المهمة المعقدة وغير المسبوقة لاستاذ يعمل على مكافحة الفساد في افغانستان

تاريخ النشر: 26 أبريل 2015 - 03:35 GMT
البوابة
البوابة

كان الاستاذ الجامعي حميد الله فاروقي يعيش حياة هادئة، بعيدا من الملاجئ والقناصة الذين باتوا يحاصرون مكتبه في كابول، لكنه وافق على الاضطلاع بمهمة محفوفة بالمخاطر تقضي بالقيام بحملة لمكافحة الفساد لم تقدم عليها اي حكومة في افغانستان حتى الان.

وفي تصريح لوكالة فرانس برس، قال هذا الاستاذ الذي يبلغ الثانية والستين من عمره وقد رفع على جبينه نظارتيه المخصصتين للقراءة، ان "اجراء تحقيق حول الفساد مسألة تشبه التصدي لعصابات المافيا".

وقد يكون الفساد اكبر مشكلة تواجهها افغانستان التي شهدت نزاعا استمر اكثر من ثلاثين عاما. وطالما اجج هذا الفساد عدم المساواة وعجز الحكومة والارتياب الذي ينجم عنه. وهو ينخر ادارات دولة ما زالت تعيش على ما تحصل عليه من المساعدة الخارجية التي تبلغ مليارات الدولارات.

ومنذ وصوله الى الحكم في ايلول/سبتمبر الماضي، ابدى الرئيس اشرف غني المسؤول السابق في البنك الدولي والذي درس في الولايات المتحدة، عزما قل مثيله على التصدي لهذا الفساد، خصوصا في قراراته الاولى: فتح تحقيق حول عقود لوجستية واعادة فتح التحقيق المتعلق ببنك كابول، احدى ابرز فضائح اختلاس اموال مصرفية في البلاد منذ 2001 .

وحرصا منه على تنظيم هذه الثورة، اختار غني حميد الله فاروقي، الاستاذ في جامعة كابول الذي كان في عداد فريق حملته.

وفي هذه الايام، يهتم فاروقي بالعقود الدسمة التي وافقت عليها الادارة السابقة، لتوزيع الفيول على الجيش الافغاني والتي تناهز قيمتها الاجمالية حوالى مليار دولار.

وقد انهى الرئيس غني هذه الاتفاقات المعقودة في اطار منظومة تزوير "بالغة التطور"، كما قال فاروقي.

ومن بين العيوب التي كشف عنها فاروقي، ان اربع شركات كانت مرشحة لأحد هذه العقود، قدمت بالضبط المبلغ نفسه، حتى الارقام بعد الفاصلة. وقال ان "ذلك لم يكن ممكنا الا من خلال ترتيب بين المرشحين او تسريبات" من الادارة.

واكدت "شركة النفط الافغانية الوطنية" احدى الشركات المرشحة ان عناصر من الشرطة متواطئين مع منافسيها اقدموا يوم ايداع العروض على توقيف مسؤوليها على الطريق عن سابق تصور وتصميم.

وفي تصريح لوكالة فرانس برس، قال مدير "شركة النفط الافغانية الوطنية" محمود قادري "وصلنا متأخرين عشرين دقيقة وقالوا لنا فات اوان تقديم الترشيحات"، مشيرا الى "ضربة موجعة" تلقتها الشركة.

واخذ فاروقي علما بكل هذه التفاصيل المثيرة للشكوك ونقل ملاحظاته الى الرئيس غني.

وسرعان ما ظهرت نتائج الخطوات الاولى لهذه الحملة الرسمية غير المسبوقة في افغانستان. وقد تمثلت بموجة من احتجاجات رجال السياسة وزعماء الحرب السابقين القلقين المنغمسين في هذا الفساد.

ولم يتأثر فاروقي بذلك ابدا. وقال "تلقيت تعليمات حازمة من الرئيس بأن اقول لهم بأن يستقيلوا". وعلى سبيل الاحتياط، بات يستخدم تطبيقا يسجل بصورة تلقائية جميع الاتصالات الهاتفية التي يتلقاها.

وقال ان "اقناع من يجب اقناعه بان الاعمال السابقة قد انتهت سيستغرق بعض الوقت".
ومنذ وصوله الى الحكم، حرص الرئيس غني على الظهور بأنه نقيض سلفه حميد كرزاي الذي تولى الحكم بين 2001 و2014، والمعروف بأنه يميل الى التسويات اكثر مما يميل الى مكافحة الفساد.

اما اشرف غني المعروف منذ فترة طويلة بطبعه الحاد، فتميز بزياراته المفاجئة وفي اي وقت الى الادارات وميله الى ان يصرف على الفور الذين يضبطون بالجرم المشهود على صعيدي الفساد والتقاعس.

لكنه يواجه صعوبة لاستبدالهم سريعا، مما يترك فراغا كبيرا في بعض الاحيان في الادارات المحلية او المركزية.

وينتقد البعض هذا التعامل القهري، لانه استثنى حتى الان الرؤوس الكبيرة للنخبة السياسية المتورطة في فضائح الفساد.

وعن اختلاس 900 مليون دولار، قالت الناشطة على صعيد مكافحة الفساد سيما غني ان "اعادة فتح قضية بنك كابول مسألة جيدة، لكنه هل ادى الى سجن واحد على الاقل من مهندسي الفضيحة؟ كلا".

وترى سارا شايس مؤلفة كتاب "سارقو الدولة: لماذا يهدد الفساد الامن الشامل"، حدا آخر لأسلوب الرئيس غني، وتقول ان الاشمئزاز من الفساد يمكن ان يدفع بقسم من الناس الى الالتحاق بمتمردي طالبان.

واضافت "انه لا يرأس حكومة ينخرها +سرطان+ الفساد، بل دولة طورت منذ عشر سنوات مجموعة من الشبكات الاجرامية البالغة التطور والمتكاملة".

لكن هذه الملاحظات يجب الا تحمل على التقليل من اهمية وجود رجل على قمة الدولة الافغانية مستعد للتصدي لآفة الفساد، وهذا ما يعتبر في حد ذاته تغييرا كبيرا للبلاد"، كما قال مسؤول في الادارة يعمل مع فاروقي.

واضاف ان اشرف غني "يعرف ان ذلك سيستغرق بضع سنوات، وبالتالي عقودا لتنظيف النظام".