خبر عاجل

أكد جيش الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ ضربات جوية دقيقة استهدفت قيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في العاصمة القطرية الدوحة. من جهتها، أفادت مصادر قيادية في الحركة لوكالة الجزيرة بأن الاحتلال الإسرائيلي ...

انتخابات العراق و"لبننة" الحياة السياسية

تاريخ النشر: 27 فبراير 2014 - 12:17 GMT
البوابة
البوابة

تساؤلات مفصلية باتت تفرض نفسها على المشهد السياسي العام في العراق قبيل الانتخابات المقررة في نهاية شهر نيسان المقبل، حيث أنّ فرص إحداث تغييرات ملحّة في الهيكلية المأزومة التي رسمت ملامحها بريشة أجنبية أصبحت ممكنة التحقيق في حال تضافرت الظروف المناسبة.

وبدا واضحاً أنّ التركيبة السياسية العراقية ما بعد العام 2003، تمثل إلى حد ما، نسخة عن التجربة اللبنانية من حيث تقاسم المكونات الرئيسة لمقاليد السلطة السياسية. ففي العراق تسيطر مكونات اجتماعية مختلفة على المشهد العام للسلطة وعلى مفاصل العملية السياسية، في حين لا يختلف اثنان في أنّ الاستقطاب السياسي السلبي بات يثقل على المشهد العراقي الراهن، حيث أصبحت الحدود بين مكونات طائفية وبين مكونات هوياتية واضحة المعالم.

وتتفاعل اليوم ديناميكية العلاقات تلك بالتوازي مع سعي أطراف سياسية، ومن بينها "ائتلاف دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، للبقاء في سدة الحكم، وسط ابتعاد أطراف أخرى، كان أبرزها اعتزال زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر للعمل السياسي، إضافة إلى تحرك الأكراد نحو مستويات أعلى من الاستقلالية، وتشظي قوائم انتخابية لمكونات أساسية من المجتمع العراقي.

وشهد العراق خلال الأعوام الأخيرة، منذ سقوط النظام السابق، تحولات في معادلات توزيع السلطة بشكل جذري، حيث تولى مكونان أساسيان، هما الشيعة والأكراد، مناصب رفيعة، وأصبح مثلاً جلال الطالباني الرئيس الكردي الأول للعراق، في وقت عمت حالة القلق عند السنّة، حتى الذين لم يؤيدوا صدام باتوا قلقين على مستقبل تمثيلهم السياسي.

وتزداد الأمور قابلية للاشتعال بدخول البلاد في موسم انتخابات تشريعية. ومنذ الآن تعكس كتل عديدة مكونة للانتخابات تقسيماً على أساس انتماءات طائفية وهوياتية، أي أنّ إشارات حدوث تغيير تبدو شبه منعدمة.

كما أنّ البلاد ومنذ العام 2003 تعاني من معضلة الملف الأمني، حيث أن التفجيرات باتت تضرب البلد المتعدد الطوائف كل يوم، وهو أمر ينعكس بالتالي على المشهد السياسي المضطرب أصلاً.

ويرى عضو "التحالف الكردستاني" محمود عثمان أنّ المشهد السياسي في العراق لن يشهد تغييرا كبيراً. ويقول لـ"السفير" إنّ "الاستقطاب الطائفي والتشكيل الجغرافي هو السائد والحكم بأي عملية تغيير قد تشهدها الساحة السياسية صعب".

من جهته، يقول الخبير القانوني وائل عبد اللطيف، وهو احد الأشخاص الذين كتبوا الدستور العراقي الحالي، إنّ "ما تشهده العملية السياسية من تصدعات ما هي إلا نتاج حكومة المحاصصة أو كما تسمى بالشراكة، الأمر الذي جعل الجو العام متراجعا وسيئا".

ويتساءل في حديث إلى "السفير"، "ما الذي جعل النظام السياسي في العراق من أسوأ أنظمة المنطقة ويتصدر مراتب العالم بفساده؟"، مضيفاً "لا أرى إجابة لذلك سوى أنّ المتصدين للعملية السياسية هم السبب".

ويعتبر عبد اللطيف أنّ القوى السياسية المهيمنة سجلت "فشلاً كبيراً" في قيادة الدولة "وأمام الشعب العراقي فرصة ذهبية لإحداث التغيير، ونأمل أن تكون الانتخابات شفافة، ونأمل أن تكون الحكومة المقبلة تكنوقراط بعيدة عن الأحزاب السياسية المؤدجلة وتقتصر على 15 وزيراً كما نص على ذلك الدستور، لا أن يكون توسيعها ترضية للكتل والقوى السياسية".

ويصرّ الخبير القانوني العراقي في حديثه على أنّ المشهد "منذ العام 2003 وإلى الآن أشار بوضوح إلى أنّ الدول الإقليمية تساهم في المشهد السياسي، فالعراق ممزق، وابتعدنا عن دولة المواطنة واتجهنا إلى دولة مكونات، وابتعدنا عن الوحدة الاجتماعية وبدأنا نتأثر بالتغيرات الإقليمية، وهذا ما جعل العملية السياسية فاشلة".

ويعمد السياسيون العراقيون مع اشتداد الأزمات في البلاد إلى التوجه إلى ما يسمى بـ"المحور الأميركي ـ الإيراني"، حيث يرى كثيرون أنّ لهاتين الدولتين التأثير الأكبر على القرار في العراق.

ولعل رئيس الوزراء لدورتين متتاليتين نوري المالكي من أكثر السياسيين الذين استطاعوا الجمع بين الدعم الأميركي والإيراني، وهو ما يعزز إمكانية بقائه لدورة ثالثة.

ويقول سلمان الموسوي، وهو نائب في تكتل "ائتلاف دولة القانون" الذي يتزعمه المالكي، لـ"السفير" إنّ "الحكومة المقبلة ستكون حكومة غالبية سياسية"، موضحاً أنّ "الشارع العراقي بات اليوم يميل إلى حكومة الغالبية بعدما لاحظ الصراعات والمشاكل التي رافقت حكومات الشراكة".

ويضيف أنّ "اليوم الفرصة مواتية لهذا التوجه. وفي الأنظمة الديموقراطية فإنّ الغالبية تشكل الحكومة، وأنا لا اقصد بذلك أغلبية المكون الشيعي، إنما الغالبية العددية التي ستفرزها الانتخابات".

ويعلّق الخبير القانوني وائل عبد اللطيف على ما ذهب إليه الموسوي، قائلاً إنّ "دولة القانون لن تستطيع تحقيق ذلك (حكومة غالبية)، لأنهم تعلموا على حكومة المحاصصات". ويتابع أنه "في الواقع فإنّ الغالبية السياسية هي غالبية شيعية، لكنها غير منسجمة، بدليل أنّ التحالف الوطني انخرط عقده بعد اختيار المالكي بإرادة أجنبية، وعملت دولتان على هذا. أما طرف المعادلة الثالث وهم السنة، يجدون أنفسهم اليوم (مبعثرين) بين الكيانات السياسية التي عجزت عن الاستمرار بتشكيلة معينة".

بدوره، يحذر رئيس البرلمان العراقي اسامة النجيفي من أنّ الانتخابات قد تستغل لزيادة تهميش مكون رئيسي محبط أصلا ويشعر باستياء إزاء ما يصفه بالمعاملة غير العادلة من جانب الحكومة. ويشير كذلك إلى أن سوء الأوضاع الأمنية قد يمثل مشكلة للانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في 30 نيسان المقبل. ويقول "إذا ساءت الأوضاع الأمنية فقد تؤجل الانتخابات أو أن تجرى في ظل ظروف غير مواتية".

وبالرغم من أنّ تعاون الحكومة برئاسة نوري المالكي مع بعض رجال القبائل قد شجع هؤلاء على الانخراط في العملية الانتخابية المقبلة، فإنّ الصراع في الانبار سلط الضوء على المخاوف بشأن المسار العراقي بعد عامين من استكمال الولايات المتحدة انسحابها العسكري.

من جهته، يرى المحلل السياسي إحسان الشمري أنّ المشهد السياسي ما قبل الانتخابات يسوده الإرباك نتيجة أنّ الكتل السياسية فقدت الكثير من قاعدتها الجماهيرية بسبب ضعف الأداء السياسي وقلة ما تم انجازه. ويقول لـ"السفير" إنّ ذلك "ولّد تهديدا للمستقبل السياسي لهذه الأحزاب وأخذت تعمد على مبدأ التسقيط السياسي الذي انعكس بشكل مباشر على كافة الملفات الأخرى"، مضيفاً في الوقت ذاته أنّ "الملف الأمني ساهم وفاقم من إرباك الأوضاع لاسيما أنّ هناك متلازمة مابين الملفين السياسي والأمني".

ويشير الشمري كذلك إلى أمر آخر له أهميته على الساحة السياسية العراقية، حيث يقول إنّ "المتغير بانسحاب (مقتدى) الصدر أعطى مؤشرا لي بأنّ مفهوم اللاعبين الأقوياء هو من يحكم المشهد السياسي القادم لاسيما أنّ هناك رغبة أميركية بهذا الخصوص وإيجاد شراكة للأقوياء فقط وإبعاد بعض الأطراف الأخرى التي قد تعرقل بعض المشروعات وقد يكون هذا ما أدركه الصدر ففضل الانسحاب". ويقول إن "أمراء الطوائف السياسيين هم من سيتحكمون بالمشهد السياسي المقبل وبمباركة أميركية - إيرانية نسجت خيوطها منذ الزيارات إلى طهران وواشنطن".