في معظم دول العالم، تتزايد حالات الإصابة بفيروس كوفيد-19 مجددا، وتتزايد معها أعداد الوفيات.
ومع ذلك، ستجد نفسك أحيانا أمام أشخاص يستغربون قرارات الحكومات بالعودة لبعض إجراءات الإغلاق. بالنسبة لهم، الفتح النسبي كان يعني أن الأزمة انتهت وأن الحياة ستعود طبيعية كما كانت.
وستجد نفسك أمام أشخاص يحضرون الأعراس والاحتفالات في قاعات وأماكن مكتظة، دون أي من وسائل الوقاية.
وستجد نفسك أمام أشخاص يستغربون كونك تفضل السلام بمرفقك لتفادي اللمس وتقبيل الوجنتين.. بل أنك قد تصبح كائنا غريبا بسلوكك ذاك!
وستجد نفسك في أماكن مكتظة.. بينما عدد قليل من الأشخاص يضعون فيها الكمامة، والبعض الآخر يضعها على عنقه، رغم أن العلم أثبت أن الفيروس لا ينتقل عبر العنق!!
وستجد أشخاصا يشككون في ضرورة الوقاية المستمرة ومازالوا منخرطين في حملات التشكيك ونظريات المؤامرة.. وآخرين ينسون (أو يتناسون) أن الفيروس سيعيش بيننا للأسف، على الأقل، لشهور طويلة مقبلة.. إن لم نقل لبعض سنوات.
وستجد أيضا من مازالوا مصرين أن اللقاح مؤامرة، ومن يزودونك بالوصفات السحرية للعلاج إذا ما أصبت بفيروس كوفيد-19.
تخيل أن يصاب شخص بمرض التهاب الكبد الفيروسي، فتنصحه، بدل الدواء، بالاكتفاء بالقرنفل والثوم. أو أن يصاب شخص آخر بسرطان المعدة، فتنصحه بعصير ليمون مع كأس ماء دافئ يوميا قبل تناول وجبة الفطور.. أو أن تنصح والدي طفل حديث الولادة بتفادي تطعيمه والاكتفاء بتغذية سليمة غير معالجة بالمواد الكيميائية (Bio)؟
سنتفق جميعنا أن هذه عادات صحية في المطلق. لكننا سنتفق أيضا أنها لا تعالج الأمراض والفيروسات وأنها تحقق وقاية نسبية منها، حين ينهجها الشخص مدى الحياة، وليس بضع أيام قبل انتشار فيروس شديد.
تاريخ الأمراض أثبت لنا أن التغذية السليمة والرياضة تشكل أساليب وقاية ممتازة... لكن، في حالات الأوبئة والفيروسات الفتاكة، فالتطعيم يظل هو الحل الأنسب لكي نوفر لأنفسنا أكبر قدر من الوقاية، ولكي نحمي من حولنا أيضا.
لقد انخفضت نسبة وفيات الأطفال وإعاقاتهم بفضل انتشار (وإجبارية) تطعيم الأطفال ضد عدد من الأمراض التي كانت تصيبهم في الأجيال السابقة!
كما أن إجبارية التلقيح ليست أمرا مستجدا مع كوفيد19. حتى قبل زمن كورونا، ولكي يتمكن الناس من السفر لعدد من البلدان، فقد كانوا مجبرين على تلقي بعض أنواع اللقاح ضد أمراض معينة. حتى إذا قرروا السفر لأداء الحج والعمرة، فقد كانوا مجبرين على تلقيح خاص! فلماذا، أمام فيروس انتشر في العالم بأسره، قرر الكثيرون بيننا أن يصبحوا متخصصين في الأوبئة واللقاحات؟ أم لعله مرض جديد أصابنا منذ دمقرطة الإنترنت وانتشار كم هائل من المعلومات المغلوطة التي تعطي الانطباع بمعرفة زائفة وبالحق في التحدث بيقينية عن مواضيع تحتاج لمتخصصين للخوض فيها؟
ثم، هناك أيضا مغالطة تربط بين التطعيم والحرية الفردية. الحرية الفردية تتعلق بسلوك يخصك كفرد ولا يمس الآخرين: إذا أصيب شخص بمرض السرطان، فمن حقه أن يختار عدم اللجوء للعلاج الكيماوي. إذا أصيب شخص آخر بمرض فتاك، فمن حقه أن يختار "الأوتانازيا/الموت الرحيم" في البلدان التي تسمح به.
لكن، حين يتعلق الأمر بفيروسات وأمراض معدية، فالأمر لا يتعلق باختيارك وحدك، بل بالصحة العامة. من حقك أن لا تقي نفسك ولا تعالجها.. لكن، ليس من حقك أن تسبب، عن سبق إصرار، إصابة الآخرين. إلا إذا اخترت أن تقفل باب بيتك وتظل بداخله.. لكن المشكل أن معظم الرافضين للوقاية والتطعيم، يريدون أن يمارسوا حياتهم بحرية... دون كمامة ودون وقاية ودون تطعيم!
سناء العاجي - الحره