صدر كتاب المصطلحات المعمارية في وثائق عصر محمد على وخلفائه،في الفترة من 1805 إلى 1879 م،للدكتور محمد على عبدالحفيظ أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بقسم التاريخ والحضارة – كلية اللغة العربية بالقاهرة جامعة الأزهر.
هذا الكتاب صدر عن دار نشر الجريسي بالقاهرة، ويشتمل الكتاب على 220 صفحة من القطع الكبير، وزود بالصور التوضيحية المهمة، وكتاب المصطلحات المعمارية في وثائق محمد على وخلفائه،على هيئة معجم مقسم أبجديا، وعمل موسوعي مهم،وقاموس للمصطلحات الوثائقية المعمارية، ويتضح من الفهرس أن عدد المصطلحات الواردة في الكتاب 419 مصطلحا، يتصدرها مقدمة بقلم المؤلف، وخاتمة وقائمة المصادر والمراجع والصور، وجاء بالمقدمة:
يعد علم المصطلحات المعمارية والفنية Terminology من المجالات الحديثة في ميدان الدراسات الأثرية، وما يزال ما كتب في هذا المجال من الأبحاث الجادة يعد على أصابع اليدين، وربما يرجع ذلك في المقام الأول إلى صعوبة هذا النوع من الدراسات وما يتطلبه من صبر ومثابرة ووقت ومال.
ومن رواد هذا العلم في مصر المرحوم الدكتور عبد اللطيف إبراهيم، وقد سار على دربه رهط قليل من الباحثين،تنوعت اتجاهاتهم وطريقة معالجاتهم للمصطلحات، فمنهم من تصدى لدراسة المصطلحات الفنية المتعلقة بالعناصر المعمارية الواردة في كتب الرحالة والمؤرخين القدامى، ومرادفات تلك المصطلحات في البلاد الإسلامية المختلفة، ومنهم من عمد إلى استخراج تلك المصطلحات من بطون القواميس والمعاجم اللغوية وتحديد دلالاتها المختلفة، وهناك فريق ثالث سلك الطريق الأصعب وراح ينقب عن المصطلحات المعمارية والفنية في الحجج والوثائق المرتبطة بالعمائر الإسلامية، ويسعى جاهدا للوصول إلى معانى ودلالات هذه المصطلحات.
وهو أمر شاق إذا وضعنا في الاعتبار أن جل هذه المصطلحات قد بطل استعمالها اليوم، وتوفى معظم شيوخ الصنعة من كبار السن الذين كان يعتمد عليهم في سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي في تفسير بعض هذه المصطلحات.
ومن الدراسات الجادة في هذا المجال كتاب " المصطلحات المعمارية في الوثائق المملوكية " الذي كتبه الدكتور محمد أمين والدكتورة ليلى إبراهيم، وعاونهما في إخراجه فريق ضخم من الآثاريين والمهندسين وأساتذة اللغات الشرقية، وهناك أيضا الملحق الوثائقى الذي كتبه الدكتور مصطفى نجيب في رسالته للدكتوراه بكلية الآثار جامعة القاهرة عن "مدرسة الأمير قرقماس"، وهناك كثير من الدراسات الأخرى الجادة لا يتسع المجال لذكرها الآن.
لكن غالبية الدراسات التي اهتمت بدراسة المصطلحات الفنية الواردة في الوثائق إن لم يكن كلها قد توقفت عند نهاية العصر المملوكى، ولم يتطرق أي منها للمصطلحات الجديدة التي ظهرت في وثائق العصر العثمانى وعصر محمد على وخلفائه، ومن هنا فقد رأيت أن أسهم في هذا المجال، وأن أقدم هذه الدراسة آملا أن تسد هذا النقص،وأن تكمل تلك الحلقة المفقودة في سلسلة الدراسات المتعلقة بالمصطلحات المعمارية التي وردت في الوثائق.
وقد دفعنى إلى دراسة هذا الموضوع ما رأيته من إقبال الباحثين في مجال الآثار الإسلامية،فضلا عن مجال التاريخ الحديث والوثائق على دراسة عصر محمد على وخلفائه كل في تخصصه، وما يلاقيه هؤلاء الباحثون من عنت ومشقة في فهم الوثائق التي تنتمى لتلك الفترة، وقد يمضى الباحث أياما بل أسابيع حتى يصل إلى المعنى الصحيح المناسب لمصطلح معين، قد يتوقف فهم الوثيقة فهما كاملا على معرفة ذلك المصطلح.
والحقيقة أن وثائق عصر محمد على وخلفائه، وخاصة تلك الوثائق المرتبطة بالمبانى،وفى مقدمتها حجج الوقف ووثائق سجلات المحاكم الشرعية،فضلا عن وثائق الدواوين والمصالح المرتبطة بالمبانى، مثل سجلات ديوان الأبنية وسجلات ديوان المدارس، وسجلات ديوان الأورناتو،وسجلات ديوان الأشغال، إضافة إلى الوثائق الأخرى المتناثرة في سجلات الدواوين الأخرى والمحافظ، وهذه الوثائق جميعها تمدنا بكم هائل من المصطلحات المعمارية تتنوع فيما بينها تنوعا واضحا.
فمنها مصطلحات تتعلق بنوعيات جديدة من المبانى لم تقابلنا في الوثائق المملوكية مثل " أبلكخانة - قوشخانة - تيمورخانة -باقرخانة – دكمخانة- تحويطة - دوار - دويرة - ديوان - مغازة ".
ومنها مصطلحات مرتبطة بالمكونات والوحدات المعمارية التي تتألف منها تلك العمائر مثل " تنهه - شكمة - قوطون - على - مصرية - نصف مصرية - تختبوش - مقعد قبطى - مقعد رومى - طيارة - كاط – مطبل- مرقد - تخانة - حناية - مندرة - مضيفة ".
ومنها مصطلحات مرتبطة بتخصصات دقيقة في الحرف المعمارية العاملة في مجال المعمار مثل " قماراتية، قزامة، قنواتية، ألطونجية ؛ نبرجية، حداد جافى، نجار دقى، نجار في النقى ".
ومنها مصطلحات متعلقة بالأدوات التي يستخدمها أرباب الحرف المعمارية مثل " سراق، مندالة ؛ شاحوطة، قارب ؛ شاغر، شاقول، قلس، نخ ".
ومنها مصطلحات تتحدث عن المواد الخام التي تستخدم في العمائر من الأحجار والأخشاب والرخام وأنواع هذه المواد،مثل " حجر هيصمى، حجر مجاديل ؛ حجر بلغمى ؛ رخام مالطى، رخام بوانيق، فرخيات ؛ خشب دردار ؛ خشب بلدينار ؛ خشب بلطة اسكلة، خشب لاطزانة، خشب نقى ".
ومن هذه المصطلحات ما يتعلق بطريقة البناء أو التسقيف مثل " تكحيل ؛ واجهة رومى، مسقف تلقيما، مسقف رومى، مسقف طبقا، عراميس ؛ كلين، بلسقالة ".
وكان المنهج المتبع في دراسة هذه المصطلحات هو تجميع نصوص متعددة للمصطلح الواحد من وثائق ترجع إلى تواريخ مختلفة، ومن مدن مختلفة خارج القاهرة،للتعرف على مدى اختلاف أو تشابه المعنى للمصطلح الواحد في المدن المختلفة، ومدى وجود مصطلحات بعينها في مدن معينة وعدم وجودها في مدن أخرى، ثم البحث عن مدلولات كل مصطلح وربطه -إن أمكن- بما هو موجود في العمائر الأثرية القائمة.
وقد اعتمدت في تفسير هذه المصطلحات على مجموعة من القواميس والمعاجم العربية،خاصة تلك القريبة العهد بالفترة العثمانية وفترة محمد على وأهمها "تاج العروس" للزبيدى،و"القول المقتضب فيما في لغة أهل مصر من كلام العرب" للبكرى، و"شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل " للشهاب الخفاجى.
كما استعنت بمجموعة ضخمة من القواميس التركية والفارسية خاصة القديمة منها،مثل "الدرارى اللامعات في منتخبات اللغات" لمحمد على الأنسى ؛ و"قاموس تركى" لشمس الدين سامى، و"كنز اللغات" للشيخ فارس أفندى الخورى اللبنانى ؛و " تأسيس المبانى في اللسان العثمانى " لعبد الباسط الأنسى ؛ و" أجمل المبانى في اللسان العثمانى" لأفر شوكت ؛ كما أفدت كثيرا من المعاجم التي كتبت في أوائل القرن العشرين عن الكلمات العامية ؛ ومنها "معجم الألفاظ الحديثة" لمحمد دياب ؛ "المحكم في أصول الكلمات العامية" لأحمد بك عيسى، و"تهذيب الألفاظ العامية" للشيخ محمد على الدسوقى، و"معجم تيمور الكبير في الألفاظ العامية" لأحمد باشا تيمور ؛و " قاموس العوام " لحليم دموس، وفضلا عن ذلك فقد أفادتنى كثيرا الكتب القديمة المتعلقة بالمبانى وإنشائها التي ألفت في أوائل القرن المنصرم،ومن أهمها كتاب " إنشاء المبانى" لمحمد مرسي إسماعيل، و"خلاصة الأفكار في فن المعمار" لمحمد عارف، و"نجارة العمارة " لمحمد إسماعيل وحسين صالح ؛ وكان كتاب رينهارت دوزى "تكملة المعاجم العربية" من أكثر الكتب إفادة لأنه عاصر فترة الدراسة، وكتب عن الألفاظ العامية والفصحى والدخيلة التي كانت متداولة في مصر، في ذلك الوقت".