اعتبرت المعارضة الديمقراطية اللجنة التي عينها الرئيس الاميركي جورج بوش للتحقيق في معلومات أجهزة الاستخبارات حول العراق قبل الحرب منحازة ومهمتها محدودة، فيما اكد وزير الخارجية كولن باول ان بلاده لن تقدم أي اعتذار الى مجلس الامن عن المعلومات التي قدمتها اليه قبيل الحرب.
وقالت زعيمة الاقلية الديموقراطية في مجلس النواب نانسي بيلوسي تعقيبا على تشكيلة اللجنة "كانت لنا فرصة لتشكيل لجنة مستقلة فعلا يمكن ان تقدم نظرة جديدة حول المسألة ولكن عوضا عن ذلك نحن امام لجنة تشرف عليها السلطة التنفيذية كليا لاجراء تحقيق حول السلطة التنفيذية".
واضافت في بيان ان "لجنة عين جميع اعضائها الرئيس جورج بوش للتحقيق في خلل الادارة في العراق ليست ذات طبيعة توحي بالثقة".
اما زعيم الاقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ توم داشل فقد اعتبر ان "الرئيس لا يتيح للجنة بحث العدد الكبير من الاسئلة التي يطرحها ملايين الاميركيين حول تصريحات واعمال الادارة قبل الحرب على العراق".
واشار الى انه "بامكان اللجنة ان تنجز عملا مفيدا حول مسائل الاستخبارات".
وكان بوش شكل الجمعة، وتحت وطأة ضغوط سياسية قوية، لجنة للتحقيق في اخفاقات تقارير المخابرات التي استخدمت لتبرير الحرب على العراق وامهل اللجنة الى ما بعد انتخابات الرئاسة في تشرين الثاني/نوفمبر لتقديم تقريرها.
وعين بوش رئيسين للجنة هما حاكم فرجينيا السابق السناتور تشارلز روب وهو ديمقراطي والقاضي بمحكمة الاستئناف لورانس سيلبرمان وهو جمهوري.
وفي لقاء نظم على عجل بقاعة المؤتمرات الصحفية بالبيت الابيض قال بوش ان اللجنة سوف "تبحث في قدرات المخابرات الاميركية وخاصة معلوماتنا الاستخبارية المتعلقة باسلحة الدمار الشامل."
واشار بوش الى ان ديفيد كاي رئيس لجنة التفتيش السابق على الاسلحة في العراق لم يكن باستطاعته تأكيد معلومات المخابرات قبل الحرب بان العراق يمتلك مخزونات من اسلحة الدمار الشامل.
وقال بوش "نحن مصممون على ان نفهم لماذا..نحن ايضا مصممون على ان نتأكد من ان المخابرات الاميركية تلتزم بالدقة الى اقصى قدر ممكن امام كل تحد تواجهه في المستقبل."
ومنح بوش اللجنة حتى 31 اذار/مارس 2005 لتقدم تقريرها مما يعني ان نتائج التحقيق لن تعرف قبل اجراء الانتخابات في تشرين الثاني/نوفمبر القادم، على عكس ما يريده الديمقراطيون.
واعلن بوش ايضا تعيين اعضاء باللجنة وهم السناتور الجمهوري جون ماكين ولويد كاتلر الذي عمل مستشارا بالبيت الابيض للرؤساء الديمقراطيين السابقين بيل كلينتون وجيمي كارتر وايضا رئيس جامعة ييل ريتشارد ليفين والاميرال وليام ستوديمان النائب السابق لمدير وكالة المخابرات المركزية والقاضي السابق بات والد.
ويرغب الديمقراطيون ان تحقق اللجنة فيما اذا كانت ادارة بوش قد ضخمت في المعلومات التي قدمتها وكالة المخابرات المركزية لحشد الاراء ضد العراق.
وشدد بوش في تصريحاته بالبيت الابيض على انه يشعر ان قراره بخوض الحرب ضد العراق كان القرار الصائب بغض النظر عن قضايا المخابرات فيما بعد عملية الغزو.
واضاف بوش "في العراق طبقت اميركا والتحالف المطالب التي حددها المجتمع الدولي بوضوح وهي ان يبرهن نظام عنيف هناك على انه نزع اسلحته. وفيما بعد 11 (ايلول) سبتمبر 2001 فلن اجازف بارواح وامن الشعب الاميركي بان افترض حسن النوايا لدى قادة الانظمة الديكتاتورية."
باول: لا حاجة لتقديم اعتذار
ولجهته، اكد وزير الخارجية الاميركي كولن باول الجمعة ان بلاده لن تقدم أي اعتذار الى مجلس الامن الدولي بشأن نوعية معلومات المخابرات التي استخدمتها في محاولة اقناعه قبل عام بضرورة غزو العراق.
ومثل باول الذي كان مزودا بصور أقمار صناعية ورسوم بيانية وتسجيلات صوتية لاتصالات تم التقاطها أمام مجلس الامن الدولي في الخامس من شباط/فبراير عام 2003 لاقامة الحجة على ان العراق يمتلك مخزونات من الاسلحة الكيماوية والبيولوجية وانه أعاد بناء برنامجه للأسلحة النووية ويقوم ببناء صواريخ متقدمة.
ولكن لم يتم العثور بعد ذلك على مخزونات أسلحة ولم يعثر على دليل على ان بغداد تحاول مجددا امتلاك أسلحة نووية.
وبعد مرور عام ويوم واحد سُئل باول عما اذا كانت واشنطن مدينة باعتذار لمجلس الأمن الدولي بشأن تفسيراته أو مااذا كان مسؤولو المخابرات الاميركيون مدينين له باعتذار على المادة التي قدموها له فقال " لا أعتقد بضرورة تقديم أي اعتذارات ."
وقال ان كلمته أمام مجلس الأمن الدولي وكلمة ألقاها الرئيس بوش بشأن العراق أمام الجمعية العامة للامم المتحدة في ايلول/سبتمبر عام 2002 وقرار الرئيس بدخول الحرب قامت على "أساس قوي من المشورة وأساس قوي من المعلومات."
واضاف "قاعدة معلومات المخابرات التي استند عليها قرارنا كانت قاعدة قوية.
غير ان امين عام الامم المتحدة، كوفي انان اكد ان استخدام معلومات مخابرات غير دقيقة على ما يبدو في مناقشات قضية العراق سبب على الأرجح "ضررا قد يستغرق إصلاحه بعض الوقت".
وقال انان للصحفيين خلال زيارة باول لمقر الامم المتحدة لجمع أموال لليبيريا "الناس سيكونون متشككين جدا عندما يكلمهم المرء عن المخابرات وسيكونون متشككين جدا عندما نحاول استخدام معلومات مخابرات لتبرير أفعال معينة."
سي أي ايه ترفض التحول لكبش فداء
وفي هذه الاثناء، فقد سعى رئيس وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) جورج تينيت الى تجنيب الهيئة التي يرئسها ان تكون كبش فداء في الجدل الدائر حول اسلحة الدمار الشامل العراقية، كما حرص على الدفاع عن الرئيس بوش.
وفي واحدة من مداخلاته النادرة، دافع تينيت الذي يرئس منذ سبع سنوات تقريبا وكالة الاستخبارات عن هذه المؤسسة، مؤكدا منذ بداية كلمته انها لم تؤكد يوما ان اسلحة الدمار الشامل العراقية تشكل "خطرا وشيكا".
لكنه لم يبلغ حد انتقاد دخول الولايات المتحدة الحرب على العراق على اساس هذا التأكيد الذي صدر عن ادارة بوش، وهو ما كان يرغب فيه الديموقراطيون او غيرهم ممن ينتقدون الحرب.
فقد حاول تينيت في كلمته في جامعة جورج تاون الدفاع عن ادارة بوش ونفى تعرض وكالة الاستخبارات لاي ضغوط سياسية للمبالغة في الحديث عن التهديد الذي تشكله اسلحة الدمار الشامل العراقية.
وقال "لم يقل لنا احد ما علينا ان نذكره وكيف نذكره".
واضاف "اؤكد لكم ان رئيس الولايات المتحدة يتلقى معلوماته من مجموعة واحدة ومن شخص واحد هو انا شخصيا وقال لي بحزم وبوضوح انه يريد الحقائق الخالصة وليس معلومات موجهة".
ولكن تينيت اعترف بوجود بعض الثغرات في جمع المعلومات حول العراق، وخصوصا نقص "عناصر الاستخبارات البشرية" اي الجواسيس على الارض.
كما اقر بان بعض المعلومات الاستخباراتية التي تبين لاحقا انها خاطئة، ابقت عليها وكالة الاستخبارات. كما اقر بان الوكالة بالغت في تقديرها للقدرات النووية لنظام صدام حسين.
ورأى فينسنت كانيسترارو المسؤول السابق في مكافحة الارهاب في وكالة الاستخبارات المركزية ان "الاعتراف بان معلومات خاطئة صادرة عن اجهزة استخبارات اجنبية ادرجت في تقرير سي آي ايه، امر خطير جدا".
لكن هذه الثغرات وحدها لا تفسر على ما يبدو الاختلاف بين الصورة التي قدمتها الادارة الاميركية عن الوضع قبل الحرب وعدم العثور على اسلحة دمار شامل في العراق.
يذكر ان تينيت (51 عاما)، رجل مخابرات محنك صاحب خبرة متينة في هذا المجال، عينه في هذا المنصب الرئيس الديمقراطي السابق بيل كلينتون وابقته فيه ادارة الرئيس الجمهوري جورج بوش.
وتينت الذي يرأس "سي آي ايه" منذ آذار/مارس 1997 عرف بمهارته في التفاوض والمامه بخفايا الامور في عالم الاستخبارات وقد دافع عن اجهزته امس الخميس بشان الملف العراقي كما قام ايضا بمساع حميدة في النزاع الاسرائيلي الفلسطيني لاسيما في المجال الامني.
ومنذ سبع سنين تطلق على جورج تينيت الذي خط الشيب رأسه وصاحب القامة المربوعة في واشنطن تسمية "كبير الجواسيس" هو المعروف بحبه للمرح وبانه رياضي ومنفتح تروق له صحبة الفتيات ويعشق احداث الساعة.
لكنه اجتاز مراحل عاصفة في حياته المهنية وتخطى دعوات كثيرة لاستقالته لاسيما غداة اعتداءات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر 2001.—(البوابة)—(مصادر متعددة)