في عام 166 من هذا العصر الميلادي وصل عدد من مواطني روما إلى الصين. كان ذلك بعد رحلة زاخرة بالمخاطر والتحديات. لقد استقبلهم آنذاك إمبراطور شعب «الهان» في عاصمته «شيان» بالصين، القريبة في الوقت الحاضر من مدينة «زيان». كانت مدينة شيان هي نقطة انطلاق طرق الحرير التي ربطت الصين بالعالم الخارجي.
تلك الرحلة هي بالتحديد تلك التي يعود لها «جان نويل روبير»، المختص بتاريخ روما القديمة وصاحب العديد من المؤلفات، التي من بينها «بحث في مصادر الهويّة الأوروبية»، في كتابه الذي يحمل عنوان «من روما إلى الصين».
تجدر الإشارة إلى أن هذه هي الطبعة الرابعة من الكتاب التي تصدر بعد إعادة نظر عميقة بمحتوياته على ضوء الاكتشافات الأثرية الجديدة، وعلى ضوء كمّ كبير من المعلومات الجديدة التي تمّ الكشف عنها في العديد من الأراشيف. بهذا المعنى يتم اعتبار الكتاب «جديداً»، مع الإشارة إلى أنه ذو قيمة مرجعية في الأصل.
ما يؤكّده المؤلف ــ المؤرّخ أن الرومان انطلقوا واقعيا منذ القرن الثاني الميلادي بـ «مغامرة تجارية» قادتهم إلى الصين عبر طرق الحرير المختلفة. ويشير بداية إلى أن البشر يحتفظون في ذاكرتهم بأسماء مغامرين انطلقوا منذ زمن طويل في رحلات اكتشافية، وليس أقلّهم شهرة كريستوف كولومب وماركو بولو. والإشارة أيضا أن ذكرى أمثال هؤلاء ارتبطت في الأذهان بالثروة والمجد.
ويشرح المؤلف أن الأثرياء الرومان كانوا قد اكتشفوا الحرير قبل حلول العصر الميلادي بفترة قصيرة. وكذلك الأمر بالنسبة للتوابل وعدد من السلع الأخرى التي كان يجلبها التجّار الإيطاليون المقيمون في الشرق إلى الأسواق الغربية. لكنه يشير بالمقابل أن العلاقات التجارية وغيرها لم تأخذ أبعادا كبيرة ومنتظمة إلا في نهاية القرن الثاني من العصر الميلادي.
من هنا يرى المؤلف أن اهتمام الرومان بالصين كان في البداية «على خلفية اقتصادية بحتة». لكنه غدا سياسياً بسرعة عندما أراد الإمبراطور الروماني «أوغست» أن يؤكّد سلطته و«يفرض نفسه سيّداً على العالم». تلك الإرادة برزت من خلال استقباله عدداً من السفراء في بلاطه. لكن المؤلف لا يجزم أنه كان بين أولئك السفراء ممثل للصين آنذاك.
المؤلف في سطور
جان نويل روبير، متخصص بالعالم اللاتيني، ومؤرّخ فرنسي معروف لروما القديمة. سبق له وقدّم أكثر من 15 كتاباً. منها: «روما: المجد والحريّة» و«تاريخ العقليات في الحقبة الرومانية القديمة» و«الرومان ونمط العيش»...الخ.