نعت أسرة الأدباء والكتّاب الشاعر البحريني المعروف الأستاذ القدير عبدالرحمن رفيع الذي وافته المنية مساء أمس في المستشفى العسكري، بعد عمر حافل بشعر العامية الذي برز فيه باستخدام الصور الشعرية الجميلة القريبة من الواقع، فأمتع به جمهوراً عريضاً في البحرين والخليج العربي، كما كتب رحمه الله أشعاراً مهمة بالعربية الفصحى. وقالت أسرة الأدباء والكتاب: «بفقد هذه القامة الشعرية العزيزة تكون أسرة الأدباء والكتاب وكل الحركة الأدبية على مستوى البحرين والوطن العربي قد خسرت صوتاً من أصواتها الشعرية المتميزة، للفقيد الرحمة ولأهله وذويه ولنا ولجمهوره خير العزاء، إنَّا لله وإنا إليه راجعون».
عندما نتحدث عن الرومانسية.. والإنسانية.. والسخرية نتذكر الشاعر عبدالرحمن رفيع لأنه يجسد كل تلك المسميات، فقد تمثلت رومانسيته.. في كتابة أروع الأبيات الشعرية في المرأة حتى لقب بشاعر البنات، وذلك على الرغم من اعترافه بأن البحرين هي عشقه الأول والأكبر والدائم، واستمد إنسانيته.. من رقة مشاعره؛ فهو الأب الذي كان يترك أمور الأبناء إلى الزوجة لعدم قدرته على نهرهم أو ضربهم، وعندما كان يحدث هذا كل عدة أعوام كان يندم على فعلته ندما يردعه عن ارتكاب مثل هذه الفعلة ونهج هذا النهج التربوي الخاطئ، وكان يعتذر منهم إذا ثار وأخطأ في حق أحدهم، أما السخرية.. فلأنه تعود أن يسخر من كل ما يراه ويعبر عن ذلك بأبياته الشعرية التي ترسم البسمة على الشفاه سواء كانت باللغة العامية أو الفصحى، إنه الشاعر ذو الابتسامة التي لم تكن تغيب عن شفتيه، والذي كان يقول على نفسه لست دنجوان، وموضوعي المفضل هو الإنسان إنه الشاعر الذي صور قصيدة «البنات» فأبدع أبياتها قائلا:
غمض عيونك تصور بلدة ما فيها بنات..
الشواطئ خاليات والشوارع خاليات والمجالس خاليات
فتح عيونك وقولي مثل شنهو ها لحياة
وش كثر ثم وش كثر لولا البنات
البنات هم البداية لولا حواء ما صحا آدم وظل في سبات
ما خفق قلبه ولا تحرك شعورك وتمت عيونك مغمضة
من حكيهم من ضحكهم يضحك اللؤلؤ يتناثر بالمئات
ومن سحرهم تنسحـر دنيا بكبرها
هم الساس وتاج الرأس وكـل الناس
وهم جنة الماضي والحاضر والي آت
وش كثر ثم ايش كثر كانت لولا البنــــات
كانت كريهة ها لحياة
ولد عبدالرحمن رفيع في المنامة بفريق كانو عام 1936، ثم التحق بمدرسة أبوبكر الصديق الابتدائية، وتفتقت مواهبه الشعرية منذ الصغر فكان محررا بمجلة الحائط بالمدرسة، وكان مجيدا للغة العربية ولكتابة موضوعات الإنشاء، حتى إنه حصل على جائزة من ناظر المدرسة الأستاذ حسن الجشي عبارة عن كتاب «حديث الأربعاء» للدكتور طه حسين.
وكانت البداية الحقيقية لظهور موهبته الشعرية عندما التحق بالمدرسة الثانوية، حيث اشتهر شعره وذاع صيته ودخل في منافسة محببة مع صديقه وزميل صفه غازي القصيبي، ومع انتقال عبدالرحمن رفيع من فريق كانو إلى فريق الفاضل تعرف على جمع جديد من الأصدقاء من بينهم الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله آل خليفة، وكان والده من أوائل البحرينيين الذين درسوا في الجامعة الأمريكية ببيروت وكان يمتلك مكتبة ضخمة تركها لولده فقام الأخير بإهداء حقيبة كبيرة ممتلئة بالكتب إلى صديقه الجديد عبدالرحمن رفيع الذي سعد بها جدا خاصة وأنهم لم يكونوا يمتلكون في البيت أي نوع من أنواع الكتب سوى القرآن الكريم.
شعر رفيع بأن هذه الحقيبة كنز هبط إليه من السماء، وخاصة أنها احتوت على كتب من التراث الغالي والفقه والشعر والتفسير وأصبحت نواة لمكتبته الخاصة، ثم استكمل مسيرته الثقافية بالتردد على المكتبة العامة لقراءة الأدب الروسي وغيره من الآداب، فأدرك أن الإبداع يبدأ بالموهبة ويصقل بالقراءة والتجربة.
وبعد أن أنهى رفيع دراسته الثانوية في البحرين اتجه لدراسة الحقوق في مصر، وعلى الرغم من أن رغبته الأولى كانت دراسة التجارة فإنه استسلم لدراسة الحقوق، وقد تزامل في الجامعة مع غازي القضيبي ومحمد صالح الشيخ، وكان يحلو لهم الجلوس في كافيتريات كلية الآداب لأنها الأغنى والأغلى والأجمل بطالباتها، وكان والده يرسل إليه كل ثلاثة أو أربعة أشهر ما بين 30 و40 جنيها مصريا، وكان يمكن لهذا المبلغ أن يكفيه إذا قام بصرفه بشكل متوازن، ولكنه كان يعلن إفلاسه بعد مضي خمسة عشر يوما فقط من وصول النقود، وكانت مشكلته الكبرى ليست في الجوع الذي كان يعض بأنيابه في معدته الخاوية أياما، ولكن في السيجارة التي كانت عشقه وكتب فيها قائلا: (وقد امشي وما بالجيب قرش.. وقد امشي أعض فمي سيجارة).
غير أنه قطع دراسته في السنة الثالثة، عائداً إلى بلاده ليعمل مدرسا للغة العربية، وكان يحكي اللغة ولا يدرسها ويتغنى بأشعارها إلى التلاميذ الذين أحبوا أسلوبه في التدريس، ثم ترك التدريس بعد أن ضاق به، ليعمل في وزارة الدولة للشئون القانونية حتى طلبته وزارة الإعلام على أيام المرحوم طارق المؤيد ليلتحق بإدارة الثقافة والفنون وظل بها إلى أن تقاعد عام 2003.
ويرى شاعرنا الكبير أن المرأة هي الوجود، وأن الوجود هو المرأة لأنها الأم والأخت والحبيبة والزوجة، ولذلك فهي كل شيء بالنسبة إلى الرجل، وبالتالي فإن كل امرأة صادفها في حياته تركت أثرها عليه، ودائما ما كان يقول إنه مع حق المرأة إلى آخر الطريق في كل المجالات السياسية وغيرها، فهو يرى أن سر نجاح الأسرة في وجود امرأة قوية الشخصية تستطيع أن تدير شئون بيتها، ولكن مع وجود الحنان والحزم كي تصل الأسرة إلى بر الأمان.
ويؤمن رفيع بالصداقة بين الرجل والمرأة لأن الحب بين الزوجين من وجهة نظره يتحول إلى صداقة، ويرى أن الرجل يحب في المرأة ثلاثة أشياء جمالها وروحها وشخصيتها، وكان يقول: ابتسامة واحدة على شفتي حبيبتي تفتح لي أبواب الجنة، إذ كان يرى أن قلب المرأة لا يقدر بثمن لأنها ملكة.
ويحتلّ الشاعر الخليجي موقعاً مرموقاً في المنطقة الخليجية، لمزاوجته بين الفصيح والعاميّ في الشعر. وقد اشتهر بآحاد من القصائد العامية الكاريكاتيرية، مثل قصيدة «الله يجازيك يا زمان.. الشعريْ الرّبعهْ ابثمانْ» التي تشرّح المجتمع وتتهكم على الغلاء الفاحش، وكذلك قصائد «زمان المصخرهْ»، و «أمي العوده» و«البنات». وذهبت بعض جمله الشعرية أمثالاً يتداولها سكان الخليج العربي. وهو ما جعل منه شاعر محافل مطلوباً في المناسبات على المستوى الإقليمي الخليجي.
وعلى مدار مسيرته الشعرية أصدر العديد من المجموعات الشعرية بالفصحى والعامية أهمها: «أغاني البحار الأربعة، الدوران حول البعيد، ولها ضحك الورد، ديوان الشعر الشعبي، ديوان الشعر العربي، أولها كلام».
وللشاعر الكبير عبدالرحمن رفيع ثلاثة أبناء: خالد وهو خريج إدارة أعمال من أمريكا، وفيصل طبيب درس الطب في إيرلندا، والأصغر وقد درس كمبيوتر في الجامعة الكندية.
الشعراء يرثونه
وبكلمات معبرة مليئة بالحزن والأسى، رثى شعراء البحرين، الشاعر البحريني القدير عبدالرحمن رفيع الذي وافته المنية يوم الثلاثاء بعد مشوار كبير وطويل من الإنجازات الشعرية سواء على الصعيد المحلي أو العربي.
وأكد الشاعر القدير علي عبدالله خليفة أن البحرين فقدت شاعرا يعتبر من أهم رواد الحركة الشعرية الفكاهية في مملكة البحرين والوطن العربي وقال «سوف نفتقد جديد شعر التيار الفكاهي الذي تميز به، وقد استطاع الشاعر رفيع تكوين قاعدة جماهيرية كبيرة جدا من خلال روح الفكاهة التي كانت تحتويها أبياته الشعرية باللهجة العامية»، مشيرا إلى أن الشاعر رفيع أبدع كذلك في قصائد اللغة الفصحى، داعيا الله أن يرحم الشاعر عبدالرحمن رفيع وأن يسكنه فسيح جناته.
من جانبها أكدت الشاعرة هنادي الجودر أن «الشعر البحريني اليوم في حالة من البكاء على رحيل الشاعر القدير عبدالرحمن رفيع؛ فقد فقدت البحرين والوطن العربي قامة شعرية نادرة، فمع رحيل هذا الشاعر الكبير أعتقد من الصعب التعبير عن الحزن الكبير الذي بداخلنا، فببالغ الحزن والأسى نعزي أنفسنا ونعزي شعراء البحرين وذويه، وإنا لله وإنا إليه راجعون».
أما الأستاذ الشاعر حسن كمال الذي سبقت دموعه كلماته، فبدأ كلماته بأن في هذا المصاب الجلل تعجز الكلمات عن التعبير؛ فالأفكار تتصدع داخل رأسه» فإن فقداننا لهذا الشاعر أمر ليس بسهل، فالأعزاء لا تستطيع أن نرثيهم».
وأضاف الشاعر كمال وهو في طريقه لوداع الشاعر عبدالرحمن رفيع إلى مثواه الأخير قائلا: «أعجز عن رثائك، فأنت المداوي عن شقائك، هنا الأحباب قد ناموا، فنم معهم بشوق أشعارك لتنعشهم، لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى».
وأكد الشاعر يونس سلمان أن الساحة الشعرية فقدت خامة شعرية نادرة الوجود؛ فالراحل من المدارس الشعرية التي تعلمنا منها الكثير، فقد جمع الراحل بين مدرسة الشعر الفصيح والمدرسة الشعرية الدارجة التي استطاعت أن توصله إلى قلوب الناس وذلك من خلال حس الفكاهة والبساطة التي كان يمتلكها، داعيا الله أن يرحم الشاعر الكبير عبدالرحمن رفيع وأن يتقبله بواسع رحمته.
من جانبها أكدت الشاعرة فوزية السندي قائلة: «إننا فقدنا شاعرا عظيما بشعره، وعظيما بمحبته، وعظيما بتواضعه، وعظيما بابتسامته الدائمة، والراحل رفيع من الشعراء الصادقين والمؤثرين على تاريخ الساحة الشعرية في مملكة البحرين، وقد تمكن الشاعر أيضا من خلال بساطته الشعرية من الوصول إلى قلوب الكثير من محبيه سواء على مستوى البحرين أو الوطن العربي، وداعا شاعرنا الكبير عبدالرحمن رفيع».
وأكد الشاعر القدير إبراهيم بوهندي رئيس جمعية أسرة أدباء وكتاب البحرين أن رحيل الشاعر الكبير عبدالرحمن رفيع هو خسارة كبيرة للبحرين وأدباء البحرين، فهذا الشاعر له قيمته ومكانته الخاصة التي تفرد بها، وهو صاحب مدرسة نادرة وأدب مميز تعلم منه الكثير من الشعراء، وذلك من خلال خفة الدم التي استطاعت أن توصله إلى قلوب الكثير من محبيه.
وقال بوهندي إن «الشاعر رفيع رحل كجسد، ولكنه باق من خلال إبداعاته وأشعاره، ونحن على أمل في الأجيال القادمة التي تعلمت من مدرسة الشاعر رفيع أن تخلق لنا مواهب جديدة تسير على خطى الشاعر الراحل عبدالرحمن رفيع‘ فإنا لله وإنا إليه راجعون».