه في الوقت الذي نجح فيه النضال من أجل حرية التعبير سياسيا نجد فشلا قد تحقق في حماية حرية التعبير الثقافي والفكري بسبب حالة التضييق الحادث منذ فترة في المنطقة العربية خاصة في ظل الميل الي الانعزال والانغلاق والتعصب.

بينما يرفض الناقد الدكتور عبدالمنعم تليمة أي قيد على الإبداع ويقول: "أمقت عملية المصادرة وأؤكد أن الفيصل هو اللجوء لأهل الاختصاص مع أنني أرى أن هدف الإبداع والدين واحد وهو السمو بالإنسان، ولا يمكن أن يكون بينهما تناقض ولا يمكن أن يكون الفن أداة للهجوم على الثوابت كما أن الدين بعيداً عن بعض التأويلات لا يمكن أن يمثل حجراً أو تضييقاً على الإبداع بل إن الدين مفجر للطاقات الإبداعية".

مع تزايد مصادرة كتب أو مطبوعات إعلامية ومنع أخرى في مصر تتجه الأنظار دائما للأزهر وعن هذه القضية قال الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية الشيخ إبراهيم عطا الفيومي - وفقا لجريدة "الوطن" السعودية -: نحن لسنا جهة مصادرة أو منع ولكن نحن تأتينا الكتب من عدة جهات سواء أمنية أو قضائية أو من الأشخاص العاديين ويتم عرض العمل على لجنة البحوث والترجمة والتأليف والنشر لكتابة تقرير حول العمل وتتم التوصية إما بالتداول أو بعدم السماح بالتداول والجهات المختصة هي التي تتولى تنفيذ ذلك أو عدم تنفيذه. نقلا عن (محيط - هاني ضوَّه)