بعد أكثر من خمس سنوات من الفوضى في سوريا، وقبل أربعة أشهر من انتهاء ولاية باراك أوباما، يلهث وزير خارجيته جون كيري وراء نظيره الروسي سيرغي لافروف لانتزاع اتفاق بأي ثمن للخروج من هذه الأزمة.
ولم يعد بالإمكان إحصاء عدد الاجتماعات في زوايا العالم الأربعة بين كيري ولافروف، اللذين يحتفظان بقناة اتصال مميزة بين القوتين اللتين تشهد علاقاتهما فتوراً منذ العام 2012.
لكن لافروف وكيري سيلتقيان مجدداً في جنيف غداً الخميس والجمعة، بعد اجتماعات عقدت في جنيف في 26 آب/أغسطس ونهاية الأسبوع الماضي خلال قمة العشرين في الصين.
وهذه المفاوضات الماراثونية، التي تأتي بمبادرة من الأميركيين على ما يبدو، لم تحقق شيئاً حتى الآن.
وتدعم موسكو وواشنطن طرفين يخوضان الحرب السورية، ولا يتوافقان على شروط وقف إطلاق النار أو التفريق بين الفصائل المعتدلة والجهاديين، ولا على التعاون العسكري، ناهيك عن الخطوط العريضة لتسوية سياسية بين النظام والمعارضة.
وبات هذا النزاع أكثر تعقيداً منذ آذار/مارس 2011، مع مقتل أكثر من 290 ألف شخص ونزوح وتهجير ملايين آخرين.
ومنذ توليه منصبه في شباط/فبراير 2013، يلقي كيري بكل ثقله لإيجاد وسيلة دبلوماسية لإنهاء الأزمة السورية. وعلى المنوال ذاته، انهمك في إحياء عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، قبل أن تفشل في ربيع 2014، ولكي يتوصل في تموز/يوليو 2015 إلى اتفاق تاريخي حول النووي الإيراني.
نشاط كيري المفرط يزعج البعض
لكن في المأساة السورية، فإن نشاط كيري المفرط يسبب إزعاجاً.
وقال جوزيف باحوط، الباحث الفرنسي في مؤسسة كارنيغي، إن “كيري يعطي الانطباع بأن الولايات المتحدة تلهث وراء اتفاق مع الروس″.
وأضاف لـ “وكالة فرانس برس″ أنه يفترض أن “وزير الخارجية الأميركي لديه أشياء أخرى للقيام بها غير لقاء وزير الخارجية الروسي كل أسبوعين”.
كما قال دبلوماسي أجنبي “عندما ترى نتائج ساعات وساعات من النقاش بين كيري ولافروف، تقول ثمة خلل ما”.
وأضاف “لا يمكن الوصول إلى مفاوضات بترديد “أريد التوصل إلى اتفاق بأي ثمن، حتى لو كنا نفكر بذلك” منتقداً كيري الذي يشتبه بأنه يسعى قبل كل شيء إلى فرض تسوية، حتى لو كانت غير ملائمة في كل أزمة دولية.
حتى داخل وزارة الخارجية، ينتقد دبلوماسيون بصوت منخفض جداً السفر المستمر للوزير، الذي يغادر واشنطن ثلاثة أسابيع في الشهر.
وأضاف باحوط في هذا السياق أنه أمر “مثير للشفقة والسخرية، لو لم يكن مأسوياً بالنسبة لسوريا”.
لقاء “مثمر” بين بوتين وأوباما
خلال قمة مجموعة العشرين الاثنين الماضي، أجرى فلاديمير بوتين وأوباما محادثات غير رسمية حول سوريا، لكن من دون نتيجة.
وأشاد الرئيس الأميركي بحذر بمحادثات “مثمرة”، في حين أشاد الرئيس الروسي بـ “تقارب في المواقف”.
وترأس واشنطن وموسكو المجموعة الدولية لدعم سوريا التي تجمع نحو عشرين من القوى العالمية والإقليمية التي أقرت في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 في فيينا، خارطة طريق للسلام تبناها مجلس الأمن الدولي في كانون الأول/ديسمبر.
إضافة إلى ذلك، فإن القوتين توجهان ضربات بشكل منفصل في سوريا، وتناقشان منذ تموز/يوليو تعاوناً عسكرياً لفرض وقف لإطلاق النار ومكافحة المجموعات الجهادية.
لكن رغم الانخراط العسكري للولايات المتحدة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا والعراق، لا يزال أوباما من المشكّكين في التدخل العسكري. ويرفض نشر قوات برية على نطاق واسع، باستثناء القوات الخاصة.
وكان كيري، الذي لا يبدي تذمراً حيال عدم الاستماع إليه بما فيه الكفاية في البيت الأبيض، أشار بشكل غامض إلى خطة بديلة في سوريا.
وقال جيمس جيفري، المستشار السابق للرئيس جورج دبليو بوش والخبير في معهد سياسات الشرق الأدنى في واشنطن، إن “الوضع بسيط جداً: لطالما قال كيري في كثير من الأحيان إنه في حاجة إلى خطة بديلة، كما أنه لوّح بتهديدات أحياناً، لكن الرئيس لم يقدم له أي خطة بديلة”.