حقائق وخلفيات قرار "ترامب غواتيمالا" نقل سفارته للقدس

تاريخ النشر: 25 ديسمبر 2017 - 07:36 GMT
جيمي موراليس وبنيامين نتانياهو
جيمي موراليس وبنيامين نتانياهو

البوابة - بسام العنتري

لم يأت من فراغ لقب "دونالد ترامب غواتيمالا" الذي اطلق على الرئيس جيمي موراليس، من حيث ان الاخير يكاد يتشابه في كل شئ  مع الرئيس الاميركي، حتى في دوافع قراره نقل سفارة بلاده في اسرائيل من تل ابيب الى القدس.

وقد اعلن موراليس في بيان مقتضب على حسابه الرسمي في فيسبوك يوم الأحد إنه قرر نقل السفارة من تل أبيب بعد بضعة أيام من تأييد حكومته للولايات المتحدة في تصويت الجمعية العامة للامم المتحدة حول قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل ونقل سفارة بلاده اليها.

واوجه الشبه بين الرجلين تبدأ - ولا تنتهي- من كونهما قطبي اعمال ونجمين برعا في ادوارهما على الشاشات، سواء من خلال برامج الواقع او الكوميديا والتهريج، فضلا عن شبهات الفساد واساءة استعمال السلطة التي لم تفتأ تلاحقهما منذ حين.

لكن ابرز ما يتماثلان فيه هو ان كليهما لديه فواتير مستحقة السداد لقاعدته الانتخابية (الانجيليين المحافظين) وايضا اسرائيل، وهما الرافعتان اللتان يدينان لهما بكثير فضل في الوصول الى سدة الحكم في بلديهما، رغم التوقعات التي كانت تتنبأ بفشلهما في الانتخابات.

من نافلة الحديث ان نتطرق الى ترامب وسيرة تحليقه الجدلية في عالم المال والتلفزيون والسياسة والفضائح، فهي حكاية لا تزال فصولها حية وتتفاقم مع كل يوم في وجدان الاميركيين والعالم، والقصة في هذه السطور هي حول صعود موراليس، او "ترامب الصغير" كما بات يحلو لخصومه ان يصفوه.

"موراليهاس"

انطلقت شهرة موراليس من المجال الفني حيث ظل لنحو عشرين عاما يطل عبر الشاشة على الجمهور من خلال برامج كوميدية، ابرزها برنامج "موراليهاس" الذي يعني المثالي، والتي يسخر فيها من الواقع الاجتماعي الذي تهيمن عليه منظمات الجريمة (المافيا).

كما أخرج عددا من الأفلام، وصار بفضل نشاطه الفني شخصية معروفة داخل أوساط السينما والمسرح والإعلام.

هذه الشهرة، أفادته في الانتخابات الرئاسية عام 2015، هذا اضافة الى خلفيته الدينية، حيث انه ينتمي الى الإنجيليين المحافظين الذيم تصل نسبتهم في غواتيمالا الى 40 بالمئة من عدد السكان البالغ نحو 16 مليون نسمة.

وهذه الطائفة الدينية تؤمن بالتفسير الحرفي للكتاب المقدس (التوراة والانجيل) وبنبوءة "أن الله وعد الأرض 'الإسرائيلية' -والتي تشمل القدس حاليًا- لإبراهيم وذريته، وكذلك يؤمنون بنبوءة أن على اليهود العودة إلى 'إسرائيل' من تشتتهم قبل عودة 'المسيح'.

ومن ناحية اخرى، فقد عزز بُعد موراليس عن عالم السياسة وعدم توليه أي مسؤولية سياسية في بلده سابقا، مصداقية الشعارات الانتخابية التي رفعها، وابرزها شعار "لا فاسد، ولا لص" في اشارة الى نفسه، كما رأى فيه الناخبون أملا للشباب.

تزامن ذلك مع سخط فئات واسعة من الغواتيماليين من السياسيين، خاصة مع توالي فضائح الفساد التي كان آخر رموزها الرئيس السابق أوتو بيريز الذي قدم استقالته في أيلول/سبتمبر 2015 بعد توجيه الاتهام له بتزعم شبكة فساد.

وقبل ذلك، كان مواراليس قد وصل الى منصب الامين العام لحزب "جبهة التقارب الوطني"، وهو حزب أسسه كبار ضباط الجيش المتقاعدين.

"كلمة السر"
ولعل كلمة السر الاخرى التي تكشف عن الجهة التي لعبت دورا لا يقل اهمية في تصعيد موراليس كانت حزب جبهة التقارب ورجالاته ممن بسطوا سيطرتهم في البلاد بعدما اوغل بعضهم في دماء السكان الاصليين (الهنود الحمر) بمعونة اسلحة وتقنيات قدمتها لهم اسرائيل سرا وعلانية.

ويسلط عاطف أبو سيف في كتابه "‎علاقات إسرائيل الدولية: السياقات والأدوات، الاختراقات والإخفاقات" الضوء على بعض من فصول هذا التعاون الوحشي بين اسرائيل وضباط الجيش السابقين في غواتيمالا.

وفي كتابه يقول ابو سيف "إن الحالة الأكثر دموية بما لا يقاس في أميركا اللاتينية تمثلت في التدخل الإسرائيلي في غواتيمالا بين السبعينيات والتسعينيات".

ويضيف "كان الوضع هناك يتمثل في حرب أهلية بين يسار شعبي تشكل هناك خاصة من الهنود، (أي أهل البلاد الأصليين)، ضد أوليغاركية، اوروبية المنشأ في غالبيتها، محمية من قبل جيش بالغ القسوة".

ويستشهد الكاتب على هذه القسوة بمقولة لرئيس غواتيمالا، كارلوس أرانا، في العام ١٩٧١ عندما صرح بانه "إذا كان من الضروري تحويل البلد إلى مقبرة لتحقيق الهدوء فيه، فأنا لن أتردد".

ويشير كتاب ابو سيف الى ان الإسرائيليين وفروا "لغواتيمالا بنادق غاليل، وأنشأوا هناك مصنع ذخيرة، كما وفروا للحكام هناك طائرات عرافا وحاملات جنود. وخلف الستار، كانوا منغمسين بشكل نشط في أكثر الحملات المناهضة للثوار دموية في القارة منذ انتهاء الغزو الأوروبي لها".

ويصل الى القول ان هذه الحملة "قتل فيها ما لا يقل عن مائتي ألف مواطن، معظمهم من الهنود (المقصود طبعاً أهل البلاد الأصليين). وقد تمت إزالة العديد من قراهم وتهجير مليون شخص من مناطق إقامتهم. ونقل عن رئيس غواتيمالا، ريوس مونت، قوله في العام ١٩٨٢: «رجال حرب العصابات هم السمك. والسكان هم البحر".

تاريخ خاص
غواتيمالا لها تاريخ وروابط خاصة مع إسرائيل تعود الى ما قبل قيام كيان الاخيرة، وهي أول دولة اقامت سفارة لها في القدس (عام 1955)، وظلت عاملة هناك على مدى 30 عاما، قبل ان تعود وتنقلها إلى تل أبيب.

وقبل عام 1980 كان لغواتيمالا وبوليفيا وتشيلي وكولومبيا وكوستاريكا وجمهورية الدومنيكان والإكوادور والسلفادور وهايتي وهولندا وبنما وفنزويلا وأوروجواي سفارات في القدس.

وكان إقرار إسرائيل في يونيو حزيران 1980 لقانون يعلن القدس بالكامل "عاصمة أبدية" لها، قد دفع مجلس الأمن الدولي لإصدار قرار يدعو هذه الدول إلى نقل سفاراتها إلى تل أبيب مما أدى إلى نقلها.

والبدايات للعلاقات المميزة بين اسرائيل وغواتيمالا كانت في عام 1947 عندما قام وفد من 11 دبلوماسيا يمثلون لجنة الأمم المتحدة بزيارة فلسطين لدراسة الوضع هناك، بينهم مسؤول غواتيمالي يدعى خورخي غارسيا غرانادوس. وكانت هذه الزيارة بمثابة الحبل السري الذي ربط هذا الدول اللاتينية بإسرائيل.

وبما أن هذا المسؤول الغواتيمالي كان في منصب سفير بلاده لدى الأمم المتحدة، فقد صوّت أولا داخل اللجنة لصالح قرار تقسيم فلسطين الذي اتخذ بأغلبية 7 أصوات من أحد عشر.

وفي الجمعية العامة، صوت السفير الغواتيمالي أيضا ضمن 33 مندوب دولة لصالح خطة التقسيم في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، بل وأجرى مباحثات مع مندوبي دول أمريكا الجنوبية في الأمم المتحدة كي يصوت الجميع في كتلة واحدة لصالح هذا القرار.

ولاحقا، ألف غرانادوس كتابا بعنوان "كيف ولدت دولة إسرائيل"، ومكافأة له أطلق اسمه على شوارع في مدن القدس، ورمات غان، ونيتانيا.

في عام 1958 تقرر تسمية أحد شوارع القدس في حي كريات يوفيل، باسم غواتيمالا، فيما سميت في ذات الوقت، ساحة في غواتيمالا باسم إسرائيل.

حقائق وارقام
تعد غواتيمالا أكبر اقتصاد في أمريكا الوسطى، إذ يبلغ حجم ناتجها المحلي الإجمالي نحو 68.8 مليار دولار، ويبلغ تعداد سكانها 16 مليون نسمة، تحدها المكسيك وبليز وهندوراس والسلفادور، ولها منفذ على المحيط الهادئ والكاريبي.

وتحتل غواتيمالا المرتبة السابعة في قائمة الدول التي تحصل على مساعدات 'النمو الاقتصادي' من الولايات المتحدة، ومن المخطط أن تحصل هذه الدولة اللاتينية على مساعدات بقيمة 43.5 مليون دولار من الولايات المتحدة في العام المقبل.

وهي لها روابط اقتصادية قوية بالولايات المتحدة، إذ تعد واشنطن شريكها التجاري الأول، فقد بلغت صادراتها إلى الولايات المتحدة العام الماضي 3.5 مليار دولار، من إجمالي صادرات وصلت إلى 10 مليارات دولارات.

بالمقابل، استوردت غواتيمالا من الولايات المتحدة منتجات وسلع بقيمة 6.5 مليار دولار من إجمالي مستوردات بلغت 17 مليار دولار.

وفيما يتعلق بالاستثمارات، بلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في اقتصاد غواتيمالا في 2016 نحو 14.57 مليار دولار، بزيادة 11% عن عام 2015، وخمس الاستثمارات الأجنبية تأتي من الولايات المتحدة.

لكن غواتيمالا تربطها علاقات تجارية متواضعة مع إسرائيل وذلك لأسباب لوجستية. وبلغ حجم التبادل التجاري بين إسرائيل وغواتيمالا العام الماضي 31.6 مليون دولار، منها 29 مليون دولار هي صادرات إسرائيل إلى غواتيمالا، مقابل واردات بقيمة 3.5 مليون دولار.