أبشع الجرائم التي ارتكبتها اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في شهر رمضان

تاريخ النشر: 04 يوليو 2016 - 07:56 GMT
فلسطين المحتلة
فلسطين المحتلة

لشهر رمضان المبارك، خصوصية ومكانة خاصة، لا ينازعه عليها أحد من الشهور، فكلما حلّ هذا الشهر الكريم، حلّت البركة والطمأنينة في قلوب المسلمين، لما لهذا الشهر من روحانية تعمل على تصفية القلوب، إذ إنه يصطحب معه تقاليده وطقوسه التي تميزه عن بقية الأشهر.. فهو شهر الرحمة، والطاعات، وتحتفل به شعوب العالم الإسلامي، كل على طريقته وعاداته.

ويحظى الشهر بأهمية عالية في فلسطين، فهو شهر تكثر فيه شيم المكارم الفلسطينية، وهو شهر «أولى القبلتين» المسجد الأقصى المبارك، حيث يحرص الفلسطينيون على شد الرحال إليه في هذا الشهر العظيم، لكن هذا الشهر ينكأ جراح الفلسطينيين وما أكثرها، فلم تخلُ أيام هذا الشهر من أحداث خطفت بهجته، على مدار سنوات خلت، بفعل آلة الإجرام الصهيونية، فارتكب المحتلون أبشع مجازرهم ضد الفلسطينيين خلال رمضان المبارك، في غير مكان على امتداد الأراضي الفلسطينية.. وفي التقرير التالي نطالع أبرزها.

مجزرة نحالين 1989
في ليلة من ليالي رمضان المباركة، شهر الجهاد والمجاهدين، كانت نحالين، القرية الوادعة والجميلة، جنوب غربي مدينة بيت لحم، على موعد مع الشهادة.. كانت على موعد مع الجهاد في سبيل الله، حيث اقتحمت (35) دورية عسكرية احتلالية القرية، البالغ عدد سكانها (3000) نسمة، الساعة الثالثة فجراً، وكان الأهالي حينها يتناولون طعام «السحور».. دخل الجنود القرية من جهاتها الأربع، لاعتقال عدد من الشبان، وفي الساعة الخامسة فجراً، بدأ المجرمون بإطلاق النار على المصلين أمام مسجد القرية، بعد أن أدوا صلاة الفجر، وكان الجنود ومعظمهم من قوات من يُسمّون «حرس الحدود» يطلقون النار على المصلين بشكل عشوائي، لا يميزون بين إنسان وغيره.. بين صغير وكبير.. إنهم يطلقون النار على كل شيء يتحرك أمامهم.. إنه أمر أبرم بليل.. إنها خطة جديدة ترمي إلى إرهاب الناس والقضاء على معنوياتهم العالية، وكانت الأراضي الفلسطينية تشهد آنذاك، العام الثاني للانتفاضة المباركة الأولى انتفاضة الحجارة».. ولكن هيهيات هيهات.. لقد خاب ظنهم.. إنهم يتعاملون مع شعب مؤمن، ارتبط بهذه الأرض وارتبطت به، فبات يردد دائماً وأبداً: «إنا باقون.. ما بقي الزعتر والزيتون.. إنا باقون.. ما بقيت آيات الإسراء وما بقي اللوح المكنون»..

لقد علت هتافات الشبان في القرية، بعد سماعهم لإطلاق النار، ومعرفتهم بالحادث «الله أكبر ولله الحمد.. حي على الجهاد».. وفي تصرفات حاقدة، دخل الجنود إلى المسجد وحطّموا نوافذه، وهم يرددون الشتائم بحق الذات الإلهية، وبحق الرسول محمـد  صلى الله عليه وسلّم.. وهذا ليس جديداً على يهود، فقد كرهوا رسول الله وحاربوه، فمكّنه الله من رؤوسهم، حتى طهر الجزيرة من رجسهم، وقلع أشواكهم، التي نبتت فيها كنبتة غريبة في ديار العروبة والإسلام.
لقد سقط في هذه المذبحة خمسة شهداء.. سالت الدماء الزكية، واختلطت بسجاد المسجد، واختنقت الأصوات على مآذن القرية، وناحت على شهداء نحالين.. «ناح الأذان على المآذن حسرة.. وتصدّعت من حزنهن قبابُ»..
مشاهد للشهداء

- الشهيد صبحي محمـد عطية شكارنة (21) عاماً، ودع إخوانه بكلمات كان آخرها: «أريد أن ألقى الله صائماً».. وقبل المجزرة بأيام، قال له أحد أصدقائه: «أراك تتزين كأنك تستعد للزواج» فقال: «بل أريد الشهادة برصاصة هنا وهنا، وأشار إلى جبينه وصدره، ومن حكمة الله وكرامات الشهداء، أن جاءت إصابته برصاصتين تماماً كما أشار.. وقبل استشهاده أصيب بشظية رصاصة، فطلب منه الأهالي أن يدخل لأحد البيوت، فرد عليهم: «إنما جئنا هنا لنستشهد، لا لنختبىء».
- الشهيد رياض محمـد علي غياضة (28) عاماً، إنها رصاصة في الكتف وأخرى في الذراع، بعد مواجهة عنيفة ومقاومة مستمرة، بعد صلاة الفجر، لتسجل رياض في قوائم الشهداء، وتسجل أطفاله الأربعة، في قوائم أبناء الشهداء وهم في عمر الزهور..  كان الشهيد رياض ينوي الاعتكاف في المسجد الأقصى المبارك قبل استشهاده بيوم، لكن شرطة الاحتلال منعته من ذلك، فساقه قدره إلى الشهادة.

- الشهيد فؤاد يوسف عوض نجاجرة (15) عاماً، عُرف بمقلاعه الذي يصيب به الهدف، وكان أصدقاؤه يضعون له أهدافاً يُصّوب نحوها، فيصيبها بدقة.. ويوم استشهاده ظل المقلاع في يده، وفي المستشفى حاول الطبيب أن ينزعه إلا أنه لم يستطع، فما كان أمامه غير استخدام «المقص» لقطعه.. لقد كان قابضاً عليه، مصراً على المقاومة، حتى لقي ربه وهو صائم.
- الشهيد محمـد حسن الشيخ شكارنة (23) عاماً، طفلته كان عمرها (50) يوماً، ولا زالت تنتظر أباها الذي خرج لمواجهة قطعان الجيش، ولكنه لم يعد إلا وقد ارتقى شهيداً في سماء نحالين.. إنها الابنة الوحيدة للشهيد الذي قطع سحوره، وأخذ ينبه الجيران لقدوم جيش الاحتلال، ثم يتوضأ ويصلي ركعتين، ويقول: «إنني جاهز للشهادة».

- الشهيد وليد محمـد عبد الله نجاجرة (23) عاماً، استخدم سيارته يوم المجزرة، لنقل الجرحى والمصابين إلى المستشفيات، وبعد الاشتراك في دفن الشهداء الأربعة، في قرية حوسان المجاروة، اشترك في مطاردة الجيش بالحجارة، وكانت دورية «حرس حدود» تجثم على مدخل القرية، فقام أحد الجنود بإطلاق الرصاص عليه، فأصابته رصاصة في رأسه، لينال الشهادة بعد ثمانية أيام.

- الشهداء الأربعة: صبحي شكارنة، رياض غياضة، فؤاد نجاجرة، محمـد شكارنة، دفنوا في قرية حوسان المجاورة، لاستحالة دفنهم في نحالين، نظراً لكثافة الرصاص المنهمر على رؤوس الأهالي، والمواجهات حامية الوطيس الدائرة في القرية، أما الشهيد وليد نجاجرة، فدفن في قريته نحالين، كونه استشهد متأثراً بجراحه عقب المجزرة.

مجزرة الحرم الإبراهيمي 1994
في يوم الجمعة، يوم انتصاف شهر رمضان المبارك، ومع لحظات الفجر الأولى كان المجرم «باروخ غولدشتاين» يضغط على زناد رشاشه ليحصد أرواح الأبرياء من الركع السجود، الذين كانوا آمنين مطمئنين في صلاتهم، ليترك حقد رصاصه (29) شهيداً.. في ساحات الحرم الإبراهيمي الشريف بمدينة الخليل، بينهم أطفال وشباب ومسنّون، سقطوا بنيران المستوطن الحاقد، الذي تربى على الإرهاب وسفك الدماء، هذا فضلا عن جرح مئات الأبرياء، الذين لا زالت إعاقات بعضهم ماثلة للعيان، حتى بعد مرور (22) عاماً على المجرزة الرهيبة.

اختار السفاح «غولدشتاين» يوماً ذا مغزى في تاريخ اليهود لارتكاب جريمته البشعة.. إنه عيد «المساخر» (البوريم)، ولهذا اليوم قصة في حياة اليهود، فهو يرمز إلى قوتهم، أراد غولدشتاين أن يؤكد في ذلك اليوم مقولته: «إذا كان عدوك يريد قتلك فابدأ أنت بذبحه» .. «محار أني أريخيم ما هإسلام شيليخم».. عبارة بالعبرية قالها الكابتن «دوف سوليمون» قائد حرس الحرم الإبراهيمي للمصلين من أبناء المدينة، يوم الخميس، عشية ارتكاب الجريمة.

ففي مساء ذلك اليوم وأثناء صلاة العشاء دخل المستوطنون إلى الحرم وقاموا باستفزاز المصلين المسلمين، ووقع شجار بين الطرفين على باب الحرم وبالقرب من تكية سيدنا إبراهيم عليه السلام، وكان الكابتن دوف يقف وبجانبه عدد من المصلين، فقال عبارته تلك، وتعني بالعربية: «غداً سوف أريكم ما هو إسلامكم».

توجه المئات من أبناء مدينة الخليل لأداء صلاة الفجر في الحرم الإبراهيمي صبيحة يوم الجمعة الحزينة، ذلك العام، وأثناء سجود المصلين انطلقت رصاصات الغدر من رشاش المستوطن «غولدشتاين» تجاه المصلين من زاوية الإسحاقية، بجانب مقام إبراهيم الخليل عليه السلام، واستمر إطلاق الرصاص وسط سقوط الشهداء وأنين الجرحى وصراخ المذعورين، حتى تمكن المصلون من السيطرة على المجرم وقتله، بعد أن أفرغ حقده وصبّ جام غضبه على الأبرياء، وكانت النتيجة، استشهاد (29) مصلياً داخل أروقة الحرم، إضافة إلى استشهاد (10) آخرين متأثرين بجروحهم بعد أسبوعين على المجزرة.

لم يكن المتطرف «غولدشتاين» وحيداً، بل كان هناك من يمده بمخازن الذخيرة من أفراد جيش الاحتلال وقطعان  المستوطنين، ممن تخفوا بالزي العسكري الاسرائلي، لكي يقوم بقتل أكبر عدد ممكن من المصلين، وتركت المجزرة، العديد من الإعاقات الجسدية للعديد من المواطنين.

مجازر غزة 2014
في رمضان قبل عامين، كان جيش الاحتلال يمارس هواية القتل بكل سادية ووحشية، خلال ما عُرف إسرائيلياً بعمليات «الجرف الصامد».. والتي أكملت مشاهد العنف التي سادت في الأيام الأولى من الشهر الفضيل، وبدأت بحصار محكم لمدينة الخليل، بعد الإدعاء بخطف جنديين في المنطقة، ومن ثم جريمة خطف وحرق الطفل المقدسي محمـد ابو خضير، على أيدي مليشيات المستوطنين., لتبدأ سلطات الاحتلال حرباً ضارية على قطاع غزة.

تخلل تلك الحرب، قصف مدفعي ومروحي، على مدار شهر رمضان، فحلت أصوات المدافع وقاذفات الطائرات المقاتلة، مكان صوت «مدفع رمضان» وارتكبت قوات الاحتلال مجازر وحشية ضد حيي الشجاعية والشيخ رضوان، ومدن غزة وخانيونس ورفح، وابيدت خلال تلك الحرب عائلات بأكملها، إذ كانت طائرات الاحتلال تتعمد قصف المنازل والمنشآت السكنية وقتي الإفطار والسحور، لضمان تجمع العائلات والأسر الفلسطينية، وبالتالي قتل أكبر عدد ممكن، ومع مرور الأيام، أصبح استهداف المنازل والمباني والمدارس التي لجأ إليها الأهالي، نهج وسياسة لجيش الاحتلال بتلك المجازر التي استمرت خلال أيام العيد.

وأسفرت مجازر رمضان الرهيبة في قطاع غزة، عن استشهاد (2174) فلسطينياً، وجرح ما يزيد عن (10870) آخرين، وفقدان (145) عائلة فلسطينية كامل أو غالبية أفرادها، فضلاً عن هدم وتدمير (17132) منزلاً و(62) مسجداً، و(11) مقبرة، جراء القصف المتواصل، وسقط على قطاع غزة بتلك المجازر (8210) صواريخ جوية، و(15736) قذيفة بحرية، و(36718) قذيفة برية.

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن