لم يتوقف اللغط حول آثار وتبعات النتائج غير المسبوقة لامتحان الثانوية العامة الأردني (التوجيهي) لهذا العام، فما زالت تعبيرات الدهشة والقلق تتصدر أحاديث النخب والمتابعين رغم مرور أيام على صدور هذه النتائج منذ الخميس 25 يوليو 2019.
وأعادت النتائج "الفلكية" كما وصفها البعض، فتح ملف التعليم من أوسع أبوابه، مثيرة تساؤلات حول جودة وسمعة التعليم في البلاد، ودوافع وزارة التربية والتعليم وراء رفع معدّلات الطلبة، وأثر هذه النتائج على مستقبل التعليم وسوق العمل.
وسجلت نتائج الامتحان السنوي المركزي الذي يحسم مستقبل الدراسة الجامعية للطلبة أرقاماً غير معهودة، حيث شهدت حصول طالب على معدّل 100% لأول مرة في تاريخ المملكة، في حين حاز تسعة من الطلبة على درجة 99.9٪، وبلغت نسبة النجاح في الامتحان 58.3%.
ولم يكن حصول طالب واحد على علامة تامة 100% هو المفاجأة والسابقة الوحيدة، حيث قفز عدد من كانت نتيجتهم 99% إلى 300 طالب، في حين لم يحصل أي طالب على هذا المعدّل في العام الماضي، وفق إحصائيات نشرها موقع "رؤيا" المحلي.
الإحصائيات كشفت كذلك عن ارتفاع من تجاوزوا معدّل 90% إلى أكثر من عشرة آلاف طالب، مقارنة بـ4703 طالب وطالبة عام 2018، و2124 طالب وطالبة عام 2017.
أرقام ومقارنات أثارت ذهول مراقبين وقلقهم، في حين اعتبرتها منصة "حقك تعرف" التابعة للحكومة الأردنية إشاعات ينبغي عدم تداولها، مشيرة إلى أنه يجب انتظار نتائج الامتحان التكميلي الذي بدأ أمس الاثنين (محطة لاحقة يعيد فيها الطلبة بعض المواد الأكاديمية لتحسين نتائجهم).
وفي ضوء أن الدورة التكميلية التي تعقد لأول مرة يُسمح لجميع الطلبة بالتقدم لها حتى الناجحين منهم، فمن المؤكد أن الأرقام مهيأة للزيادة، لا سيما أن وزارة التربية والتعليم ستعتمد العلامة الأعلى للامتحان.
وينطوي ارتفاع المعدلات على انعكاسات "وخيمة" وفق البعض، قد يتحسس الطلبة وذووهم آثارها عند ظهور نتائج القبول في الجامعات، حيث يرجّح انسداد بعض التخصصات أمام كثير من الطلبة الذين يرغبون بدراستها، في ظل التنافس الكبير عليها، الأمر الذي سيسبب إحباطاً لدى الكثير من العائلات الأردنية.
أولى التجليات السلبية المباشرة لهذه المعدلات المرتفعة، ظهرت الاثنين 29 يوليو 2019، حين اعتصم حشد من الطلاب المعيدين من مواليد عام 2000، أمام وزارة التعليم العالي، مطالبين بفصلهم في القبول عن جيل 2001 الذين ظهرت معدلاتهم هذا العام وفق النظام الجديد.
ويخشى الطلبة المعتصمون من تبدد أحلامهم بالحصول على التخصصات الجامعية التي من أجلها انتظروا ودرسوا عاماً إضافياً كاملاً، ليفاجؤوا بالارتفاع المهول الذي طرأ على المعدلات، والذي سيتحكم بدوره بنسب القبول، مطالبين باستثنائهم من النظام الحالي في القبول الموحد، ومعاملتهم وفق النظام السابق.
وكان الطلبة يخضعون لامتحان "التوجيهي" على مرحلتين (دورة شتوية وأخرى صيفية)، قبل أن تعتمد وزارة التربية والتعليم نظام الدورة الواحدة (اختبار واحد) للطلبة في العام الدراسي الأخير 2018\2019.
ويرى رئيس الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة "ذبحتونا"، فاخر دعاس، أن معدلات طلبة التوجيهي لهذا العام وهمية، وغير دقيقة، لافتاً إلى أنها "لا تعكس واقع إمكانات وقدرات الطلبة"، مشيراً إلى أن هذه المعدلات المرتفعة جداً "ستعطي مجالاً أكبر لـ"نظام الموازي" في الجامعات الرسمية، كما ستؤدي إلى التزاحم على الجامعات الخاصة، ومن ثم ملاحظة مزيد من التدهور في مخرجات التعليم"، على حدّ تقديره.
حذفت وحدة تتحدث عن العولمة وحوار الحضارات واللجوء الفلسطيني
وأبدى دعاس لـ"الخليج اونلاين" تخوفه من اعتماد الحكومة الأردنية للمشهد الأكاديمي المستهجن كسياسة تعليمية طويلة الأمد، محذراً من تأثيرها الكبير على سمعة "التوجيهي" والجامعات، معرباً عن أمله بأن تكون نتائج التوجيهي لهذا العام طفرة وحالة استثنائية، مطالباً مؤسسات المجتمع المدني بالضغط على الحكومة لوقف "التلاعب" في التوجيهي، وفق تعبيره.
ويتابع "دعاس" أن ثمة أسباب ثلاثة دفعت الحكومة إلى رفع المعدلات بهذه الطريقة؛ يتمثل الأول بتسويق نظام الدورة الواحدة، والذي تراجعت السلطات التعليمية عن تطبيقه نتيجة احتجاجات طلابية واسعة عليه عام 2016، قبل أن تعيده هذا العام.
وأضاف: "الدافع الثاني للحكومة من رفع المعدلات يكمن في السعي لحل المشاكل والأزمات المالية لدى جامعات الأطراف (المحافظات) التي تعاني من الديون والعجز، من خلال رفد الجامعات بالطلبة على البرنامج الموازي عبر رشى اجتماعية برفع المعدلات".
أما السبب الثالث من وجهة نظر "دعاس" فهو تحقيق مزيد من الأرباح للجامعات الخاصة، التي كانت تشتكي في السنوات الفائتة من قلة أعداد الناجحين والحاصلين على المعدلات الدنيا، التي تؤهلهم للدراسة في الجامعات.
ولم تفصح وزارة التربية والتعليم لغاية هذا الوقت عن الأسباب التي أدت إلى هذه النتائج، ولا رد رسمياً على المخاوف والتحليلات السابقة، في حين لم يتمكن "الخليج أونلاين" من الوصول إلى المعنيين في وزارة التربية والتعليم.
ورصدت بعض التفسيرات التي لا ترى أي معضلة في المعدلات المرتفعة، ومنها ما ذكره الخبير التربوي ذوقان عبيدات عقب صدور النتائج، قائلاً: إن "النظام السابق وجه ضربة قاسية إلى سمعتنا التربوية من خلال الطلبة الذين (طفشوا) إلى تركيا والسودان هرباً من قسوة نظامنا التعليمي والامتحاني!!".
وأضاف في مقال له تداوله الإعلام المحلي: "لا يحق لأي نظام أن يعلم الطلبة اثنتي عشرة سنة ويرميهم رسوباً بعد ذلك، هذا عدوان تربوي وأخلاقي على مجتمعنا وأبنائنا!".
من جانب آخر، يرى خبراء أن المعدلات العالية ستشجع الطلبة وأهاليهم على المضي قدماً من أجل إكمال الدراسة الجامعية، الأمر الذي يواجه تطلعات الدولة بتحفيز الشباب للانخراط في المسارات المهنية والتخصصات المطلوبة لسوق العمل.
ويؤكد رئيس مركز "الفينيق" للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، أحمد عوض، أن المنظومة التعليمية الأساسية والثانوية تنطوي على إشكالات أساسية، وهي سبب مباشر في ارتفاع معدلات البطالة.
وتعدّ معضلة البطالة في الأردن واحدة من المشكلات المستعصية، حيث وصل معدل البطالة إلى 19٪ في ربع العام الحالي الأول.
وشدد عوض في حديث خاص لـ"الخليج أونلاين" على ضرورة إعادة النظر في المنظومة التعليمية ككل، باتجاه عدم تشجيع الشباب والشابات على الانخراط في الجامعات والتعليم الجامعي، ودفعهم بدلاً من ذلك إلى الاندماج في مستويات تقنية مهنية وفنية غير مكلفة؛ نظراً لحاجة سوق العمل لها.
وبين أن "سوق العمل يولد من المهن الفنية والتقنية أضعاف أضعاف ما يولد من المهن والوظائف التي يحتاجها الجامعيون، حيث يوجد 300 ألف طالب جامعي مقابل نحو 30 ألف طالب فقط في التعليم المتوسط والتقني والمهني"، وفق تقديراته.
ويلفت الخبير الاقتصادي إلى أن هذا الواقع يعكس تشوهاً في النظام التعليمي في البلاد؛ نظراً لأن سوق العمل لا يعتمد على الجامعات، مضيفاً: إن "النسبة العظمى من الشباب لدى كثير من الدول المتحضرة تذهب إلى المسار التقني والمهني وتبقى النسبة الأقل في المسارات الجامعية والدراسات العليا".
وتنتهي الأربعاء 31 يوليو 2019 مهلة التقديم للالتحاق في الجامعات الأردنية الرسمية، من قبل الطلبة الحاصلين على معدّل 65% فأكثر في امتحان الثانوية العامة.
وخلال العقود الماضية ظل التشدّد في امتحان "التوجيهي" عرفاً في الأردن، وبرهاناً على هيبة التعليم في البلاد. (الخليج أونلاين)