فرنسا تحاصر الجزائر بالإسلاميين‮ والإرهابيين

تاريخ النشر: 28 نوفمبر 2011 - 08:27 GMT
البوابة
البوابة

أصبحت دول منطقة المغرب العربي والساحل بمثابة مناطق نفوذ لفرنسا، بعد تتالي سقوط الأنظمة العربية بشمال إفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى بيد باريس، سواء عسكريا، مثلما حدث في ليبيا، أو سياسيا مثلما جرى في المغرب وتونس، وحتى أمنيا مثلما هو الأمر بالنسبة لموريتانيا والتشاد ومالي والنيجر، التي تحولت من دول إلى ''محافظات'' فرنسية، تأتمر بأوامر باريس، ولا تعارض تدخّلها العسكري المباشر تحت ذريعة محاربة الإرهاب في المنطقة.

وتكشف الأحداث التي شهدتها منطقة المغرب العربي ودول الساحل على مدار ما يقارب السنة، كيف نجحت فرنسا في استعادة سيطرتها على عدد من الدول المحسوبة تقليديا ''كمستعمرات قديمة''، مثل التشاد ومالي والنيجر على حساب تراجع الدور الأمريكي، إلى جانب استغلال باريس ما يسمى بالربيع العربي، لتنصيب أنظمة سياسية موالية لها في كل من ليبيا وتونس، ثم المغرب رغم أن هذا الأخير كان منذ الستينيات مجرد ''بلد تحت الحماية والانتداب''، عندما جعل الملك الحسن الثاني من نفسه حاكما عاما لتجسيد سياسات فرنسا في مملكته.

وبقراءة بسيطة في الخريطة الجيوسياسية الجديدة التي أفرزتها التحولات الجارية في دول المغرب العربي والساحل، فإن الخلاصة لن تخرج في مطلق الأحوال عن التسليم بعودة الدور الفرنسي بالمنطقة وبقوة. ومقابل ذلك، صارت الجزائر بمثابة البلد الوحيد الذي ''يغرد خارج السرب''، حيث أضحت مطوقة شرقا وغربا بحكومات ''إخوانية'' موالية لفرنسا، ومن جهة الجنوب الشرقي بدولة تحولت إلى رقعة جغرافية تحكمها عصابات السلاح ومنطق القوة بعد سقوط نظام القذافي، وفي أقصى الجنوب بأنظمة ضعيفة لا تقدر على عصيان أوامر الإيليزي أو رفض تدخلاته، لدرجة أن وصل الأمر حد قيام باريس بعملية عسكرية على أراضي تلك الدول بذريعة مكافحة الإرهاب.

وإن كان مراقبون يرون في التحولات الجارية بمنطقة شمال إفريقيا بمثابة عودة للصراع التقليدي بين فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية حول مناطق النفوذ والمصالح، خصوصا بالدول النفطية، فإن الجزائر، بحكم موقعها الجغرافي وثرواتها النفطية، لن تكون بمعزل عن أي محاولة فرنسية لمد حدود ''مزرعتها'' الجديدة في عمق منطقة المغرب العربي ووسطه، بل إن تنامي وتعاظم النفوذ الفرنسي حول الجزائر، بشكل غير مسبوق، يثير الكثير من الشكوك حول الأهداف الحقيقية لفرنسا من وراء فرض طوق على الجزائر، على طريقة ''فرنسا من أمامكم، والإرهاب والإسلاميون من حولكم.. فأين المفر؟''.

ففي المغرب كان فوز حزب العدالة والتنمية المحسوب على تيار الإخوانيين بالانتخابات التشريعية، بمثابة نجاح للقصر الملكي وحليفه التقليدي فرنسا، في تجسيد ديمقراطية صورية وشكلية، يبدو من خلالها الإسلاميون أنهم يمارسون الحكم، فيما يحتفظ الملك بزمام الأمور من خلف ستار، وهو ما كان بمثابة مخرج لنظام المخزن من مأزق طالما ضايقه على مدار سنة كاملة، عندما كانت هواجس الثورات العربية تلاحقه، وتهدد بزوال الملكية وتأسيس جمهورية على أنقاضها.

وفي ليبيا، كان استئثار ''ثوار'' قبيلتي مصراتة والزنتان بالحقائب الوزارية الثقيلة في الحكومة الليبية الجديدة، على حساب المجلس العسكري لطرابلس المدعوم من طرف قطر، ومجلس سرايا الثوار بزعامة العقيدين حفتر وأبو كتف المدعومين أمريكيا، بمثابة مؤشر واضح وكاف على أن فرنسا تمكنت من تنصيب حلفائها وأذنابها حكاما جددا على ليبيا مقابل خدمات منتظَرة ستكشف عنها الأسابيع المقبلة.

أما في تونس ورغم ما بدا في الأيام الأولى التي أعقبت سقوط نظام زين العابدين بن علي المدعوم بقوة من طرف باريس، على أن الثورة التونسية كانت بمثابة ضربة قاصمة للنفوذ الفرنسي بالمنطقة، إلا أن قصر الإيليزي تمكن من استدراك ما فاته من تحولات، وفرض، بشكل غير مباشر، وصايته على أجزاء من تركيبة النظام التونسي الجديد عبر دولة قطر، التي تحتفظ بعلاقات مميزة مع قادة حركة النهضة التونسية. ولكن رغم ذلك فإن الولاء التونسي لفرنسا مايزال منقوصا وغير مكتمل، بسبب وعي وطني داخل تونس، ساهم فيه دور الجزائر في الثمانينيات والتسعينيات في دعم زعماء حركة النهضة وحمايتهم من بطش النظام، حتى أن زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي لجأ في البداية إلى الجزائر بعد فراره من تونس من حكم إعدام نُفذ في حق الكثير من رفاق دربه.

وبذلك فإن تونس تكاد تكون بمثابة الحلقة الأضعف في الطوق الفرنسي المفروض على الجزائر، ما يسهّل على هذه الأخيرة إمكانية اختراقه وإفشاله، وهو ما قد يكون وراء الزيارة الأخيرة لزعيم حركة النهضة التونسية للجزائر، وسر الاستقبال ''الرئاسي'' له من طرف الرئيس بوتفليقة شخصيا.