قدم سجناء عراقيون سابقون شهادات جديدة على عمليات التعذيب التي كان يقوم بها الجنود الاميركيون في سجن ابو غريب التي دانها الاتحاد الاوروبي، ونفت وكالة الاستخبارات الاميركية صحة تقارير مجلة نيويوركر. في المقابل قال اكراد انهم سيشهدون على جرائم صدام.
شهادة: اغتصاب فتاة امام والدها
نقلت وكالة "رويترز" في التقرير التالي شهادة سجين عراقي سابق حول عمليات التعذيب والاهانة في سجن ابو غريب، وجاء في التقرير:
يضرب سائق الشاحنة العراقي رأسه بيده غير مصدق ما حدث وهو يستعيد صرخات فتاة يقول ان الجنود الاميركيين اغتصبوها امام والدها وعندما يتذكر ان جنديا اميركيا تبول عليه خلال فترة اعتقاله في سجن ابو غريب.
احتجز صدام صالح لاربعة اشهر في المعتقل الواقع خارج بغداد. وكان الحراس الاميركيون يجبرونه على البقاء عاريا لمدة 23 ساعة يوميا طوال 18 يوما كانوا يقيدون خلالها يديه وساقيه الى قضبان زنزانته فيما كانوا يديرون موسيقى صاخبة في اذنيه على الدوام.
وظهر صالح البالغ من العمر 29 عاما مرة واحدة على الاقل في صور التعذيب والامتهان التي سجلت جانبا مما كان يجري في ابوغريب. وبدا صالح في احدى هذه الصور واقفا في صف من سجناء عراة وضعت اكياس داكنة على رؤوسهم فيما كانت المجندة ليندي انغلاند تشير بيديها الى اعضائهم التناسلية والسيجارة في فمها.
وامضى صالح معظم الوقت في وحدة اعتقال بساحة السجن مسيجة بالاسلاك الشائكة الا انه طوال شهر تقريبا احتجزه الاميركيون في زنزانة رقم 42 بالقطاع 1 ايه وهو الجناح الاسوأ سمعة حيث جرت معظم الانتهاكات.
ان أبشع ما يتذكره صالح هو اغتصاب فتاة يبدو أن عمرها لم يكن يزيد عن 16 عاما. ووفقا لصالح قام جندي اميركي بنزع ملابسها واغتصابها امام والدها الذي كان مقيدا الى القضبان في ردهة خارج القطاع 1 ايه.
وقال "عندما بدأت تصرخ لا يمكن ان تتخيل كيف كان وقع صوتها. مازال صدى صرخاتها يدوي في رأسي. أي حيوان وضيع يمكنه فعل ذلك".
وارسل صالح الى ابو غريب اول كانون الاول / ديسمبر في العام الماضي بعد اسوأ انتهاكات قيل انها ارتكبت هناك واطلق سراحه يوم 28 آذار / مارس حسبما تقول وثائق الافراج عنه التي يتضح منها انه السجين رقم 200144 .
ولا ينسى صالح ابدا كيف "قام جندي اميركي بالتبول علي وضربني بقضيب من الحديد وجرني على الارض وانا مقيد بسلسلة".
وعندما تعصف وقائع ما جرى بدماغه ينقلب لسان صالح فجأة الى انجليزية بدائية جدا مكررا كلمات كان يسمعها غالبا من سجانيه الاميركيين مثل "ابن العاهرة" و "ابن الزانية"
ويقول صالح وهو سائق شاحنة من غرب بغداد انه اعتقل في العاصمة العراقية بعدما توجه الى مركز الشرطة ليلفت نظرهم الى سيارة مريبة.
وبعد العثور على مبلغ كبير من المال معه اشتبه فيه رجال الشرطة وسلموه للقوات الاميركية. ويقول صالح انه كان ينوي شراء اثاث منزل الزوجية بما كان في حوزته من مال.
ويضيف انه لم يعرف اي تهم موجهة اليه الا قبل الافراج عنه بثلاثة ايام. لقد ابلغه الاميركيون بانه اعتقل للاشتباه في انتمائه الى خلية إرهابية.
ويعرف صالح ان الجندي جيريمي سيفيتس الذي التقط كثيرا من الصور التي نشرت ستبدأ محاكمته عسكريا في بغداد يوم الاربعاء وهو يريد حضور المحاكمة. ولو حاولوا منعه فانه سيدخل بالقوة كما يقول.
وتابع "اريد ان اقدم الدليل.اريد ان احكي لهم عما عانيت".
ويعتقد صالح ان جزاء الجناة لابد ان يكون من جنس العمل. وقال "وليكن ذلك لمدة نصف ساعة فقط. سيكون في ذلك ما يكفي".
ويشعر صالح بالضيق لان العراقيين لن يشاركوا في المحاكمة.
وقال "لو ان القوات العراقية غزت اميركا وعاملت الاميركيين بمثل تلك الطريقة التي عاملونا بها هل كانوا سيتركون العراقيين يحاكمون الجناة بانفسهم. انه امر غير معقول بالنسبة لي ان يصبح العدو هو القاضي".
ومع قرب انتهاء المقابلة طلب صالح من المترجم ان يفسر له المكتوب في وثيقة الافراج التي حصل عليها من السجن والتي كان يحتفظ بها في محفظته.
وبعد ان نقل له المترجم ما في الوثيقة سأل صالح " ولكن هل قالوا فيها نحن آسفون".
وبعد ستة اسابيع من اطلاق سراحه يقول صالح انه فقد الرغبة في الحياة. وانه يشعر بخجل شديد يجعله غير قادر على رؤية اصدقائه او اسرته او التحدث الى خطيبته او مقابلتها. لقد الغي الزفاف.
وقال "كنت رجلا من قبل لكن رجولتي نزعت مني. منذ ما جرى لي اعتبر نفسي ميتا. حياتي انتهت".
الـ "سي.أي.اية" تنفي تقارير نيويوركر
في هذا السياق، نفت وكالة المخابرات المركزية الاميركية (سي.أي.ايه) تقريرا نشرته مجلة نيويوركر عن جذور ترجع اليها الانتهاكات التي ارتكبها جنود اميركيون بحق سجناء عراقيين ووصفته بانه "خاطيء تماما" كما نفت وجود برنامح مشترك بينها وبين وزارة الدفاع الاميركية لاذلال السجناء.
وقال بيل هارلو المتحدث باسم الوكالة "القصة المنشورة في مجلة نيويوركر خطأ من الاساس لا يوجد برنامج مشترك لوزارة الدفاع ووكالة المخابرات المركزية لانتهاك حقوق السجناء العراقيين واذلالهم".
ونفت وزارة الدفاع ايضا تقرير المجلة الذي جاء فيه ان انتهاكات حقوق السجناء العراقيين ترجع الى خطة سرية أقرها وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفلد لتشديد اساليب الاستجواب للتصدي للمقاومة العراقية المتصاعدة.
وفجرت صور سجناء عراقيين عرايا تنتهك حقوقهم على ايدي جنود امريكيين فضيحة مدوية وتساءل كثيرون عن مسؤولية القيادات العليا عنها.
ونقلت مجلة نيويوركر عن مسؤولين حاليين وسابقين في المخابرات الاميركية قولهم ان برنامج وزارة الدفاع السري يشجع الايذاء البدني والإذلال الجنسي للسجناء العراقيين للحصول منهم قسرا على معلومات عن المقاومة العراقية المتصاعدة.
وذكرت المجلة ان مسؤولا رفيعا في السي.اي.ايه أكد صحة تفاصيل التقرير وابلغ المجلة ان العملية نبعت اصلا من رغبة رامسفلد في انتزاع السيطرة على العمليات السرية من وكالة المخابرات المركزية.
الاتحاد الاوروبي يدين
واعرب وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي في بيان صدر امس عن شعورهم بـ "الهول" من عمليات تعذيب المعتقلين العراقيين.
وجاء في اعلان تبناه الوزراء الـ 25 في اعقاب اجتماعهم في بروكسل امس ان مثل هذه التجاوزات وعمليات "الاذلال" التي تعرض لها المعتقلون "تتنافى مع قواعد القانون الدولي واتفاقيات جنيف". واشاد الوزراء الاوروبيون بـ "تعهد" الحكومات المعنية احالة المسؤولين عن هذه الممارسات الى القضاء و"تصحيح أي انحراف عن القوانين الانسانية الدولية".
من جهة اخرى، دان الوزراء "عمليات خطف وقتل الرهائن الوحشية"، مشيرين خاصة الى "الاعدام الوحشي» للشاب الاميركي نيكولاس بيرغ الذي قطع خاطفوه رأسه. ودعا الاتحاد الاوروبي مجددا الى نقل السلطة الى حكومة انتقالية عراقية مع "دور حيوي ومتنام" للامم المتحدة. واشاد الوزراء في هذا الصدد بالدور الذي يقوم به المبعوث الخاص للمنظمة الدولية في العراق الاخضر الابراهيمي.
الاكراد يشهدون ضد صدام
في مقابل فضائح تعذيب السجناء العراقيين بايدي القوات الاميركية فقد اثارت وسائل الاعلام كنوع من التوازن النفسي او "الموضوعي" جرائم الرئيس العراقي المخلوع وخاصة حرب الابادة التي شنها على الاكراد فيما عرف بحملة "الانفال". ففي تقرير لوكالة رويترز ايضا جاء التالي:
في ركن مظلم من منزله الريفي المتواضع خلع عزيز محمود نظارته السوداء ليكشف عن احد اثار محاولات صدام حسين السيطرة على المتمردين الاكراد بالاسلحة الكيماوية.
فتجويف عينيه ذابل بعد أن فقد بصره بسبب قنابل غاز سام أسقطتها طائرات عراقية فوق وادي بيلسان في شمال العراق عام 1987 مزقت سكان قريته الجبلية الصغيرة.
ولم يعد محمود يقدر على الخروج في ضوء النهار دون نظارته السوداء ومازال يعاني من مشاكل في التنفس. وقتل أثنان من اشقائه ووالدته وشقيقته في الهجوم.
وقال محمود (51عاما) "المقاتلات جاءت في وقت مبكر من المساء وقصفت قريتنا وحاصرت الجبال. لم يكن بامكان أحد الهرب".
وأضاف "الرائحة كانت مثل التفاح والكبريت لم نعرف ما يحدث - صعدت الى الجبل لاموت".
وعندما قتل أكثر من أربعة الاف كردي عراقي في هجوم مماثل على حلبجة بعد عام رفض صدام اتهامات بالقتل الجماعي قائلا ان القوات الايرانية التي خاض العراق حربا معها بين عامي 1980 و1988 هي التي كانت مستهدفة.
وعلى عكس حلبجة فان وادي بيلسان بعيد عن الحدود الايرانية والقرويون يتذكرون حضور القوات الحكومية في اليوم التالي ومحاولتها اجبار الناس على التصريح أمام كاميرات التلفزيون بأن القنابل ألقيت من طائرات ايرانية.
ونقلت قوات الامن الجرحى الذين كانوا يسعون للعلاج في مستشفيات في أربيل التي تسيطر عليها الحكومة بعيدا ولم يشاهد أغلبهم بعد ذلك.
وقال محمود "لم أذهب والثمن كان فقد عيني." وأضاف أن أكثر من 150 رجلا من قريته اختفوا بالطريقة نفسها اذ سعت الحكومة لاخفاء الادلة.
وتابع "أنا الان أحيا فقط لاشهد اليوم الذي يحاكم فيه من أخذوا نور عيني".
وسمح للاكراد من وادي بيلسان بالادلاء بشهاداتهم أمام المحققين الذين يجمعون الادلة لمحاكمة رموز الحكومة السابقة وهم متحمسون لذلك.
وقالت نجيبة رسول التي تسكن قرية مجاورة والتي فقدت عددا من أفراد أسرتها منهم ابنها عندما قصفت الطائرات العراقية المنطقة "حتى اذا كان ذلك في بغداد نحن مستعدون للذهاب متحملين التكلفة للادلاء بشهادتنا."
وأضافت "صدام يجب أن يدفع ثمن ما فعل".
ويقول مسؤولون حكوميون أكراد ان المحكمة العراقية الخاصة وهي هيئة شكلت لتنظيم إجراءات المحاكمة ستفتح مكتبا قريبا في أربيل يعرض فيه الضحايا قضاياهم.
وقال محمد احسان وزير حقوق الانسان في حكومة كردستان الاقليمية والعضو في لجنة المحكمة ان مكتب أربيل سيخدم المنطقة الشمالية كلها كما ستسافر فرق جمع الادلة الى المنطقة.
وأضاف "المدعون يجب أن يكون لديهم أدلة موثقة تفيد أنهم تضرروا."
وتابع "المشكلة أن أغلب الناس سيكونون مشحونين عاطفيا جدا كما أنهم يتوقعون نوعا من التعويض - وهو ما قد يتسبب في افلاسنا اذا تتبعنا كل مطالبة."
وقال احسان ان المكتب الجديد سيفتتح خلال أقل من شهر وان المحامين وقضاة التحقيقات يجري تدريبهم الان على أساسيات الجرائم ضد الانسانية وأن المحاكمات ستجرى في المحاكم العراقية تحت اشراف دولي.
ومن المحتمل أن تقام المحكمة في حلبجة وأشارت بعض التقارير الصحفية الى أن علي حسن المجيد المعروف باسم "علي الكيماوي" لدوره البارز في الهجمات بأسلحة كيماوية على الاكراد قد يكون من أول من تجرى محاكمتهم بسبب الادلة الدامغة المتاحة على الفور من الاكراد.
ويقول النشطاء الاكراد في مجال حقوق الانسان ان المنطقة الكردية في العراق يحب أن تحظى باهتمام خاص من قبل المحكمة بسبب الاضطهاد الشديد الذي عانت منه في عهد صدام.
وقالت عدالات صالح المسؤولة البارزة في مركز كردستان لضحايا الانفال وهو جمعية خيرية كردية تعمل على جمع المعلومات وشهادات الشهود من ضحايا حملة الانفال التي قام بها صدام لقمع الاقلية الكردية "ان الادلة والوثائق التي لدينا بالفعل ستكون مفيدة في المحاكمات".
وقالت ان سنوات الحكم الذاتي النسبي في المنطقة الكردية مكنت جماعات حقوق الانسان من التحقيق في جرائم ارتكبت في المنطقة. وتابعت ان المركز أمامه بضعة أسابيع فقط لاستكمال عد الشكاوى من ضحايا الانفال من اثنتين من المحافظات الكردية الثلاث.
وأضافت "لدينا ما بين عشرة و15 ألف شكوى حتى الآن بعضها عن فقد أسر بكاملها".
ومضت تقول "نحن نتوقع أن يواجه مكتب المحكمة العديد من المشاكل اذ أن أعدادا كبيرة ستتدفق عليه فور اعلان الامر في وسائل الاعلام".
وبالنسبة للاكراد في وادي بيلسان فان بدء إجراءات المحاكمة أمر ينتظرونه منذ سنوات.
في عام 1991 جمع فاخر مصطفي أحد أفراد البشمركة الكردية وبعض أصدقائه أغلفة القنابل الضخمة الصدئة المتناثرة على الجبال وهي الان موضوعة على مدخل قريته كدليل مادي على وقوع الهجوم.
وقال مصطفى مبتسما "رأينا أنها قد تفيدنا ذات يوم...لم يتأخر الوقت لكي يمثل صدام أمام العدالة"—(البوابة)—(مصادر متعددة)