مع اندلاع الصراع في غزة الأسبوع الماضي عكف مسؤولون اسرائيليون وداعمون للدولة العبرية على ادارة ما اتضح أنها حملة دبلوماسية وإعلامية ناجحة لضمان بقاء الولايات المتحدة خلف حليفتها.
أصبح سفير إسرائيل في واشنطن مايكل أورين شخصية يكثر ظهورها في القنوات والبرامج الحوارية. كما أن جماعات موالية لإسرائيل مثل لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (ايباك) والمشروع الإسرائيلي أمطرت الصحفيين بوابل من رسائل البريد الالكتروني التي تقدم لقطات للهجمات الصاروخية التي يشنها نشطاء حركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية (حماس) على اسرائيل على خط الجبهة.
وبعد سنة من الخلافات التي أصبحت معلنة بشكل متزايد بشأن كيفية التعامل مع إيران فإن العلاقات بين إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما وحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ربما كانت أسوأ من أي وقت مضى فيما تعيه الذاكرة.
لكن داعمين لإسرائيل ومحللين مستقلين يقولون إن مستوى الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة لإسرائيل في الأسبوع الماضي يظهر مدى عمق العلاقات بين البلدين ومستوى النفوذ الذي يمكن ان يمارسه أنصار إسرائيل عندما تستشعر البلاد الخطر.
ولا يشك كثيرون في أنه ستثور خلافات مقبلة خاصة عندما تتصدر المسألة الإيرانية الاهتمامات مرة اخرى.
لكن بالنسبة للوقت الراهن فإن مسؤولين إسرائيليين وداعمين لإسرائيل يقولون إنهم راضون عن مستوى الدعم الذي حصلوا عليه في الصراع مع غزة.
ويقول غوش بلوك المدير التنفيذي لمشروع إسرائيل وهو مجموعة ضغط مقرها واشنطن تدعو منذ فترة طويلة لدعم أميركي أكبر وموقف أكثر تشددا من أعدائها "أعتقد أنكم رأيتم ردا قويا جدا... دعم حاسم لإسرائيل... هذا يمثل تذكرة... بمدى ديمومة العلاقات الخاصة. الأمر يتعلق بما هو أكثر من مجرد العلاقات الشخصية بين الزعيمين."
وبعد أن كان ينظر لنتنياهو على أنه يريد ترجيح كفة مرشح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة ميت رومني في مواجهة أوباما فإنه يرغب فيما يبدو في إصلاح العلاقات. وأشاد يوم الخميس بأوباما على "دعمه الذي لا يتزعزع".
وفي استطلاع للرأي نشرت نتائجه شبكتا سي.ان.ان/أو.آر.سي خلال مطلع الأسبوع الماضي قال 57 في المئة من الاميركيين إنهم يعتقدون أن إسرائيل لها مبررها في القيام بعمل عسكري مقابل 25 في المئة يعارضون ذلك.
لكن قضية غزة ربما تكون القضية الوحيدة التي يتفق فيها البلدان حقا وعلى المستوى الشعبي أيضا.
وبخلاف تعارض وجهات النظر بشأن إيران ابدى الكثير من الديمقراطيين على وجه الخصوص - وكذلك بعض الأعضاء الليبراليين في الجالية اليهودية الأميركية التي تمثل نحو اثنين في المئة من إجمالي السكان - إحباطهم من البناء الاستيطاني الاسرائيلي في الضفة الغربية وتزايد الأحزاب المتشددة.
وقال ارييل راتنر وهو مساعد سابق في إدارة أوباما وهو الآن زميل في مشروع ترومان للأمن القومي "بالطبع خلال أي حرب سيحتشد الكثير من قطاعات المجتمع الأميركي حول اسرائيل لكن ليس كلها... لكن مشكلات محتملة ستسبب قلقا في المستقبل إذا لم تعالجها إسرائيل."
ولم يعقب متحدث باسم البعثة الفلسطينية في الأمم المتحدة - التابعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية والتي فقدت السيطرة على غزة عام 2007 - على التغطية الإعلامية الأميركية للحرب أو على العلاقة بين إسرائيل وواشنطن.
لكنه قال إن الفلسطينيين يعتبرون أن الحملة الاسرائيلية تتعمد صرف الأنظار عن سعيهم لنيل الاعتراف باعتبارهم دولة مراقب في الأمم المتحدة. وقال المتحدث الذي طلب عدم نشر اسمه "نعتقد أنهم سيطرقون كل السبل لمنع هذا الأمر."
وربما كان الدور الأميركي له تأثيره في حث إسرائيل على ضبط النفس. ويقول مسؤولون إسرائيليون إن أوباما اتصل بنتنياهو في مستهل الصراع ليقول إن الولايات المتحدة تفضل عدم رؤية غزو بري لغزة على غرار ذلك الذي قامت به في 2008-2009.
وربما ساعد ذلك على تجنب التصعيد وسقوط عدد من القتلى مماثل لعدد القتلى في تلك الحرب والتي أسفرت عن مقتل نحو 1400 فلسطيني. ويقول مسؤولون اسرائيليون إن نتنياهو كان يتمنى دائما تجنب خوض حملة برية.
وقتل أربعة مدنيين اسرائيليين وجندي واحد اثر الهجمات الصاروخية القادمة من غزة خلال أحدث صراع. وكان عدد القتلى من الفلسطينيين أعلى كثيرا إذ بلغ 163 شخصا أكثر من نصفهم مدنيون طبقا لأرقام أعلنها مسؤولون محليون. وفي حين أن اسرائيل استخدمت كمية من المتفجرات أكبر بكثير من حماس فإنها تقول إنها استخدمت ذخيرة تتسم بالدقة وبذلت مجهودا كبيرا لمنع سقوط عدد كبير من القتلى حتى رغم أن حماس تطلق صواريخها من مناطق ذات كثافة سكانية عالية.
ويقول مؤيدو إسرائيل إنهم تمكنوا من استخدام مجموعة متنوعة من الأساليب من مقالات افتتاحية تقليدية في الصحف إلى مواقع مثل تويتر وفيسبوك لتوصيل رسالتهم.
ويقول بلوك من مشروع إسرائيل "تغيرت الطريقة التي يحصل بها الناس على المعلومات ولم تعد وسائل الإعلام التقليدية هي المحتكرة... يمثل ذلك تحديات وفرص. رأينا مسؤولين إسرائيليين ينقلون وجهات نظرهم - التي تعبر عن آراء أغلب الأميركيين - بشكل مقنع جدا عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية."
وتستخدم جماعات موالية لإسرائيل منذ زمن طويل وسائل مماثلة للتوعية بمخاوفها بشأن البرنامج النووي الإيراني لكن ربما لم تحقق نجاحا مماثلا. وربما يحب الناخب الأميركي أن يكون زعيمه مؤيدا لإسرائيل لكن ليس هناك حماس يذكر داخل واشنطن أو خارجها لشن المزيد من الحروب الكبرى.
قال نيكولاس غفوسديف أستاذ دراسات الأمن القومي في الكلية الحربية البحرية الأميركية "أعتقد أن الأحداث في غزة أبرزت التعاطف العام لإسرائيل وربما يستمر ذلك لفترة من الوقت... ربما يجعل ذلك من الصعب بالنسبة لأوباما أن يدعو إلى تقديم تنازلات في عملية السلام مع الفلسطينيين لكني لا أعتقد أن هذا يجعل الإسرائيليين يحققون أي مكاسب فيما يتعلق بإيران."
ومن ناحية يبدو أن هناك اختلافا بسيطا في الموقف بين مسؤولي واشنطن ونظرائهم في اسرائيل. إذ يريد كلاهما تضييق العقوبات كما أنهما تعاونا بشدة في العمليات السرية للإبطاء من التطور النووي المزعوم لإيران. وتقول الولايات المتحدة إنها لن تسمح لطهران بأن تبلغ عتبة القدرة على صنع الأسلحة في حين أن إسرائيل تقول إن "خطها الاحمر" هو "القدرة النووية" وهو المصطلح الذي ليس له تعريف دقيق.
وكررت اسرائيل تهديدات هذا العام بأن تتخذ بنفسها إجراء وتضرب منشآت نووية بشكل مباشر لكن بعض المسؤولين في إدارة أوباما نظروا لهذه المسألة على وجه الخصوص باعتبارها محاولة واضحة للتأثير على السياسة الأميركية. ويقول مسؤولون أميركيون إن العمل العسكري سيكون الملاذ الأخير فقط لكن إيران النووية ستكون خطرا أكبر بكثير وربما لا يكون امامهم من خيار آخر.
غير أن القيام بالمزيد من المحاولات للتأثير على صناع السياسة الأميركية من الممكن أن يحدث أثرا عكسيا.
ويقول راتنر من مشروع ترومان "من المهم أن يفهم الإسرائيليون الطبيعة الدقيقة للضرر الناجم عن تدخل نتنياهو في الانتخابات الأميركية والطريقة العامة التي يعامل بها أوباما...
"المشكلة الأساسية بالنسبة لإسرائيل هي أن أوساطا أميركية مهمة جدا بما في ذلك الكثير من الشبان وقطاعات من الجالية اليهودية والإعلام والجيش والجيل التالي من قيادة الحزب الديمقراطي أزعجتهم الاتجاهات العامة في إسرائيل في ظل حكم نتنياهو."