صفاء الرمحي:ـ
يشهد الدولار الأمريكي ارتفاعًا ملحوظًا مقابل العملات الأخرى، وبينها الليرة التركية التي تراجعت بنسبة 10% من قيمتها أمام الدولار خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على الرغم من قوة الاقتصاد التركي والنجاحات التي حققها خلال العقد الماضي، على مستويات الاستثمارات الأجنبية والسياحة وعجز الموازنة.
وترجع أسباب الانخفاض بحسب اقتصاديون، إلى التوترات السياسية للبلدان المحيطة بها (سوريا والعراق) ومحاولة الانقلاب التي مرت بها البلاد، إضافة إلى القلق من السياسات الاقتصادية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، واستمر التراجع مع تصويت البرلمان الأوروبي على تجميد مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وسط قلق من الأوضاع السياسية والاقتصادية، وكل ذلك يترجم بالنهاية في الاقتصاد.
المؤامرة
رأى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن الركود الاقتصادي الذي تشهده السوق التركية خلال الفترة الأخيرة ناجم عن عوامل "نفسية واستفزازية"، ومحاولات جديدة لاستهداف الاقتصاد التركي، وقال بتصريحات صحفية: "الأطراف المعادية لتركيا تسعى في الوقت الراهن إلى النيل من الاقتصاد التركي من خلال المضاربة على صعيد العملات الأجنبية ومهاجمة قطاعي السياحة والتصدير".
ومن جانبه، قال أردال كاراغول الخبير الاقتصادي في مركز "سيتا" للدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أن سبب هبوط قيمة أي عملة مالية هو الاختلال بالاقتصاد أو تراكم الديون الخارجية أو الأزمات الداخلية، وهي ثلاثة عوامل لا تتوفر في تركيا، ما يعني أن تراجع الليرة يعود لأسباب سياسية خارجية.
اتفاقيات مع روسيا وإيران والصين
وكان الرئيس التركي أعلن أن بلاده ستسعى للتبادل التجاري مع روسيا وإيران والصين بالعملات المحلية. وأضاف في كلمة خلال افتتاح مشروعات في ولاية قيصري: "سنتخذ خطوات من أجل إجراء تجارتنا مع روسيا بالعملة المحلية، أي أننا في حال اشترينا شيئًا من هناك سنتعامل بعملتهم، وإن اشتروا منا شيئًا سيدفعون بعملتنا (..) سنتخذ خطوات مماثلة مع إيران والصين".
تحركات شعبية
ما إن حثَّ الرئيس التركي مواطني بلاده على تحويل العملات الأجنبية التي بحوزتهم إلى ليرة تركية، لإنقاذ العملة من انخفاض قيمتها، حتى جاء الرد سريعًا من قبل الشعب.
وسارع التجار بتشجيع المواطنين على تحويل العملات الأجنبية التي يملكونها مقابل جوائز عينية، إذ قدمت بعض المحال عروضًا طريفة مثل تقديم وجبة مجانية أو حلاقة مجانية، وقد قيل إن بعض المطاعم أعلنت عن "أطباق حلوى" مجانية لكل من يثبت تحويله الدولار إلى ليرة.
تصدر هاشتاغ #BozDoları والتي تعني (حوّل الدولار)، مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا، والذي استخدمه لإبراز الصور والمشاركة بالتعليق على الحملة الشعبية التي تفاعل بها الأتراك لحماية عملتهم.
تحركات حكومية
وعلى الصعيد الحكومي، حوّلت البورصة التركية في إسطنبول جميع أصولها النقدية إلى الليرة التركية، بينما قررت هيئة تنظيم أسواق الطاقة إجراء مناقصات توزيع الغاز الطبيعي بالعملة المحلية.
كما أعلنت شركة الخطوط الجوية الوطنية عن تحصيل أجور النقل والضرائب المترتبة على سفر الحجاج والمعتمرين بالليرة، في حين ألغت مؤسسة البريد والتلغراف الضريبة على تحويل العملة الأجنبية إلى الليرة، وقدمت تخفيضًا بنسبة 10% على مصاريف الشحن لكل من يحول عملة أجنبية إلى المحلية.
تبعتهم وزارة الدفاع فحولت موجودات صندوق دعم الصناعات الدفاعية، والتي تبلغ قيمتها 262.7 مليون دولار أميركي و31.1 مليون يورو إلى الليرة، وأعلنت أنها ستتعامل منذ الآن بالعملة المحلية فقط.
الليرة أمام الدولار
في عام 2007 وصل الدولار ليساوي 1.16 ليرة وهو من أعلى المستويات للعملة التركية أمام الدولار، بعدها انخفض في سبتمبر 2013 إلى 2 ليرة لكل دولار، ثم واصلت التراجع ليكسر حاجز الـ 3 ليرات لكل دولار، في سبتمبر من العام الماضي، واصل التراجع حتى 3.58، حتى لجأ الرئيس في الثامن من الشهر الجاري، إلى تحويل كل ما يملك من عملات أجنبية إلى الليرة التركية لدعم العملة الوطنية المتراجعة، بحسب تصريح للناطق باسم الرئيس، وجملة من التدابير الحكومية والشعبية التي حسنت وضعه بشكل نسبي ليصل اليوم لـ 3.48.