صدر عن مشروع "كلمة" للترجمة كتاب جديد بعنوان "خرافة التنمية.. الاقتصادات غير القابلة للحياة في القرن الحادي والعشرين" للمؤلف أزوالدو دي ريفيرو، والذي قام بنقله للعربية المترجم عمر سعيد الأيوبي.
يؤكد المؤلف بحسب وكالة أنباء الإمارات أن جميع البلدان سواء أكانت متقدّمة أم نامية أم متخلّفة، تسعى إلى التنمية، لكن فوائد التنمية التي كثر الحديث عنها كثيراً في السنوات الخمسين الماضية لم تتحقّق لدى غالبية سكان العالم، ولم يشهد العالم الثالث تنمية حقيقية إلا في بلدان قلة .
كما يؤكد المؤلف أن الاستثمارات اللازمة في هذه البلدان غير متوافرة، والتكنولوجيا الحديثة تتخلّى في الواقع عن العمالة بدلاً في توفير فرص عمل جديدة في العديد من المدن المتضخّمة في الجنوب، والنتيجة هي أن الغالبية العظمى من البلدان التي تسمى نامية خطأ لم تشهد تنمية حقيقية.
فثمة 4.8 مليار نسمة في هذه البلدان بعيدون جداً عن أن يصبحوا طبقة متوسطة عالمية، ويعيش ما يقرب من 1.3 مليار نسمة من سكان العالم بأقل من دولار واحد في اليوم ولا يستطيعون شراء الغذاء الضروري، ويعيش 3 مليارات أيضاً على دولارين في اليوم، من دون أمل في ضمان احتياجاتهم الأساسية إلى الرعاية الصحية والتعليم والسكن.
كما بقي نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي في أكثر من 100 بلد من دون تغيير أو تراجع عما كان عليه قبل عشرين سنة، لذا لن يكون الخيار لكثير من البلدان الفقيرة في العقود التالية الشروع في عملية تنموية، فأملها الوحيد هو البقاء بطريقة ما وتجاوز تحديات الثورة التكنولوجية والمنافسة العالمية.
ويؤكد المؤلف أنه إذا ساء وضع التنمية في تلك الدول فإنها يمكن أن تنفجر ويثور فيها العنف لتصبح كيانات فوضوية لا يمكن حكمها، كما حصل في بعض بلدان أفريقيا والبلقان وآسيا وأميركا اللاتينية.
يضمّ الكتاب مقدمة وستة فصول. يتعامل الفصل الأول مع "أفول الدولة الأمة" ويرجع تاريخ الدول الأمم إلى عصر النهضة. ويرى أن العولمة هجوم مباشر على سيادة "الدول الأمم"، ما يفقدها السيطرة على سياساتها المالية والنقدية. كما أن المشكلات البيئية الحرجة التي تعاني منها الأرض تضعف سيادة الأمة، ناهيك عن الشركات عبر الوطنية التي ستؤثّر في نهاية المطاف تأثيراً كبيراً في مستقبل الدول الأمم.
يركز جزء من الكتاب على أن صعود الشركات عبر الوطنية وتحالفها الوثيق مع مؤسسات الإقراض الدولية يؤدي إلى تطور سلطة فوق وطنية. والنتيجة المعاكسة هي تهميش بلدان العالم الثالث التي أصبحت عاجزة عن إدارة شؤونها الداخلية، أو ممارسة أي شكل من أشكال التأثير العالمي.
وفي إحدى فصوله يطرح مفهوم "الداروينية الدولية"، حيث تحوّل العولمة الاقتصاد العالمي إلى غابة عالمية. ولن يتمكن من البقاء في هذه البيئة الاقتصادية القاسية إلا الأصلح. وفي حين أن التطوّر البشري، كما رآه داروين، حدث في فترة زمنية طويلة كي يتكيّف الإنسان مع الحياة ويتخلّص من الأنواع الضعيقة، فإن العولمة لم تستغرق إلا فترة قصيرة نسبياً لتقليص سيادة كثير من الدول الأمم وإضعاف استقلاليتها. كما أن العولمة لا تتيح أي مجال للتكيّف، وبخاصة في حالة "الاقتصادات غير القابلة للحياة".
ويوضح الكتاب معضلة "البحث عن الإلدورادو" والصعوبات التي تواجه "البلدان المتخلفة" في ردم الهوة التي تفصلها عن الاقتصادات المتقدّمة. وهي لا تستطيع القيام بذلك في حالتها الحاضرة وتواجه خيارين "مستحيلين": الشروع في ثورة تكنولوجية لتعزيز صادراتها ذات التقنية العالية أو البقاء على ما هي عليه والدخول في دورة من العنف والدمار. ومن ثم تشبيه التنمية بالإلدورادو، أي أرض الخيرات والذهب الخيالية.
ويشرح المؤلف في النهاية عن البقاء بعد أن فشلت نماذج التنمية التي تستلهم الاقتصاد الموجّه واقتصاد السوق. ويطرح بديلاً لاستراتيجية "التنمية" أمام "الاقتصادات غير القابلة للحياة" في القرن الجديد: إحلال أجندة "بقاء الأمم" محل أجندة "ثروة الأمم". وللحؤول دون تزايد البؤس الإنساني والاضطراب السياسي، فإن على العديد من البلدان التخلي عن أحلام التنمية واعتماد سياسة البقاء الوطني القائمة على توفير الاحتياجات الأساسية من الماء والغذاء والطاقة وتثبيت استقرار سكانها.
مؤلف الكتاب أزوالدو دي ريفيرو دبلوماسي وسفير "متقاعد" في وزارة الخارجية البيروفية، خدم في لندن وموسكو وجنيف ونيويورك، وعمل ممثلاً دائماً للبيرو في منظمة التجارة العالمية، ومكتبي الأمم المتحدة في جنيف ونيويورك، تخرّج في الأكاديمية الدبلوماسية في البيرو وتابع دراساته العليا في المعهد العالي للدراسات الدولية في جنيف، من مؤلفاته: "قانون التطوّر والنظام الاقتصادي العالمي الجديد"، كما كتب العديد من المقالات في "لوموند دبلوماتيك" و "ذا يونيسكو كورير"، بالإضافة إلى الصحافة المطبوعة في جنيف وأميركا اللاتينية.
يعمل المترجم عمر سعيد الأيوبي في الترجمة والتحرير منذ أكثر من خمس وعشرين سنة، وقد ترجم ما يزيد على مئة وخمسين كتاباً، منها من منشورات مشروع "كلمة": "الاستراتيجية التنافسية: أساليب تحليل الصناعات والمنافسين" لمايكل بورتر،و"ملفات المستقبل: 5 اتجاهات ستشكّل الخمسين سنة المقبلة" لريتشارد واطسون، وسلسلة كتب "الطاقة البديلة" للأطفال.