ندّد مجلس الأمن الدولي بشدة بالهجوم الذي شنّته قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر في إقليم دارفور، معبّراً عن قلقه العميق من التقارير التي تتحدث عن انتهاكات جسيمة بحق المدنيين، في وقت أعلنت فيه محكمة الجنايات الدولية أنها تتحقق من ارتكاب جرائم حرب محتملة في شمال دارفور.
وجاءت إدانة مجلس الأمن في بيان صدر عقب جلسة طارئة خصصها لمناقشة الأوضاع المتدهورة في السودان، حيث وصف المجلس الهجوم على الفاشر بأنه خلّف آثاراً مدمّرة على السكان المدنيين، مؤكداً أن الفظائع المنسوبة إلى قوات الدعم السريع تشمل الإعدامات الميدانية، والاعتقالات التعسفية، والانتهاكات ذات الطابع العرقي.
ودعا المجلس أطراف الصراع كافة إلى الالتزام الفوري بوقف إطلاق النار وتنفيذ القرار 2736، الذي ينص على رفع الحصار عن الفاشر ووقف القتال، إضافة إلى حماية العاملين في المجال الإنساني وتأمين ممرات آمنة للمدنيين الفارين من المدينة. كما شدد على ضرورة امتناع الدول عن أي تدخل خارجي يسهم في تأجيج الصراع داخل السودان، ورفض إنشاء أي سلطة موازية في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع.
وخلال الجلسة، حذر مسؤولون أمميون من أزمة مجاعة تضرب أكثر من 40% من سكان السودان، مشيرين إلى أن البلاد تواجه خطر الانهيار والفوضى الإنسانية إذا لم يتحرك المجتمع الدولي سريعاً. كما طالبوا بفتح ممرات آمنة لتوصيل المساعدات ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة ضد المدنيين.
وفي السياق نفسه، أكد مكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية للجزيرة أن هناك "أسباباً معقولة للاعتقاد بأن جرائم تدخل ضمن اختصاص المحكمة تُرتكب حالياً في دارفور"، معرباً عن قلقه البالغ من الهجمات الواسعة الجارية في الفاشر، ومؤكداً استمرار جمع الأدلة وتوثيق الانتهاكات بالتعاون مع جهات محلية ودولية.
وخلال الجلسة، قالت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة إن "الوضع في السودان فوضوي، ولا منطقة فيه بعيدة عن الخطر"، مؤكدة أن مخاطر ارتكاب فظائع جماعية مرتفعة للغاية، لا سيما في مدينة الفاشر. وأشارت إلى أن تقدير عدد الضحايا المدنيين أصبح أمراً بالغ الصعوبة في ظل تصاعد العنف، لافتة إلى تقارير تتحدث عن جرائم جديدة ارتكبتها قوات الدعم السريع في مدينة بارا بشمال كردفان.
من جانبه، اتهم مندوب السودان لدى الأمم المتحدة قوات الدعم السريع بارتكاب "إبادة جماعية ممنهجة" ضد سكان الفاشر، قائلاً إن المدنيين هناك إما قُتلوا في منازلهم أو أثناء نزوحهم. وأكد أن هذه القوات ليست سوى امتداد لمليشيا الجنجويد، وتستمد قوتها من الذهب المنهوب في دارفور ومن دعم مرتزقة أجانب، داعياً مجلس الأمن إلى تصنيفها منظمة إرهابية ونزع سلاحها ومحاسبة داعميها.
وفي مداخلته، وصف المندوب الجزائري لدى الأمم المتحدة ما يحدث في الفاشر بأنه "تطور خطير نحو تقسيم السودان"، مؤكداً أن التقارير الواردة من الميدان "مروعة"، وأن المدينة "تنزف وتحتاج إلى عدالة واستجابة عاجلة من المجتمع الدولي". وشدد على أن قوات الدعم السريع يجب ألا تفلت من العقاب، وأن سلبية المجتمع الدولي ساهمت في تفاقم المأساة.
كما قالت مندوبة الدانمارك إن "الصورة القادمة من السودان قاتمة"، مشيرة إلى أن نداءات الشعب السوداني قوبلت بالصمت، فيما تواصل قوات الدعم السريع ارتكاب الفظائع دون مساءلة. وطالبت بتحقيق العدالة وتأمين وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين.
من جهته، أكد المندوب البريطاني أنه "لا حل عسكرياً للأزمة السودانية"، داعياً إلى السماح الفوري بدخول المساعدات إلى الفاشر دون عوائق، ومشدداً على أن استمرار القتال لن يؤدي إلا إلى تعميق معاناة الشعب السوداني.