واشنطن تدعو دمشق الى التساهل مع الاقليات والتوتر يخيم على القامشلي والحسكة

تاريخ النشر: 16 مارس 2004 - 02:00 GMT
البوابة
البوابة

دخلت واشنطن على خط احداث العنف التي شهدتها سوريا خلال الايام الاربعة الماضية ودعت دمشق الى التساهل مع الاقليات فيما تحدثت مصادر سورية عن اجواء متوترة تخيم على مدينتي القامشلي والحسكة اشارات مصادر رسمية الى تسرب عناصر خارجية الى البلاد بهدف تصعيد الوضع. 

افادت مصادر اعلامية عربية واخرى دولية الى ان التوتر لا يزال سيد الموقف في مدينتي القامشلي والحسكة في شمال شرق سوريا, منذ الاضطرابات التي سبقت مباراة لكرة القدم في القامشلي الجمعة وسرعان ماغذتها انقسامات عرقية قديمة ووقائع سياسية جديدة.  

وقالت صحيفة "النهار" انه فيما كانت القامشلي والحسكة هادئتين عموما امس, تحدثت تقارير عن مزيد من اعمال العنف في مناطق اخرى.  

وفي مناطق مجاورة لتركيا والعراق, كان السكان ينظرون الى السيارات المحترقة والمحال المنهوبة وهم يخشون تجدد الاضطرابات. 

القامشلي  

وافاد مسؤولون في الشرطة في القامشلي ان مسلحين اقتحموا منزل مسؤول محلي في بلدة عين العرب في وقت متقدم من مساء الاحد وقتلوا نجله. واضرم اشخاص النار في مكتب حكومي في البلدة التي تقع على مسافة 200 كيلومتر جنوب غرب القامشلي.  

وتحدثت وكالة "الاناضول" التركية شبه الرسمية من مدينة سوروج التركية المجاورة لعين العرب عن محاولة اكراد اقتحام سجن محلي واخراج السجناء منه, الا انهم اخفقوا في ذلك. ونقلت عن "مصادر محلية" في عين العرب ان "بضع اشخاص" قتلوا في اشتباكات بين الاكراد والجنود السوريين.  

ولا يزال الدخان يتصاعد من مزرعة لعلف الحيوانات احرقت خلال المواجهات في القامشلي. وكانت شرطة مكافحة الشغب تقوم بدوريات في المدينة التي ظل الكثير من محالها مقفلا. وخلال الاضطرابات دمّر مركز للجمارك ومحطة للقطارات. واحرقت السيارات المتوقفة امام المباني الحكومية. كذلك حطم مثيرو الشغب الكراسي والطاولات في مدرسة عربستان.  

واتهم مسؤول رفيع المستوى في القامشلي بعض الاحزاب الكردية بالتعاون مع "قوى اجنبية" لضم بعض القرى في المنطقة شمال العراق حيث الاكراد يتمتعون بحكم ذاتي موسع.  

ومنذ تفجر العنف, يتهم المسؤولون الاكراد العرب بمهاجمة الممتلكات الكردية.  

الحسكة  

وفي مدينة الحسكة, مركز محافظة الحسكة, بدأت الحياة الطبيعية تعود تدريجا, ففتحت المحال ابوابها, الا ان المدارس مقفلة. وقال عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري حسين عمر وهو كردي انه على رغم ان الوضع في الحسكة هاديء عموما, "فان العائلات لا تزال غير متأكدة من انه تمت السيطرة كليا على اعمال الشغب".  

وقال المتحدث باسم لجان حقوق الإنسان في الحسكة نضال درويش إن مواطنين كرديين قتلا من قبل أفراد عشائر عربية أمس في مدينة رأس العين التي تقع على مسافة 80 كيلومترا شمالي غربي الحسكة. كما أشار درويش إلى توتر في الحسكة، وطلبت قوى الأمن من أصحاب المحلات إغلاق محلاتهم في ساعة مبكرة من مساء يوم أمس.  

أما زعيم الحزب التقدمي الديموقراطي الكردي عبد الحميد درويش فاستنكر قتل أحد الأكراد في رأس العين، متسائلا من أين يأتي "مسلحو العشائر العربية بالسلاح في الوقت الذي تبلغ عقوبة حيازة السلاح في سوريا عشر سنوات سجنا؟.. من الذي يدفعهم بهذا الاتجاه؟". وشدد درويش على أن "عدم الاستقرار ليس لصالحنا كأكراد كما ليس في صالح سوريا".  

كذلك بدت اثار المواجهات, في الحسكة حيث يمكن رؤية السيارات والاوتوبيسات المحترقة والمحال التجارية والمباني الحكومية المدمرة. الا انه لا تلاحظ أية اجراءات أمنية غير اعتيادية في المدينة. وتجمع رجال دين مسلمون ومسيحيون وبعض الشخصيات الكردية في الساحة الرئيسية للمدينة ودعوا الى الوحدة الوطنية.  

وصرح الامين العام للحزب الديموقراطي الكردي التقدمي غير المرخص له عبد الحميد درويش الذي كان عضواً في مجلس الشعب ان "حصيلة القتلى من الأكراد بلغت 19 شخصاً وأكثر من 150 جريحاً في الحسكة والقامشلي وعامودا والدرباسية", مشيراً الى اصابة اثنين من رجال الامن السوريين احدهما بالرصاص.  

وقال عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي عبد الرحمن عيسى (كردي) الذي يشارك حزبه في الجبهة الوطنية التقدمية بعد مشاركته في اجتماع في حضور مبعوث الرئيس السوري بشار الاسد اللواء هشام بختيار مدير مخابرات أمن الدولة ومحافظ الحسكة سليم كبول وزعماء أكراد في المحافظة: "ان ما جرى خلال الأيام الأخيرة هو تدخل خارجي وبفعل أياد خارجية والاحداث التي فرضت ليس لنا يد فيها لأنها تستهدف سوريا والامة العربية وكل القتلى هم شهداء للسلطة وللنظام". وأضاف ان مقتل الاكراد قد يكون حصل خطأ ومن دون ارادة من السلطة".  

اغلاق الحدود مع العراق 

وفي ضوء استمرار حالة التوتر افادت تقارير اسرائيلة نقلا عن معارضين سوريين في الخارج ومصادر كردية قولها ان السلطات السورية اغلقت حدودها مع العراق بعد ان هدد مسلحون اكراد عراقيون بعبورها في حال لم تتوقف المواجهات بين قوات الامن والاكراد السوريين.  

وقالت صحيفة "هارتس" ان وفدا اميركيا وصل سرا الى المناطق الكردية في شمال سوريا قادما من العراق، لمحاولة تهدئة الاضطرابات التي تواصلت فيها الاثنين.  

وبحسب "هارتس"، فقد التقى الوفد الاميركي الذي ضم ضباطا في الاستخبارات، مع مسؤولين سوريين كبارا كان الرئيس بشار الاسد اوفدهم الى القامشلي للتحاور مع القادة المحليين بهدف انهاء الاضطرابات. 

وقالت الصحيفة ان الوفد الاميركي وصل الاحد الى القامشلي على متن مروحيتين قادما من العراق. 

واضافت ان المصادر تعتقد ان الوفد الاميركي حذر الحكومة السورية من انه في حال تواصلت الاضطرابات، فان الوضع قد يخرج عن السيطرة، بحيث سيجد السوريون صعوبة في كبح جماح المسلحين الاكراد الذين يتحفزون لعبور الحدود من اجل مساندة ابناء جلدتهم في سوريا. 

وكانت "هارتس" نقلت الاحد عن مصادر كردية قولها ان الاسد اوفد شقيقه العقيد ماهر ووزير دفاعه مصطفى طلاس وعددا من كبار المسؤولين في الاستخبارات الى القامشلي لاجراء محادثات مع القادة الاكراد. 

الموقف الرسمي 

وحمّل التلفزيون السوري مسؤوليتة الاحداث لمن "أتوا من الدول المجاورة" للقيام بأعمال تخريبية، مستبعدا أن تكون هذه التصرفات نابعة عن الأكراد الذين "يشكلون جزءا من النسيج الاجتماعي لسوريا".  

كما نقل التلفزيون نفسه عن "متابعين" لم يسمهم في نشرته الرئيسية قولهم إن مسببي الأحداث "جاؤوا من دول الجوار"، في إشارة هي الأولى من نوعها، ولكن من دون أن يحدد دولة أو إقليما بعينه.  

وقال التلفزيون السوري إن "المتابعين يرون أن لا وجود لمشكلة كردية في سوريا، وأن الأكراد هم مواطنون سوريون يشكلون جزءا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي لسوريا، ولا علاقة لهم بأحداث الشغب التي وقعت في مدينة القامشلي، وأن الذين قاموا بأحداث الشغب هذه أتوا من دول الجوار في ظروف استثنائية، تحركهم أياد خارجية من دون مراعاة جميل الضيافة وحسن استقبال البلاد، وفي ظروف صعبة تخفيفا عن محنتهم، ومعاناتهم القاسية التي دعتهم للهجرة والقدوم إلى سوريا، هذا البلد الذي احتضنهم بكل محبة نابعة من موقف إنساني نبيل راعت فيه روابط التاريخ والجغرافيا"، وذلك في إشارة إلى أعداد كبيرة من الأكراد دخلت إلى الأراضي السورية من شمالي العراق في الخمسينات ولم يتم منحهم الجنسية السورية على اعتبار أن أصولهم غير سورية.  

السليمانية  

في رود الفعل على الاحداث، تظاهر اكثر من الف طالب كردي في مدينة السليمانية شمالي العراق تضامنا مع أكراد سوريا. ورفع المتظاهرون، الذين تجمعوا أمام مبنى جامعة السليمانية، لافتات كتب عليها "كفى ظلما ضد الشعب الكردي في سوريا" و"إلى متى يبقى الأكراد أسرى الحكومات المتعصبة" و"حان الوقت لتحقيق حق تقرير المصير للأكراد السوريين في إطار الجمهورية السورية".  

وتوجه المتظاهرون بعد ذلك إلى مبنى رئاسة وزراء كردستان العراق حيث سلموا مكتب برهم صالح "رئيس الوزراء" في "حكومة" حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني مذكرة احتجاج تطالب "بالإفراج التام عن المعتقلين الذين لا يزالون في السجون السورية وفتح تحقيق حول الموضوع وتسليم الجناة إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل ونبذ ممارسات العنف وتحريمها في المستقبل".  

في جنيف احتل نحو 20 متظاهرا كرديا البعثة السورية في مكاتب الأمم المتحدة في جنيف، لمدة ساعتين، احتجاجا على أحداث الحسكة. وانسحب المتظاهرون بسلام عقب مفاوضات أجراها ممثلوهم مع أعضاء البعثة السورية شارك فيها أيضا ممثلون عن الشرطة الدبلوماسية السويسرية.  

في برلين تظاهر أكثر من 500 كردي أمام السفارتين الأميركية والبريطانية في برلين مطالبين بدعم واشنطن ولندن في "الضغط" على دمشق من أجل <<وقف المجازر ومعاقبة المسؤولين عنها>>. ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها <<أيها الأميركيون رجاء احموا الشعب الكردي من الإبادة>>.  

كما تظاهر مئات الأكراد في اثينا واسطنبول للغاية نفسها.  

واشنطن 

في واشنطن دعت الولايات المتحدة سوريا الى "التساهل مع الأقليات". وقال مساعد المتحدث باسم وزارة الخارجية آدم ايريلي "إننا ندعو الحكومة السورية الى التساهل تجاه الأقليات العرقية في البلاد". ودعا ايريلي دمشق أيضا الى "الامتناع عن استعمال وسائل قمعية لعزل أقلية تطالب بأن تكون مقبولة ومندمجة بشكل أفضل في حياة البلاد".  

تركيا قلقة  

في انقرة وصف وزير الخارجية التركي عبدالله غول الاحداث التي شهدتها القامشلي بأنها تدعو الى القلق. واكد ان تركيا تريد الاستقرار والهدوء في الدول المجاورة, مشيراً الى ان الهدوء قد عاد الى المنطقة التي حصلت فيها الحوادث في نقطة قريبة من الحدود التركية. وأسف "لفقدان اعداد كبيرة ارواحهم", وابرز "ضرورة الا يندفع المواطنون الى التحريض لئلا يقع مثل هذه الاحداث".  

وابدت وسائل الاعلام التركية اهتماماً ملحوظاً بالاحداث نظراً الى ان مشكلة الاقلية الكردية تأخذ شكلاً اوسع نطاقاً في تركيا التي يعيش فيها اكبر عدد من الاكراد مقارنة بسوريا والعراق وايران.  

واوردت صحيفة "حريت" التركية ان سوريا اغلقت اعتباراً من الاحد بوابة نصيبين الحدودية مع تركيا, فيما وضعت تركيا وحداتها العسكرية على طول خط الحدود في حال تأهب. وقالت ان مواطني مدينة نصيبين التركية يتابعون الاحداث بالعين المجردة من مرتفعات في المنطقة وسط حال من القلق على اقاربهم الذين يعيشون في الجانب الآخر من الحدود.  

وتحدثت صحيفة "راديكال" التركية عن استمرار محاصرة عدد من رجال الاعمال الاتراك في منطقة الاشتباكات بحيث لا يستطيعون العودة الى تركيا.  

الاردن  

في عمان, املت الناطقة باسم الحكومة الاردنية اسمى خضر ان تستعيد سوريا استقرارها, معتبرة ما جرى "اموراً داخلية سورية".  

وقالت: "موقفنا ثابت, نحن مع استقرار امن المجتمعات العربية كلها ولا نريد ان نرى اي ضعضعة للاستقرار في اي بلد عربي". واضافت: "نأمل في ان يحل هذا الموضوع في اطار القوانين وان تتمكن سوريا من تجاوز هذه المشكلات".  

السعودية  

في الرياض, افادت وكالة الانباء السعودية "واس" ان مجلس الوزراء السعودي اعرب خلال جلسته الاسبوعية عن "استنكاره لاعمال الشغب والتخريب المؤسفة التي وقعت في محافظة الحسكة وبعض مدن المحافظة بالجمهورية العربية السورية", وتمنى ان "يحفظ الله لسوريا الشقيقة امنها واستقرارها ورخاءها"—(البوابة)—(مصادر متعددة)

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن