باخ.. كان ناجحا في الفن وفاشلا في الحياة!!

تاريخ النشر: 06 سبتمبر 2005 - 08:55 GMT

مؤلفا كتاب باخ هما بيل بوت وانثيا جيك المختصان بتاريخ الموسيقى الغربية بشكل عام وموسيقى جوهان سيباستيان باخ بشكل خاص حسب صحيفة البيان، وفي هذا الكتاب الجديد يقدمان سيرة حياة أبي الموسيقى الحديثة الذي عاش بين عامي 1685 ـ 1750. وكان قد ولد في منطقة تنتمي الى شرق ألمانيا في عائلة تضم سبعة أطفال وكانت عائلته موسيقية أباً عن جد وفي هذه المهنة كانت تعيش في بلاط الأمراء أو من خلال الحفلات العامة.

 

ويبدو أن والده كان عازفاً موهوباً على العود والكمان، وهو الذي رباه على حب الموسيقى وعلمه كيفية العزف على آلاتها. وقد ماتت امه عام 1694 وعمره تسع سنوات ثم لحق بها والده عام 1695 وعمره عشر سنوات فقط. وهكذا اصبح باخ يتيم الأم والأب.

 

وعندئذ ذهب للعيش عند اخيه الاكبر كريستوف الذي اكمل تعليمه الموسيقي ثم ذهب الى شمال ألمانيا للاشتغال في الجوقة الموسيقية التابعة لإحدى الكنائس. وبقي هناك سنتين حيث اتقن فن العزف على الارغن. ثم يردف المؤلف قائلا: ولكن لا نعلم من هم اساتذته في تلك الفترة. كل ما نعرفه هو انه مشى سيرا على الاقدام مسافة 48 كلم للاستماع الى بعض الحفلات الموسيقية في مدينة هامبورغ.

 

وفي عام 1703 حيث كان عمره ثمانية عشر عاما وجد وظيفة للمرة الاولى كعازف على الكمان في بلاط احد الامراء الالمان.ثم أصبح عازف الارغن في كنيسة كبيرة بالمانيا.

وقد دخل عندئذ في نزاع مع الموسيقيين الآخرين بسبب جديته الزائدة عن اللزوم وميله الى الكمال والتمام في العزف الموسيقي.وفي عام 1705 ذهب سيرا على الاقدام الى مدينة «لوبيك» التي تبعد مسافة 330 كلم عن المنطقة التي يقيم بها وذلك لكي يسمع أحد الموسيقيين يعزف. فقد كان حبه للموسيقى لا نهاية له، وكان مستعدا لان يتجشم كل المشاق من اجل الاستماع الى موسيقار جديد.

وفي عام 1706 عندما كان في الثانية والعشرين من عمره حصل على منصب عازف الاورغن في كنيسة شهيرة وضخمة في المانيا، وكان ذلك بمثابة مكافأة له تقديرا لمواهبه، وهكذا اصبح قادرا على ان يكسب عيشه بشكل جديد. وفي العام نفسه تزوج ابنة عمه ماريا بربارة باخ. وفي العام التالي ذهب الى ولاية نايمار حيث اشتغل كمدير للجوقة الموسيقية في الكنسية المركزية.

وهناك بقي تسع سنوات. وفي تلك الفترة شهد ولادة اطفاله الثلاثة: كاتارينا دورديتا1708 ويليها فريد مان 1710 وكارل فيليب ايمانويل 1714. وفي تلك الفترة بالذات الّف الجزء الاول من اعماله الموسيقية الاساسية سواء أكانت دينية أم دنيوية. ثم يردف المؤلف قائلا: في تلك المرحلة من حياته كان باخ يبدو موسيقارا موهوبا ولكنه ذو طباع صعبة وخاصة.

لاريب في ان سيطرته على الة الارغن لم يكن لها مثيل في كل انحاء اوروبا وكانوا يدعونه باستمرار لاحياء الحفلات الموسيقية وحيدا وكانت سيطرته على الموسيقى تثير اهتمام الكنسية اللوثرية السائدة في المانيا الشمالية واجزاء اخرى ايضا. وفي ذلك الوقت كانت الموسيقى مرتبطة بالدين بشكل وثيق على عكس ماهو سائد حاليا. كانت مرتبطة بالكنيسة والجوقة الكنيسة والاناشيد التي تغني فيها ويمكن اعتبار جوهان سيباستيان باخ بمثابة اكبر موسيقار كنسي في المانيا وربما في اوروبا كلها.

ولكن ككل العباقرة فإن باخ لم يكن يعرف كيف يتصرف في الحياة العامة او كيف ينتهز الفرص ويجامل الاوساط السياسية ولذلك فقد تعرض للكثير من المتاعب والمشاكل. كان ناجحا في الفن وفاشلا في الحياة.

ولهذا السبب فإنهم رفضوا ترشيحه لمنصب قائد الجوقة الموسيقية في كنائس فايمار عام 1716 وعندئذ غادر دولة فايمار لكي يتسلم منصبا آخر في ولاية المانية اخرى هي انهالت غوتا وهناك خفف من اهتمامه بالموسيقى الدينية على عكس ماكان يفعل سابقا. واصبح يركز اهتمامه على الموسيقى الدنيوية والواقع انه كان بارعا في كلا النوعين من الموسيقى

ثم ماتت زوجته ماريا بربارة عام 1720 وعندئذ تزوج مرة اخرى عام 1721 من انا ماغدالينا التي كانت اصغر منه بخمسة عشر عاما وقد انجبت له زوجته الجديدة ثلاثة عشر طفلا لم يسلم منهم الا ستة وهؤلاء يضافون الى الاربعة الذين انجبتهم له زوجته الاولى. وقد اصبح الكثيرون في اولاده مؤلفين موسيقيين ممتازين ولكن ليسو بعبقرية والدهم بالطبع.

فهناك باخ واحد في التاريخ لا اثنان. وهذا اكبر برهان على المثل القائل: اولاد العباقرة ليسوا عباقرة او قل ان ذلك نادر في التاريخ ثم يردف المؤلف قائلا: بعد ان قاد باخ الفرقة الموسيقية في بلاط هذه الدولة الالمانية لمدة سبع سنوات قدموا له عام 1723 منصبا كبيرا في مدينة لايبزيغ وفي كنيسة القديس توما بالذات وكان عليه ان يؤلف الالحان الغنائية والاناشيد الدينية لعدة كنائس اخرى بالاضافة الى هذه الكنيسة وبالتالي فوقته كان مليئا بالعمل والمشاغل.

ولكن هنا ايضا كانت علاقاته صعبة مع السلطات الدينية والدنيوية للمدينة يضاف الى ذلك ان الراتب لم يكن كبيرا جدا ولم يكن على المستوى الذي يطمح اليه ومع ذلك فقد بقي هناك لسنوات عديدة. وقد اتاحت له تلك الفترة ان يحسن نوطاته الموسيقية اكثر فأكثر وقد الف في تلك الفترة العديد من الالحان الغنائية الرائعة التي تم انشادها في الاعياد الكبرى المسيحية كعيد الميلاد وعيد الفصح وعيد الصعود.. وكان الناس يتوافدون زرافات وواحدانا لسماع موسيقاه واناشيده التي لا تضاهى.

وفي عام 1736 تم تعيينه في بلاط امير منطقة الساكس في مدينة دريسدين بصفته مؤلفا للقطع الموسيقية وعازفا لايشق له غبار،

وعلى عكس لايبزيغ فإن مدينة دريسدين كانت تمتلك حياة موسيقية خصبة وفيها العديد من كبار الموسيقيين والعازفين وفي اثناء تلك الفترة الف باخ العديد من السيمفونيات والمقطوعات الموسيقية الرائعة. وقد بقي باخ في منصبه هذا في مدينة دريسدين حتى مات عام 1750 وهكذا ظل عبقريا مبدعا حتى نهاية حياته وفي هذه الفترة الاخيرة من حياته انتج بعضا من افضل القطوعات الموسيقية والاناشيد والسيمفونيات.

نقول ذلك على الرغم من المرض الذي اصيب به والذي كاد ان يجعله اعمى. ويقال ان اخر مقطوعة موسيقية الفها كانت بعنوان: امام عرشك يا الهي اتقدم بكل خشوع واجلال. وهذا دليل على مدى خشوعه وتقواه. ثم يردف المؤلف قائلا: لا أحد يستطيع ان يعادل باخ في مجال الموسيقى الدينية فمقطوعاته التي يتحدث فيها عنها عن الام المسيح ذات جمال خارق للعادة انها عبارة عن مقطوعات سماوية تؤثر على الشاعر وتمتلك القلوب.

انها ذات صفاء روحاني لايضاهي وبالتالي فباخ هو اعظم موسيقار ظهر في المرحلة الكلاسيكية للموسيقى الألمانية والاوروبية ككل.وعندما كان يشتغل في «فايمار» لم تكن قد اصبحت المدينة الكبرى كما اصبحت في القرن التاسع عشر أي في عهد فاغنر وهو الموسيقار الكبير الاخر الذي سيبدع في تلك المدينة بعد باخ

والواقع ان المانيا هي التي انجبت كبار الموسيقيين في العالم ويكفي ان نتذكر بهذا الصدد اسماء باخ، بيتهوفن، موزار، روبيرت شوبان، فاغنر، برامز، الخ.. حقا ان العبقرية الموسيقية هي للشعب الالماني تماما كما العبقرية الفلسفية.

وعندما زار باخ مدينة فايمار لكي يعيش فيها ويشتغل كان اميرها هو الدوق ويليهلم ارنست وهو رجل متدين جدا وكان يكرس معظم وقته للدين والتقى والتعبد والدراسات اللاهوتية. وقد اعجب بباخ أي اعجاب لأنه شخص روحاني ثم لأنه لا يعزف فقط القطع الموسيقية وانما يؤلفها بكل عبقرية كما انه استاذ لامع للموسيقى ويعرف كيف يدرسها للطلاب ويحببهم بها وبالتالي فهو يتمتع بعدة فصائل نادرا ان تجتمع في شخص واحد.

وقد خصص له الأمير مرتبا محترما يكفي لإعالة عائلته ولكن المشكلة هي ان تدين هذا الامير ازداد اكثر فأكثر حتى وصل الى مرحلة التزمت والاكراه في الدين وعندئذ حصلت مشاكل مع باخ الذي كان سريع الحساسية والغضب ولهذا السبب ترك وظيفته هناك وذهب الى ولاية المانية ثانية لكي يشتغل فيها.

 

ثم يردف المؤلف قائلا وموضحا: والواقع انهم بعد ان طردوه في فايمار وانتقل الى ولاية «غوتا» وجد ترحيبا كبيرا في بلاط الأمير الجديد وخصصه له مرتبا ضخما يزيد عن السابق واعطوه كامل الحرية لكي يبدع في مجال التأليف والعزف الموسيقي. وفي اواخر حياته اصبح باخ شخصية مشهورة جدا. وكان الناس يزورنه من كل انحاء ألمانيا للتبرك برؤيته او التحدث معه كما ازداد عليه الطلب من قبل كبار الامراء والشخصيات لكي يعزف الموسيقى في حفلاتهم الخاصة او العامة.

ثم اقتربت النهاية ففي 22 يوليو 1750 اصيب بازمة قلبية ادت الى موته بعد بضعة ايام من المرض والعذاب ثم ماتت زوجته بعده بعشر سنوات في حالة من الفقر وبعدئذ نسي الناس موسيقى باخ واهملوها لمدة خمسين سنة ولكن الألمان اعادوا اكتشافها عام 1829 على يد موزار وبيتهوفن ومنذ ذلك الوقت ما انفك الناس يهتمون بموسيقاه ويستمعون اليها باعتبار انها موسيقى شخص عبقري ومؤمن في ذات الوقت ولاتزال هذه الموسيقى تسحرنا في هذه اللحظة وسوف تبقى هكذا على مدار العصور

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن