شكلت قمة منظمة التعاون الإسلامي، والتي عُقدت في القاهرة 6-7 من الشهر الجاري، نقطة تحول في رؤية العالم الإسلامي إزاء الدور المنوط بالمنظمة، ومسؤولياتها التي تعاظمت في غضون سنوات قليلة.ولم تكن النظرة إلى المنظمة، قبل ما يقارب العقد، تحمل الجدية، والتعويل، بسبب انكفائها وتواريها عن المسرح السياسي، فضلا عن تراكمات النظرة السلبية طوال عقود خلت تجاه الدور الذي من الممكن أن تلعبه، وهي تحصر نفسها في أطر إجرائية رتيبة تنعقد بشكل دوري على المستوى الوزاري.
لكن قمة القاهرة، وإن توجت ثماني سنوات من العمل الدؤوب والجماعي، إلا أنها عززت الفهم الصحيح عن المنظمة، وأبانت الطاقة الهائلة لـ (التعاون الإسلامي)، في ظل الحاجة التي باتت ماسة خاصة في منطقة الشرق الأوسط إلى جهاز فعّال وقادر على مواكبة التحديات التي تواجه العالم الإسلامي. وبرزت الإشارة الأكثر وضوحا فيما قاله الرئيس المصري، محمد مرسي، عندما أكد في كلمته في القمة: "بأن المنظمة بذلت وتبذل الكثير من الجهد في مختلف المجالات للتغلب على المصاعب وصولا إلى التقدم والرخاء للشعوب الإسلامية.." موجها شكره لأمينها العام، أكمل الدين إحسان أوغلى، والذي "قاد خلال فترة توليه المنصب الكثير من الجهد والعمل الدؤوب من أجل تحقيق أهداف المنظمة وتعزيز العمل الإٍسلامي المشترك، حرصا منه على قيام المنظمة بدور فاعل على المستوى الدولي".
والإنجازات الأخيرة التي شهدتها (التعاون الإسلامي)، تجلت في استشراف آفاق تستطيع من خلاها أن تحدث التغيير المنشود، بدء بتوحيد لغة تعبّر عن وسطية الإسلام، واعتداله، وتقدم نموذجا مشرّفا للعالم الإسلامي في المنابر الدولية، بعيدا عن النظرة النمطية والسلبية.. واستطاعت أن تقنع نظيرها الغربي بقدرتها على الإتيان بالحجة، والتحدث بلغة قانونية نافست ذرائع عديدة كانت تستغل من أجل الإساءة لصورة الدين الإسلامي الحنيف.
وانطلقت في أسلوبها الجديد، لتخط سير عمل منهجي عبر برنامج العمل العشري الذي تبنته قمة مكة الاستثنائية الثالثة، والذي وضع المنظمة على الخارطة الدولية، وأضفى عليها الثقل المستحق لتكتلها الذي يضم 57 دولة من أربع قارات على اتساع جغرافيا العالم الإسلامي.
وفي اتصال اعتدالي للخطاب الجديد، تمكنت المنظمة من إثبات مبادئها المعاصرة، وترجمتها عبر إنشاء أول هيئة مستقلة لحقوق الإنسان، فجعلت من واقع حقوق الإنسان، ضرورة ماسة، سوف تعمل على الدفع باتجاه احترام هذه الحقوق، والحرص على تطبيقها من خلال رقابة ذاتية دائمة.
وتوجهت (التعاون الإسلامي) إلى المرأة فأعطتها حصة كبيرة من جهدها، وصارت ملفا أساسيا في خططها المستدامة، من خلال مؤتمر دوري، ومنظمة تخطو خطواتها الثابتة نحو النور، لتؤكد أهمية دور المرأة في إطار وعي بمكانتها وقدراتها.
وعلى الصعيد الإنساني، تمكنت المنظمة من استحداث ذراع جديدة، وخلق وعي مستحدث حول أهمية الإغاثة، والمساعدات الطارئة، يتجاوز المفاهيم التقليدية للعمل الخيري، ويرتقي به إلى مستوى الحرفية الدولية..
ويرى مراقبون بأن تلاقي ثلاث قوى إسلامية أساسية في العالم الإسلامي، تركيا عبر أمينها العام الحالي، أكمل الدين إحسان أوغلى، ومصر بترؤسها الدورة الثانية عشرة للقمة الإسلامية، والمملكة العربية السعودية، من خلال استضافتها لمقر الأمانة العامة للمنظمة، وأمينها العام المنتظر، إياد مدني، قد أضفت على (التعاون الإسلامي) زخما، تمكن إحسان أوغلى بالفعل من الاستفادة من قوى الجذب التي تحققها بغية استنهاض العمل الإسلامي المشترك، والدفع به إلى الأمام عبر مجالات عديدة.
وتكتمل حلقات المنظمة بمتانة، نلحظها في عبارتين تبادلهما الأمين العام الحالي، إحسان أوغلى مع الأمين العام القادم، مدني، عندما قال الأخير إن (إحسان أوغلى هو الرجل الذي يستحق منا جميعا التقدير والثناء على جلده وعزيمته وحنكته ونجاحاته وإنجازاته) فكان أن بادله الأمين العام الحالي بأن أعرب عن ثقته بأنه سيحمل الأمانة كما فعل هو وأكثر.