عمان - البوابة - وسام نصرالله
استبعد المفكر السياسي الأردني الدكتور وليد عبد الحي قدرة الأكراد على دولة مستقلة لهم في المنطقة.
ويؤكد استاذ العلوم السياسية في تصريحات خاصة ل"البوابة" على هامش ندوته "النزعات الانفصالية للاقليات- نموذج الاقليات العربية" والتي أقيمت مساء الثلاثاء في "المنتدى العربي" بالعاصمة عمان، أن كل من تركيا وايران والعراق وسوريا، لن يسمحوا بقيام كيان كردي مستقل في أي منها.
ويقول الدكتور عبد الحي: "إن الأكراد بأحسن أحوالهم في سوريا، لن يحصلوا على أكثر من حكم "فدرالي" يستند على لا مركزية الدولة".
ويعتبر الدكتور عبد الحي أن التدخل التركي العسكري في شمال سوريا مؤقت ولن يستمر، وأن هدفه بالدرجة الأولى منع قيام كيان كردي مستقل على الحدود التركية، وأن القوات التركية التي دخلت الاراضي السورية في عملياتها الأخيرة، ستنسحب فور انجازها لمخططاتها.
ويرى الباحث في دراسات المستقبل إلى أن احتمالات انفصال الاقليات في العالم العربي لا تزال ضعيفة، مشددا على أن الاقليات الدينية على مستوى العالم هي الأكثر ميلا للعنف بسبب معتقد "المطلق" في تفكيرها.
ويقول الدكتور عبدالحي في الندوة التي قدمها المؤرخ الدكتور علي محافظة: "إن تطور ظاهرة العولمة دفع الى تنامي لتنازع بين الثقافات الفرعية "الجماعات الإثنية" والحكومات المركزية، وهو ما أفرز ظاهرتبن هامتين وهما: تزايد وتيرة النزاعات الداخلية (الحروب الأهلية والانفصالية) من ناحية، وتزايد عدد الدول الجديدة بوتيرة فاقت الفترات السابقة من ناحية أخرى".
يذكر أن الدراسة التي ارتكز عليها الدكتور عبد الحي اعتمدت على 27 مؤشرا وكذلك الأوزان لكل منها، كما أنه تم الحساب الرياضي للنزعة الانفصالية.
ويضيف الدكتور عبد الحي: "إن المجتمع الدولي يتكامل ويترابط اقتصاديا من ناحية، ولكنه يتفتت اجتماعيا وسياسيا من خلال تنامي النزاعات الداخلية .. ويشير قياس النزعة الانفصالية خلال الفترة من 1960-2001 على المستوى العالمي، الى اتجاه خطي ومتزايد بشكل واضح وشديد بخصوص عدد الدول الجديدة التي تخرج من رحم دول قائمة، وتنامي الهويات الفرعية".
ويبين استاذ العلوم السياسية إلى أن التفتت الاجتماعي والسياسي يجعل من دعوة روبرتسون إلى ضرورة نشوء "علم اجتماع سياسي عولمي" مبررة، وذلك لعجز المنظور التجزيئي (reductionism) عن الإحاطة بملابسات الترابط بين مكونات المجتمع الدولي المعاصر وحاجته الماسة لمنظور كلاني (holistic).
ويرى الدكتور عبد الحي أنه عند مقارنة المنطقة العربية ببقية أقاليم العالم، يتبين أنها تحتل مكانة متوسطة تقريبا من حيث التنوع الإثني، وأنه عند قياس عدد الحروب الأهلية ذات الطابع الإثني في اقاليم العالم يتبين أن الفترة من 1946-2011 عرفت 57 حربا "أهلية إثنية" موزعة بشكل لا يدل على ترابط بين عدد الحروب ودرجة التنوع الإثني.
ويشير استاذ العلوم السياسية إلى ان الاتجاه العام لتصاعد الحروب الداخلية في المنطقة العربية تزايد بشكل واضح خلال الفترة من 1960-1990 وهي فترة التنافس الدولي في منطقة الشرق الاوسط، مبينا أن تلك الحروب تراجعت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتحول النظام الدولي الى نظام أقرب ما يكون إلى النظام أحادي القطبية.
ويؤكد الباحث في الدراسات المستقبلية مدى تأثير الصراع العربي الصهيوني على الأوضاع الداخلية للدول العربية من خلال الدعم لبعض الاقليات أو التأليب الدعائي، وكذلك الدور الاميركي في الاضراب الطائفي بعد احتلال العراق أو بعد الثورة الايرانية، ودور الدول الاوروبية وحلف الناتو في تداعيات الصراع الداخلية في ليبيا أو سوريا.
ويفسر الدكتور عبد الحي سبب تنامي النزاعات الداخلية ومنها "الإثنية" في الوقت الذي تتراجع فيه النزاعات الدولية منذ ثلاثة عقود تقريبا إلى عدة عوامل ومنها: أولا، تراجع مكانة الدولة بشكل عام وتخليها عن أغلب وظائفها باستثناء الوظيفة القهرية، بحيث أدى الفراغ الذي تركته الدولة إلى نكوص الجماعات باتجاه الأنساق الاجتماعية السابقة على الدولة واحتدام التنافس بينها، وثانيا "العولمة" التي أدت لتماهي الحدود ليصبح الجميع يفكر من نفس قاعدة البيانات خلافا للماضي.
ويبين المفكر السياسي إلى أنه مع تنامي التشابه بين المجتمعات في كثير من المجالات والانماط، بدأ الافراد والجماعات يتحسسون ما تبقى من ملامح تميزهم عن غيرهم، فارتدوا للثقافات التقليدية والفرعية كالدين والعرق واللغة ...الخ.
وفي حديثه عن ظاهرة "الشاي خانة" في الجمهوريات الاسلامية السوفيتية قبل الانهيار والتي كشفت تفسيرها التقارير السوفيتية يقول: "لقد دلت الدراسات أن العديد من قيادات الشيوعيين في الجمهوريات الاسلامية بخاصة كانوا يقودون تنظيمات دينية تستهدف الانفصال، وتشير هذه الدراسة المستندة لتقارير المخابرات السوفيتية (كي.جي.بي) إلى أن دوافع هذه القيادات ليس دافعا دينيا بمقدار الرغبة في احياء التراث الثقافي للجماعة الاثنية التي تنتمي لها القيادات، وهي الثقافة التي تعرضت للتهميش في أغلب الفترات".
ويعتبر الدكتور عبد الحي أن من أكثر المشكلات التي يواجهها الباحث في دراسة الاقليات العربية هي البيانات الخاصة بهذه الاقليات من حيث العدد الكلي أو من حيث نسبها في المناطق التي تتنوع فيها او نسبة مشاركتها في المناصب او مستويات الدخل أو عدد المعتقلين منها في السجون، مشيرا إلى أن تلك المشكلات تدفع الباحثين العرب لتجنب مثل هذا النمط من الدراسات، وتفضيلهم البقاء في إطار عرض نظريات الاجتماع السياسي الخاصة بهذه الظاهرة.
ويوضح الدكتور عبد الحي أن تقاليد العمل الميداني ما تزال ضعيفة في الدراسات العربية لا سيما في دراسة ظاهرة الاقليات، مما يجعل عملية القياس أمرا في غاية الصعوبة.