عمان – البوابة – حوار / وسام نصر الله
يحاول المفكر والأكاديمي الفلسطيني الدكتور إياد البرغوثي، في كتابه "تحرير الشرق.. نحو إمبراطورية شرقية ثقافية"، أن يقدم رؤية جديدة ومغايرة لخلاص الشرق من هيمنة المشروع الاستعماري الإمبريالي الغربي، عبر مشروع ثقافي يمتد من المغرب العربي غربا، إلى أفغانستان شرقا، مستندا في ذلك على الدور المهم لوحدة الجيواستراتيجيا.
ويرد الدكتور البرغوثي، على القائلين بطوباوية الفكرة والمشروع الذي يحمله الكتاب، بقوله:
"إن الأفكار العظيمة "طوباوية" .. و أية فكرة لا تحمل شيئا من الطوباوية لا تكون عظيمة".
ويؤكد أستاذ الفلسفة وعلم الإجتماع، أن القضية الفلسطينية تحتل موقعا مركزيا في مشروع تحرير الشرق، وأن احتلال فلسطين جاء للحيلولة دون تحرر الشرق، وبالتالي استمرار الهيمنة عليه من قبل الإمبريالية الغربية.
ويشدد البرغوثي على أن إرادة الشعوب اذا ما استخدمت بصورة جيدة، ووجدت القيادة الحكيمة والقادرة فإنها تصنع المعجزات.
ويرى رئيس الشبكة العربية للتسامح، ورئيس تحرير فصلية "تسامح"، أن
الفوضى انتصرت على "الربيع العربي"، مما أدى ذلك الى مزيد من التبعية لدى بعض البلدان والى مزيد من التخريب والتمزيق لبلدان أخرى.
ويعتبر البرغوثي أن الموقف التركي من القضية الفلسطينية غير مريح، لأسباب عدة منها علاقات "أنقرة" المتميزة مع "اسرائيل"، وعضويتها في حلف الناتو، والتخب السياسية التركية التي لا ترى نفسها جزءا من الشرق.
الدكتور البرغوثي عمل أستاذا للفلسفة وعلم الإجتماع، في جامعة النجاح الوطنية في مدينة نابلس، وجامعة أبو ديس في القدس المحتلة، وله العديد من المؤلفات، منها: "الأسلمة والسياسة في الاراضي الفلسطينية المحتلة"، "الدين والدولة في فلسطين"، "العلمنة السياسية والمسألة الدينية في فلسطين"، كما صدر له في عام 2020 ، كتاب "تحرير الشرق.. نحو إمبراطورية شرقية ثقافية" عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر،والذي يقع في 159 صفحة.
التقينا المفكر الفلسطيني البرغوثي خلال زيارته للعاصمة الأردنية عمان، قادما من مدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة، وكان لنا معه الحوار التالي:
انفصام للشعوب عن واقعها
*من أين جاءت فكرة كتاب "تحرير الشرق"؟ وماهي أبرز ملامح المشروع النهضوي الذي يحمله؟
ليس بالضرورة أن يكون الإنسان العربي مثقفا حتى يلفت انتباهه هذا الوضع المشين للأمة. انه وضع من الصعب تصوره.. فترات طويلة من التراجع والهزائم والاستبداد والفقر والجهل والتخلف.. واغتراب النخب، وانفصام للشعوب عن واقعها... وتضخم "غريب" في الصراعات البينية وعلاقات طبيعية مع الأعداء. لكن تاريخ الأمة لم يكن هكذا طيلة الوقت، فقد شهد حالات من النهوض، قدمت فيها الأمة للبشرية الكثير، وكانت في طليعة الأمم لفترات طويلة.
من البديهي أن يبحث المعني بمصير أمته في اسباب هذا الوضع. أهم استنتاج يمكن الخروج به من عبر حاضر الأمة وماضيها أنها تقدمت عندما كان لها مشروع وضعته نخبها والتفت حوله شعوبها... اما في فترات التراجع الطويلة فقد كانت أمة بلا مشروع، وبلا أفق، وبلا أمل، وفقدت النخب الإحساس بالمسؤولية، وارتاحت لهذا الضعف.
مشروع للأمة
هذا الكتاب "تحرير الشرق.. نحو إمبراطورية شرقية ثقافية" يتحدث عن مشروع للأمة ينطلق من أن الغرب الامبريالي الذي استعمر الشرق لفترات طويلة ما زال يفرض هيمنته على شعوب المنطقة ويسعى من خلال ادواته المختلفة وفي مقدمتها المشروع الصهيوني لضمان استمرار هيمنته تلك. هذا يتطلب أن يكون للشرق مشروعه للتحرر لضمان التطور المستقل لشعوبه وللقيام بدوره المتوازن والحاسم في الحفاظ على السلم والاستقرار العالمي في وضع اكثر عدلا وانسانية.
يتوجه الكتاب اساسا بهذا المشروع للمثقفين المعنيين في المنطقة، بضرورة العمل على
خلق حالة من الوعي لدى شعوب المنطقة بوضعها التابع، وبضرورة وأهمية تقاربها وادراكها لمصالحها المشتركة في التحرر من الهيمنة وما يترتب عليها.
يعتبر المشروع أن أهم عوامل تقارب شعوب المنطقة هو عامل وحدة الجيواستراتيجيا الذي يلعب الدور الحاسم في تحديد المصالح العليا لها، وهو في نفس الوقت لا يقلل من اهمية العوامل الأخرى التي تحدث عنها منظرو الوحدة بمختلف اطيافهم في السابق، لكنه يعتقد أن أي عامل من هذه العوامل لا يكفي وحده للنهوض بهذه المهمة، لذلك فهو يجعل من الجيواستراتيجيا المحايدة والثابتة بالنسبة للجميع العامل الأساس.
ذلك الوعي بضرورة تقارب شعوب الشرق يسميه الكتاب "الامبراطورية الشرقية الثقافية"، يقوم نوع خاص من المثقفين يسميهم الكتاب "المثقفون الكليون" بحمله والترويج له على أمل خلق تيار شعبي وحالة شعبية تؤمن بضرورته وتكون جاهزة لاستثمار أية فرصة "تاريخية" لتجسيده بشكل او بآخر.

فكرة "طوباوية"
*كيف يمكن تطبيق فكرة الكتاب على أرض الواقع، في ظل تشكيك البعض بأن الفكرة خيالية وطوباوية؟
- ان الحديث عن أن تحرر الشرق مسألة مستحيلة يعني أن الاستعمار هو قدر هذه الشعوب وهذا يجب أن لا يكون صحيحا. صحيح أن المشروع هو حلم بشكل أو بآخر في الظروف الحالية، لكنه ليس وهما.... فالوهم هو أن تتخيل واقعك السيء ممتازا، أما الحلم فيعني ادراك أن واقعك سيء ويجب العمل على تغييره. أحلام الشعوب عادة ما تتحقق بفعل وعيها وإرادتها.
يتحدث الكتاب عن بداية متواضعة لمشروع عظيم وضروري، فمن البديهي أن تسعى الشعوب والأمم الى تحررها وعليها أن تبدأ بوعي هذه الضرورة والاقتناع بها والإيمان بها، ووعي الضرورة كما هو معروف شرط لا غنى عنه لتحققها.
أما بالنسبة لطوباوية الفكرة... فكل الأفكار العظيمة "طوباوية" .. أية فكرة لا تحمل شيئا من الطوباوية لا تكون عظيمة.
وما دمنا نتحدث عن إرادة الشعوب فهي اذا ما استخدمت بصورة جيدة، ووجدت القيادة الحكيمة والقادرة فإنها تصنع المعجزات .
لماذا نتعامل مع الغرب كحقيقة واقعة بينما نرفض امكانية أن يكون هناك شرق
ولماذا استطاعت الشعوب الأوروبية التي حاربت بعضها مئات السنين، وتتحدث لغات مختلفة، وتدين بأديان مختلفة وثقافات مختلفة أن تقيم اتحادا اوروبيا بينما ذلك غير ممكن لشعوبنا... ثم ماذا عن تأسيس اسرائيل؟... لو قيل لشخص في بداية القرن الماضي أنه سيتم جمع يهود العالم في فلسطين، وسيطرد الفلسطينيون وستقام دولة لليهود مكانهم... ألم تكن هذه افكار طوباوية... الوعي والعمل والفرصة التاريخية اذا ما اجتمعت واستثمرت فإنها تصنع المعجزات.
شعوب متنوعة.. ومصالح مشتركة
*"الشرق" الذي تتحدث عنه يمتد من المغرب العربي غربا إلى أفغانستان شرقا، فكيف يمكن جمع شعوب كل تلك الدول بهوياتها الفرعية والدينية والطائفية والإثنية، لتنصهر في بوتقة ثقافية واحدة؟
- من الضروري فهم أن ما جاء في الكتاب المشروع.. أو في المشروع الكتاب.. لا يتحدث عن صهر للهويات، ولا حتى عن وحدة سياسة على الأقل في الأفق المرئي.. هو حديث عن تقارب، بل عن وعي بضرورة تقارب هذه الشعوب المتنوعة والمتعددة الهويات بمصالحها المشتركة على أمل أن يتطور ذلك الوعي باتجاه تجسيد شكل من اشكال التقارب والوحدة. وفي الطريق الى تجسيد ذلك، حتى وإن لم يتم ذلك التجسيد بالشكل المرجو، فإن مكاسب عديدة ستتحقق على الأرض من خلال عمليات التنسيق والتكامل والتعاضد بين هذه الشعوب.
لا يجري الحديث في المشروع عن صهر للهويات.. بل لا ضير حتى من التشبث بها اذا ما كان ذلك من خلال ما سماه الكتاب الهوية المتسامحة التي تحترم الآخر، ومستعدة للتعامل والتعاون معه تحت المظلة الهوياتية التي يتظلل بها الجميع على قدر من المساواة والندية وهي المظلة الشرقية.
يتحدث الكتاب عن حالة وعي بالمصالح المستندة على الجيواستراتيجيا.. بمعنى غير المتكئة على أي من الهويات، لذلك لا مجال للتمييز بين هوية وأخرى.
مرة أخرى تبرز تجربة الاتحاد الأوروبي الذي ضم الهويات المختلفة بل والمتصارعة تاريخيا بناء على ادراك المصالح، كذلك فإن التجربة التي مرت بها منطقتنا في ظل الامبراطوريات "الاسلامية" المختلفة كانت في كثير من جوانبها عظيمة حتى وهي تضم هويات مختلفة تحت مظلة واحدة.. في المظلة الشرقية التي نتحدث عنها لا يوجد أي بعد ايديولوجي أو قومي أو ديني يشعر من خلاله أحد أن هناك انحياز ما معه أو ضده على حساب الآخر. في هذه الحالة لا يتم التفكير بالتماثل على أنه الحالة التي تصنع الوحدة بل بالتكامل الذي يضم المختلفين والمتنوعين.
مشروع جديد للأمة
* تشير إلى ضرورة استبدال الهوية العروبية، بهوية جديدة للأمة، بعد تقهقر المشروع الناصري، عقب نكسة العام 1967 ، وفشل الدولة الوطنية العربية في "التحرر" من مشاريع الهيمنة للقوى الدولية، على ماذا تستند هذه الهوية الجديدة؟
يبدو أن هناك سوء فهم في هذا الموضوع، فلا حديث عن استبدال هوية بأخرى وإن كان الحديث يجري عن مشروع جديد للأمة هو مشروع "الشرق" بعد أن
وصل المشروع العروبي الناصري الى طريق مسدود رغم عظمته وتأثيره الكبير على أجيال عبر المنطقة كلها.
الكتاب (المشروع) لا يتحدث عن استبدال هوية بأخرى، ولا يدعو الى الغاء أية هوية مهما بدت فرعية، بل على العكس هو يتفهم التشبث بهذه الهويات.... الجديد الذي يتحدث عنه الكتاب في هذا المجال هو إيجاد الهوية "المتسامحة" حيث ينتمي الشخص لهويته وفي نفس الوقت يحترم انتماء الآخر لهويته أيضآ.
كما يتحدث الكتاب عن ضرورة تغيير الإتجاه في التعامل مع هذه الهويات مهما كانت من ناحية، ووضعها جميعا تحت مظلة "هوياتية" أوسع يمكنها استيعاب التعدد وهي المظلة الشرقية. هذه المظلة الشرقية تستوعب ( ولا تلغي ) العربي والكردي والامازيغي وكل مكونات الفضاء المقصود، وتساوي بين كافة الهويات مما يضعها في موقع احترامها لبعضها البعض.
أما الحديث عن تغيير الإتجاه في التعامل مع الهوية، فبدل أن يكون انتماءنا يذهب بنا من الهوية الأكبر الى الأصغر يصبح العكس ليذهب من الأصغر الى الأكبر، بحيث يكون سقف الجميع على اختلافاتهم هو الشرق الذي يضم كل شعوب هذه المنطقة الآن وفي المستقبل كما ضمها في الماضي.
ما ندعو له هو إيجاد وعي "حميد" بالهوية بدل الوعي " القاتل" لها.
المثقف الكلي
*من هو "المثقف الكلي"، الذي ترى أنه الوحيد القادر على حمل راية مشروع "تحرير الشرق" ؟
- جاءت فكرة المثقف الكلي في سياق صياغة مشروع "الشرق" الذي يتحدث عنه الكتاب، وهو ذلك المفكر الذي يحمل هموم شعوب المنطقة ويفكر بخلاصها الجماعي. هذا يتطلب أن لا يكون مثقف سلطة ولا حتى مثقف دولة متفردة... لأن التفرد في الشرق امعان في التبعية.
المثقف الكلي هو الذي نجح في القطيعة مع مجموعة الاصوليات الفكرية والايديولوجية والدينية والحزبية والدولتية.
هو المفكر في مرحلة صياغة المشروع التي تحتاج الى ابداع استثنائي وليس في ظل استقرار الفكرة والذهاب للبعد التطبيقي منها.. لا شك أن طبيعة هذا المثقف الذي يليق بحمل هكذا مشروع تحتاج الى مزيد من التأصيل.
القضية الفلسطينية والقوى الإمبريالية والصهيونية
*تستحوذ القضية الفلسطينية على حيز مهم من الكتاب، وتؤكد أنه لا يمكن الفكاك من القوى الإمبريالية والصهيونية وهزيمة مشاريعها في "الشرق"، بدون تحرير فلسطين، فكيف يمكن إعادة استنهاض روح المقاومة في بلادنا من جديد ؟
- يتحدث الكتاب عن وعي جديد بالمنطقة استنادا الى الجيواستراتيجيا كما سبق وقلنا.. في مشروع تحرير الشرق تحتل القضية الفلسطينية موقعا مركزيا. ففلسطين تم احتلالها اساسا للحيلولة دون تحرر الشرق، ولاستمرار الهيمنة عليه من قبل الامبريالية الغربية. لذلك فإن قضية فلسطين هي قضية مركزية لشعوب الشرق ليس فقط من باب الانتصار للحق الفلسطيني ولكن ايضا لضمان امكانية تحررها هي.... ان وقوف الشرقي مع فلسطين هو وقوفه مع نفسه قبل أن يكون تضامنا مع الشعب الفلسطيني في استرداد حقوقه.. فلسطين هي قضية حق وقضية جيواستراتيجيا للمنطقة في نفس الوقت. انطلاقا من هذا يمكننا فهم جوهر المشروع الصهيوني الذي يجب أن يقرر ذلك الفهم له جوهر استراتيجيتنا نحوه.
الكتاب يتحدث عن حالة وعي، عن
ضرورة إيجاد ثقافة تؤمن بوحدة مصير شعوب الشرق التي يعتبر تحرير فلسطين متطلبا اساسيا لوحدتها ولانعتاقها من الهيمنة الغربية
هذا الوعي ضروري لأي حراك قادم وهو اساس لأي فعل قادم بما فيه مقاومة الاحتلال الصهيوني والهيمنة الغربية ككل.
"الربيع العربي"
*بعد 12 عاما من إنطلاق ما يسمى "الربيع العربي"، وما شهدناه من أحداث دموية، وزيادة التفكك والتدخلات الإقليمية والدولية في بلادنا، كيف ترى المشهد في عالمنا العربي؟
كان الربيع العربي ملتبسا بين ثورة على الظلم والاستبداد وغياب الكرامة، وبين فوضى خلاقة أو غير خلاقة ارادتها الامبريالية الأمريكية والغربية عموما من أجل المزيد من الهيمنة على المنطقة.
بالطبع لم ينجح الربيع الثورة، ولم يكن بإمكانه أن ينجح في ظل غياب حامل اجتماعي حقيقي وقادر على قيادة الثورة.. فانتصرت الفوضى بنسب متفاوتة.. ليبيا وسوريا بشكلها الحاد، ومصر بشكل أقل حدة، وتونس حيث الوضع الأكثر التباسا.
أدى ذلك الى مزيد من التبعية لدى بعض البلدان والى مزيد من التخريب والتمزيق لبلدان أخرى.
وضع الدولة في المنطقة سيبقى مرشحا للتراجع إلا اذا ادركت شعوب المنطقة ودولها ضرورة تقاربها ووقوفها في وجه مضطهديها.
هرولة نحو التطبيع
*هل نستطيع خلق وعي حقيقي مقاوم لمشاريع "الإمبريالية" والحركة الصهيونية في منطقتنا، في ظل هرولة دول عربية نحو "التطبيع"؟
- الكتاب يعتبر أن الدولة في المنطقة صممت لتكون جزء من المشروع الآخر بشكل ما، إلا اذا ادركت الدولة ضرورة تحررها من هذا الوضع وذلك بتقاربها مع محيطها وادراك الأهمية الاستراتيجية لذلك التقارب وخطورة الذهاب لحالة الانعزال السلبي عن المحيط.
يفترض أن تطبيع بعض الدول مع إسرائيل يجعل الطريق واضحة أمام الشعوب لاتخاذ الموقف الأقرب الى المصلحة العليا للشعب
المشروع التركي
*تهاجم المشروع التركي في المنطقة، وتعتبر أنه يدفع إلى مزيد من الصراعات والحروب والتفكيك، وبأنه لا يختلف في وظيفته كثيرا عن المشروع الصهيوني، لكن بالمقابل أنصار الرئيس التركي أردوغان، في عالمنا العربي يرون عكس ذلك تماما، ويعتبرونه حاملا لراية الخلافة العثمانية، ومعيدا لامجاد الامة الإسلامية، بماذا تعلق على ذلك ؟
- الكتاب يقترح مشروعا للمنطقة يتمثل في خلق حالة من الوعي لدى شعوبها بضرورة ادراك مخاطر الهيمنة عليها وهي التي تحول دون تطورها الطبيعي، أي الادراك الذي يؤدي بالضرورة الى استيعاب مصالحها في التحرر من تلك الهيمنة، ذلك التحرر الذي يبدأ بالعمل على تقارب هذه الشعوب وتضامنها وتكاملها وربما في آخر المطاف وحدتها.
يحدد المشروع المنطقة بين المغرب وافغانستان كمنطقة جيواستراتيجية واحدة، ذلك الذي تعززه أبعاد أخرى أهمها الثقافية والحضارة. ضمن هذا التحديد فإن تركيا تشكل جزءا اصيلا من الجغرافيا التي يشملها هذا المشروع. وهي دولة كبيرة ومتطورة وقوية الى حد كبير.
لكن المشكلة بالنسبة لتركيا أن كثيرا من نخبها السياسية لا ترى نفسها جزءا من الشرق، وهي تبذل جهودا جبارة من أجل أن تتموضع مع الجانب الغربي، فهي بالإضافة الى كونها عضوا في الناتو حيث تشارك من هذا الموقع في قمع شعوب أخرى أكثرها شرقية، فهي سعت وتسعى للانضمام للإتحاد الأوروبي رغم رفضه العنصري لها لسنوات طويلة.
كما أن لتركيا علاقات متميزة مع إسرائيل منذ لحظة تأسيس الأخيرة.
العلاقات التركية الاسرائيلية أثبتت استمراريتها وتصاعدها ايا كانت طبيعة الحكم في أنقرة.. قومية أو اسلامية، وهي رغم ما يبدو من خطاب متضامن مع الفلسطينيين الا أن ذلك لا يوجد له أي تأثير على علاقات البلدين المتنامية.
اضافة الى الموقف غير المريح لتركيا من القضية الفلسطينية فهي لا تملك مشروعها الذاتي المستقل عن الغرب المهيمن على المنطقة.. فهي الدولة الثانية في حلف الناتو وهي التي حاولت وتحاول الدخول في الاتحاد الأوروبي... لذلك هي وإن تطلعت لقيادة المنطقة فإن ذلك يأتي في إطار تسويق نفسها مع المشروع الآخر.
إيران ومشروع الشرق
*تذهب باتجاه أن إيران هي الدولة الأقدر والأنسب على قيادة المشروع التحرري في الشرق، فهل يمكن ذلك مع حالة الاستقطاب المذهبي والطائفي والإثني الذي تعيشه المنطقة ؟
- الصحيح ان الكتاب يتحدث عن مشروع ثقافي في ضوء الجيواستراتيجيا.. بمعنى أنه لا يتحدث عن السياسة وسياسات الدول الا لتوضيح بعض الأمور فقط، والثقافة تستدعي الحديث اساسا عن المثقفين.
لكن الكتاب يوضح أنه في حالة ذهاب هذا المشروع الى وضع بحيث تهتم به دولة فإنه يتوجب أن تتصف تلك الدولة بصفتين تعتبران اساسيتين لقيادة مشروع الشرق.. هاتان الصفتان هما الموقف الجذري من القضية الفلسطينية، اذ
لا يمكن لدولة شرقية أن تقود مشروعا شرقيا بدون موقف واضح لا لبس فيه مع القضية الفلسطينية
والشرط الثاني هو ان يكون لهذه الدولة مشروعها الذاتي والمستقل خاصة عن الدول الكبرى..
هذان الشرطان متوفران في ايران.. لكن هناك بعض العوامل التي تؤثر سلبا على ذلك خاصة وضع النظام من الناحية الطائفية.. في هذه الحالة على ايران أن تطمئن الآخرين على توجهها لصالح جميع شعوب المنطقة.