لم يحتج الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لأكثر من أربع دقائق ونصف ليثبت أنه استوعب جيدًا دروس اللقاء السابق في البيت الأبيض. فبعد توبيخ علني وإحراج دبلوماسي قبل ستة أشهر، عاد هذه المرة وهو يحمل قاموسًا كاملاً من عبارات الشكر، وجهها واحدة تلو الأخرى للرئيس الأميركي دونالد ترمب.
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، شكر زيلينسكي ترمب على استضافته وقادة العالم الآخرين في محاولة لإنهاء حرب روسيا ضد أوكرانيا، كما شكره على تعريفه بالضيوف ووسائل الإعلام، وعلى "محادثة جيدة جداً"، وحتى على منحه خريطة لبلاده.
وبشكل لافت، شكر زيلينسكي الرئيس الأميركي نحو 11 مرة خلال أربع دقائق ونصف من كلمته العلنية، لينضم بذلك إلى عدد من قادة أوروبا وحلف شمال الأطلسي (ناتو) في الإشادة بترمب.
وأشار الرئيس الأوكراني إلى أنه تأقلم مع الديناميكيات الجديدة منذ زيارته السابقة للبيت الأبيض قبل ستة أشهر، وهي الزيارة التي انتهت بتوتر شديد، بعدما وبّخه ترمب ونائبه جيه دي فانس، واتّهماه بعدم إظهار الامتنان الكافي للدعم الأميركي. حينها، طلب ترمب من زيلينسكي مغادرة البيت الأبيض، ملوحاً بإمكانية وقف المساعدات الأميركية بالكامل، ما أثار مخاوف بشأن مستقبل الدعم لأوكرانيا في مواجهة التفوق العسكري الروسي.
وشهد اللقاء في فبراير/شباط الماضي اشتباكاً كلامياً، بعد أن دعا فانس إلى تحرك دبلوماسي مع روسيا، بينما أصر زيلينسكي على سرد خلفية الحرب، بدءاً من غزو روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، متهماً المجتمع الدولي بالتقاعس.
وردّ فانس آنذاك قائلاً: "سيدي الرئيس، بكل احترام، من غير اللائق أن تستخدم المكتب البيضاوي لمرافعة إعلامية... يجب أن تشكر الرئيس على محاولاته لإنهاء هذا الصراع"، قبل أن يتدخل مجدداً منتقداً غياب الشكر الصريح من زيلينسكي خلال الاجتماع.
ومنذ ذلك الحين، تغيّرت نبرة الرئيس الأوكراني بشكل ملحوظ. فالعلاقات بين كييف وإدارة ترمب شهدت تحسناً تدريجياً، لا سيما في ظل تزايد انتقادات ترمب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واصفاً إياه مؤخراً بـ"المجنون"، ومشيراً إلى أن وعوده بوقف الحرب "بلا معنى".
وفي تطور لافت، التقى ترمب بوتين في ألاسكا يوم الجمعة، حيث اتسم اللقاء بلغة دبلوماسية هادئة. شكر بوتين ترمب عدة مرات على مبادرته لعقد اللقاء، وعلى "التواصل العملي" بينهما، وأثنى على سعيه لفهم جذور الحرب. وأعاد بوتين التأكيد على وجهة النظر التي يتبناها ترمب في حملاته، وهي أن الغزو الروسي لأوكرانيا لما حدث لو كان ترمب رئيساً في عام 2022.
وسرعان ما عكس ترمب هذه الرسائل في منشور على وسائل التواصل، محمّلاً زيلينسكي مسؤولية إنهاء الحرب، عبر التلميح إلى ضرورة تخليه عن عضوية الناتو وشبه جزيرة القرم.
وفي محاولة لتدارك الموقف، عاد زيلينسكي، مدعوماً بحلفائه الأوروبيين، إلى واشنطن هذه المرة بنبرة مختلفة تماماً، متمسكاً بخطته: شكر ترمب، ثم شكره أكثر.