إعداد: وسام نصر الله
تدريس الثقافة اليهودية في مناهج التعليم المغربية، خطوة وصفها البعض "بتسونامي"، خاصة وأنه للمرة الأولى في تاريخ المغرب تشهد تلك المناهج مواد تعرف بالتراث والتاريخ اليهودي.
وتفيد وزارة التربية المغربية أن أولى الحصص الدراسية باللغة العربية ستعطى اعتبارا من الفصل الدراسي المقبل في السنة الأخيرة من المرحلة الابتدائية حيث يبلغ عمر التلاميذ نحو 11 عاما.
ويشهد المغرب مبادرات متتالية لإحياء تراث وثقافة اليهود، ومنها تدشين العاهل المغربي الملك محمد السادس "بيت الذاكرة" اليهودية بالصويرة الذي تمت اقامته عبر ترميم معبد يهودي قديم.
والمغرب قام بإدراج الموروث اليهودي في المنهج التربوي المغربي، ضمن إطار برنامج واسع للإصلاح المناهج الدراسية بوشر العام 2014، وتؤكد زهور ريحيحيل أمينة المتحف اليهودي المغربي في الدار البيضاء: "إن هذا البلد لم يمح أبدا الذاكرة اليهودية".
ويرى الأمين العام للجالية اليهودية في المغرب أن إدراج تاريخ الجالية اليهودية وثقافتها قريبا في المناهج الدراسية المغربية، بمثابة تسونامي.
الفنانة المغربية اليهودية سوزان هاروش، التي تبلغ من العمر عقدها الخمسين، وتقدم مواضيع التراث اليهودي وتعايش اليهود بالمغرب مع معتنقي الديانات الأخرى، من خلال معزوفات تراثية وأغان شعبية قديمة، تقول: "إنه تحول نوعي وفرصة لفهم الذاكرة المشتركة بين المغاربة يهودا ومسلمين"
والمغرب هو رابع دولة عربية تبرم، منذ آب، اتفاقا بهدف تطبيع العلاقات بإسرائيل بعد الإمارات والبحرين والسودان.
وبموجب الاتفاق، سيقيم المغرب علاقات ديبلوماسية كاملة ويستأنف الاتصالات الرسمية مع إسرائيل، ويسمح بعبور رحلات وأيضا برحلات طيران مباشرة من إسرائيل وإليها لكل الإسرائيليين.
ويظهر "الرافد اليهودي" للثقافة المغربية في فني العمارة والطبخ والموسيقى، وهو بات موجودا في المناهج الجديدة للتربية المدنية في المرحلة الابتدائية ضمن فصل مكرس للسلطان سيد محمد بن عبد الله الملقب محمد الثالث (القرن الثامن عشر).
واختار هذا السلطان العلوي مرفأ الصويرة وقلعتها التي بناها مستعمرون برتغاليون لتأسيس المدينة التي شكلت مركزا ديبلوماسيا وتجاريا أصبح بدفع منه المدينة الوحيدة في العالم الإسلامي التي تضم غالبية يهودية مع وجود 37 كنيسا فيها.
وأوضح فؤاد شفيقي، مدير البرامج المدرسية في وزارة التربية المغربية، أنه "مع أن الوجود اليهودي في المغرب سابق للقرن الثامن عشر، إلا أن العناصر التاريخية الوحيدة الموثوق بها تعود لهذه الفترة".
والاصلاح الذي لم يحظ بتعليقات محلية كثيرة، رحبت به جمعيتان يهوديتان مقرهما في الولايات المتحدة، هما اتحاد السفرديم الأميركي ومؤتمر الرؤساء.
وشددت المنظمتان، في بيان نشرتاه عبر "تويتر" في منتصف تشرين الثاني، على أن "السماح للتلاميذ في المغرب بمعرفة كامل تاريخهم على صعيد التسامح هو لقاح ضد التطرف".
وبعيد ذلك، وقع وزير التربية المغربي مع جمعيتين يهوديتين مغربيتين اتفاق شراكة "لتعزيز مفاهيم التسامح والتنوع والتعايش في المؤسسات المدرسية والجامعية".
وفي بادرة رمزية، وقع الاتفاق في بيت الذاكرة في الصويرة وهو متحف مكرس للتعايش بين اليهود والمسلمين، بحضور مستشار العاهل المغربي اندري ازولاي وهو يهودي كرس حياته للترويج للتسامح الديني.
وكان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، قد صرح الأحد، في مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" الاسرائيلية، إن العلاقات بين المغرب واسرائيل كانت "طبيعية أصلاً" قبل اتفاق التطبيع الذي أعلن عنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وصرّح بوريطة في المقابلة مع الصحيفة التي تعد من بين أكثر الصحف العبرية مبيعاً: "من وجهة نظرنا، نحن لا نتحدث عن تطبيع لأن العلاقات كانت أصلاً طبيعية. نحن نتحدث عن استئناف للعلاقات بين البلدين كما كانت سابقاً، لأن العلاقة كانت قائمة دائماً. لم تتوقف أبداً".
وبلغ عدد أفراد الجالية اليهودية في المغرب نحو 250 ألفا نهاية اربعينات القرن الماضي. وشكلوا حينها 10% من إجمالي السكان. وغادر الكثير من اليهود المغرب بعد قيام دولة إسرائيل في العام 1948 ليتراجع عددهم إلى ثلاثة آلاف.
الوجود اليهودي في المغرب
يعود الوجود اليهودي بالمغرب الى آلاف السنين، عرفت خلاله علاقة اليهود بالمسلمين مداً وجزراً بين التعايش والنزاع، وأدى هذا العامل التاريخي الى إنشاء ثقافة يهودية مغربية ما زال تأثيرها بادياً على المجتمع المغربي.
وتتضارب الروايات التاريخية بشأن الحقبة الاولى للوجود اليهودي بالمغرب بين ما تقول إنه يعود للعصر الروماني في حين ترى بعض الروايات انه يعود الى ما قبل ذلك، ويقول المحلل السياسي الاسرائيلي يؤاف شاحام "يُدرك المؤرِّخون أنّ اليهود الأوائل وصلوا الساحل الجنوبي الغربي للبحر المتوسّط منذ عهد الإمبراطورية الرومانية، لكنّ التقاليد اليهوديّة تدّعي أنّ استقرار اليهود في المغرب يعود إلى ما قبل ذلك، إلى أزمنة الكتاب المقدّس".
كنيس يهودي في مدينة مراكش
منظمة "جيمينا"
تزعم منظمة "جيمينا" التي تهدف للحفاظ على تاريخ وتراث اليهود الشرقيين أن الوجود اليهودي بالمغرب "يعود إلى عام 587 قبل الميلاد، عندما اضطر اللاجئون اليهود الفارون من التدمير البابلي لأورشليم القدس والهيكل المقدس إلى الهجرة إلى شمال أفريقيا والاستقرار في منطقة الأطلسي في المغرب، وهناك عاشوا بين القبائل البربرية المحلية، التي يُعتقد أن البعض منها اعتنق الديانة اليهودية وحارب في وقت لاحق ضد الفتح العربي. وفي عهد الامبراطورية الرومانية توسع شعب إسرائيل في الشتات، ووصل إلى جميع أنحاء شمال أفريقيا على ساحل البحر المتوسط، وفي عام 70 م، وبعد تدمير الرومان للهيكل الثاني في أورشليم القدس، استقر المزيد من اللاجئين اليهود في المغرب".
"ألف سنة من حياة اليهود بالمغرب"
على الرغم من الاختلافات بين المسلمين واليهود والنزاعات التي عرفها الطرفان، فإنهما عرفا تعايشاً بشكل عام بالمغرب، ويقول المؤرخ اليهودي المغربي حاييم الزعفراني في كتابه "ألف سنة من حياة اليهود بالمغرب" "لاشك أن كلا المجتمعين اليهودي والإسلامي كان يعيش عيشة تختلف عن الآخر، فكل منهما غيور على هويته ومتشبث بإيمانه ومعتقداته، غير أننا نلاحظ في المسار التاريخي الذي يرسم الحياة اليهودية في هذا البلد، جواً من التقارب إذ يلتقي المجتمعان ويتعايشان في طمأنينة وسلام، ونلاحظ أيضاً نقاط التلاقي المفضلة التي تتجلى مساواة حقيقية في حضن اللغة وتماثل البنى الذهنية، وتتضح وتتحقق هذه المساواة على مستوى الحياة اليومية والاهتمامات الاقتصادية وفي أفضل لحظات الوجود والمتخيل الاجتماعي والثقافة الشعبية التي لا تعرف حدوداً دينية".
الوضع بعد الفتح الاسلامي
عرف وضع اليهود بعد وصول الاسلام للمغرب تأرجحاً بين التضييق وإطلاق الحريات، وترى منظمة "جيمينا" أنه "في نهاية القرن السابع الميلادي وصل الفتح الإسلامي إلى المغرب، وشهدت تلك البلاد مرة أخرى مجيء عدد من اليهود بأعداد كبيرة، وفي ظل الإسلام، اضطر اليهود في ذلك الحين إلى العيش مواطنين من الدرجة الثانية، أو كما عُرفوا بـ "أهل الذمة"، وفي عام 1146، تدهور وضع اليهود والمسيحيين في المغرب عندما جاءت سلالة الموحدين إلى السلطة وألغت الجزية (الضريبة التي اضطر أهل الذمة إلى دفعها)، ولكنها طالبت باعتناق اليهود للديانة الإسلامية أو مواجهة القتل، وبحلول القرن الثالث عشر، وعندما وصلت سلالة المرينيين (الذين ينتسبون إلى قبائل زناتة البربرية) إلى السلطة، جرى تخفيف القيود الدينية وسُمح لليهود مرة أخرى بالعيش علناً كيهود".
تضيف المنظمة "عندما طُرد اليهود من اسبانيا والبرتغال عام 1492، فرّ آلاف آخرون إلى الحارات اليهودية المغربية المعروفة باسم "الملاح"، أو إلى المناطق والأحياء اليهودية في المدن المخصصة لهم من قبل السلطان، ولم يرحب المسلمون المحليون باللاجئين اليهود الذي وصلوا عقب محاكم التفتيش الاسبانية، وهذا ما أسفر عن تعرض الكثيرين منهم إلى العنف والفقر والجوع والتشرد والصراع من أجل البقاء، وقد كان اللاجئون اليهود "السفارديم" يعرفون بـ "المطرودين" لتمييزهم عن السكان الشرقيين "المقيمين" في المغرب".
الوضع خلال الاستعمار الفرنسي
عرف وضع اليهود استقراراً خلال عهد الاستعمار الفرنسي للمغرب (1956-1912)، إذ يقول شاحام "أدى تعزيز السيطرة الفرنسيّة على المغرب إلى منح اليهود الحماية والرعاية، بشكل عام، حمى الفرنسيون يهود المغرب، وسُرّوا بأن يقدِّموا لهم لغتهم وحضارتهم. تحت رعاية فرنسا، ازدادت الثقافة بين اليهود، وأُسست نخبة جديدة لم تعتمد على القيادة الدينية التقليديّة، رُويداً رُويداً، بدأ اليهود يهاجرون من الأحياء اليهوديّة إلى الأحياء الأوروبيّة، وفي تلك الفترة، أصبح جميع يهود المغرب تقريباً مدنيّين، وتبنّوا نمط حياة عصرياً".
الوضع بعد الاستقلال
هاجر العديد من اليهود عقب استقلال المغرب الى إسرائيل على الرغم من تطمينات السلطات، ويقول شاحام "حين استقلّ المغرب عام 1956، أصبحت هجرة اليهود غير شرعيّة، وبدأت إسرائيل تهرّبهم خفيةً، حاول الملك محمّد الخامس إقناع اليهود بأنهم سيواصلون التمتّع بالأمن والوفرة، وعيّن لهذا الهدف وزيراً يهودياً في حكومته، وعين ليون بن زاكين وزيراً للبريد، ومع ذلك، هُرّب حوالي 30 ألف يهودي إلى إسرائيل في أواخر الخمسينيات بشكل غير شرعيّ خلافاً لرغبة الحكومة المغربيّة، وفي أوائل الستينيات، وصل إلى إسرائيل حوالي 80 ألف مغربيّ يهودي بطُرق شرعيّة. وبالإجمال، هاجر إلى إسرائيل على مرّ السنين 250 ألف يهودي مغربي".
يقول الزعفراني في كتابه "بعد منح المغرب المستقل على يد ملكه محمد الخامس (الذي سبق ان عارض سنة 1940 تطبيق قانون فيشي المعادي لليهود) لليهودي المغربي وضعاً قانونياً مساوياً للوضع القانوني المخول للمواطن المغربي المسلم، وأنعم عليه بحق المواطنة وبالحقوق والواجبات نفسها، وإن تضامن المغرب مع البلدان العربية الأخرى وما نتج من ذلك من عداء صريح ضد إسرائيل من جهة وتعاطف اليهودي الطبيعي مع إسرائيل باعتباره مواطناً لها بالقوة من جهة أخرى، خلقا جواً من التشكك والريبة وهذا لم يساعد على إنشاء علاقات عادية بين عنصري السكان اليهود والمسلمين".