مصر: تدخل العسكر يطرح احتمالات عديدة

تاريخ النشر: 07 يوليو 2013 - 02:49 GMT
أحد مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي (AFP).
أحد مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي (AFP).

ليس الاستسهال والتبسيط العلاج المحمود للأزمة المصرية البالغة التعقيد. فهناك انفجرت المشكلة السياسية في ظل تصدع وطني فاقمته الأنظمة العسكرية المتتالية، قبل أن يضيف الإخوان المسلمون إسهامهم الكبير إليه. هكذا التحمت المشكلة المذكورة بذاك التصدع حتى صار واحدهما الوجه الآخر للثاني. وربما كان التجلي الأبرز لما نصفه انعدام الوسائط والجسور بين مجتمع الإخوان ومجتمع (مجتمعات؟) باقي المصريين.

وفي نظرة عريضة للتاريخ المصري الحديث، كان يمكن التعويل على حزب كحزب الوفد كي يضطلع بالدور هذا. إلا أن الحكم العسكري في طوره الناصري التأسيسي قضى على احتمال كهذا فوئد 'الوفد' مع وأد الحياة السياسية برمتها. رأب هذا الصدع لا يتم بغير الصبر الديموقراطي، أو التحمل الديموقراطي على مدى طويل، ومحاولة الانصياع تاليا لإجماعات تتأسس في موازاة صناعة المناخ السياسي الجديد. هنا فوت الإخوان ورئيسهم المنتخب محمد مرسي فرصة ثمينة حين أبدوا قدرا هزيلا جدا من التحمل الديموقراطي لشركاء مفترضين في الوطن. لكن خصومهم على الضفة الأخرى أبدوا قدرا أكثر هزالا حين قادهم نفاد الصبر إلى تفضيل الحل العسكري والانقلابي، خصوصا أن الحكم الإخواني كان يتصدع بوتيرة يومية، وكانت إجراءاته القمعية تأتي مرفقة بهزالها وتهافتها وبقدرة مدهشة على السخرية منها (دع جانبا المبالغات عن 'توتاليتارية' مرسي 'الحديدية').

يترتب على ما سبق أن احتمال السقوط السياسي للإخوان كان يلوح وشيكا، وكان يقترب معه احتمال دخول الإسلام السياسي في أفول مديد تتردد أصداؤه في غير بلد إسلامي. هنا جاء الحل العسكري لينذر بأمور محددة بالغة الخطورة: فأولا، تبدى أن الكتلة العريضة المناوئة للإخوان، وعلى رغم الحضور الجماهيري المدهش في الميدان، لا تملك، حين يجد الجد، إلا الاستنجاد بالعسكر وتدخله. لقد جاء ما حدث مصداقا لقول القائلين إن مجتمعاتنا لا تنتج إلا الجيش والإسلام السياسي، أما حاملو الديموقراطية فلا يحسب لهم حساب في اللحظات الحاسمة. وثانيا، تبدى أن الثقافة الديموقراطية لا تزال هشة جدا. تكشف عن ذلك الفترة القصيرة (والسحرية) للانتقال من 'يسقط يسقط حكم العسكر' إلى اعتبار ذاك العسكر نفسه المخلص المرجو. وثالثا، تم إنقاذ الإسلام السياسي من ورطته عبر إعادة تسليحه بسلاح المظلومية. فكيف إذا ذكرنا بتجربة الجزائر في 1989 وتجربة غزة في 2006.

لقد صار الإخوان أصحاب الشرعية الدستورية، شئنا أم أبينا. ورابعا، قد يجوز القول إن الانقلاب الأخير أنقذ مصر من مواجهة بين مجتمعيها، لكن قد يجوز القول بثقة أكبر أنه أدخل مصر في مواجهة قد تكون أشد حدة ومرارة يشي بها كل ما يصدر عن الإخوان المسلمين والناطقين بلسانهم. وخامسا، وفي معزل عن النيات الحسنة لدى بعض المهللين للانقلاب، ليس هناك وراءنا ما يطمئن إلى أن الجيوش تسلم السلطة هكذا، خصوصا أن الحركة الشعبية الباهرة التي رأيناها قبل الانقلاب سوف تخضع للتسريح عاجلا أو آجلا. أما أن يكون هذا التأويل مخطئا، فهو ما لا يرجو كاتبه سواه!