تزايدت التوترات بين القوات الثورية الجديدة في ليبيا واهالي اعضاء قوات الامن التابعة للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، بسبب مركز اعتقال كان سريا في العهد السابق حيث يحتجز حكام البلاد الجدد مسؤولين أمنيين يقال إنهم من النظام القديم.
فقد دخلت مظاهرة لأهالي المعتقلين يومها الثاني خارج سجن طرابلس المؤقت الثلاثاء. ويتهم الأهالي قوات الأمن التابعة للمجلس العسكري في طرابلس بإساءة معاملة السجناء مثلما حدث مع السجناء في ظل النظام السابق. وتجادلت الأمهات والزوجات الغاضبات مع حراس السجن لمعرفة بموجب أي قانون تم اعتقال ذويهم ومن المسؤول عن مصيرهم وجاء رد أحدهم بأن كل الذين في السجن أيديهم ملطخة بالدماء وأنهم خانوا الثورة. وأشارت صحيفة 'وول ستريت جورنال' إلى أن مشاهد مماثلة لا تُحصى حدثت إبان حكم القذافي الذي دام 42 سنة. والآن تبادل السجان والمسجون الأدوار.
وقالت إن ثوار ليبيا السابقين يواجهون تحديات وهم يكافحون لبناء مؤسسات مدنية عاملة مثل قوات الشرطة والمحاكم. وهناك فجوة بين القادة المدنيين -الذين وعدوا بمواصلة المصالحة مع مؤيدي النظام السابق- والقوات المسلحة التي تنفذ صيغة أخشن للعدالة في الشوارع.
وأضافت الصحيفة أن صدامات محدودة تنشب كل ليلة في العاصمة وتفيد التقارير بتزايد الاعتقالات رغم أن السلطات الليبية لم تنشر أي أرقام.
ويعتبر أهالي المعتقلين أنفسهم حالات اختبار للكيفية التي سيتكشف بها الواقع الليبي الجديد وما إذا كانت الشفافية والنزاهة وحكم القانون يمكن أن يترسخ.
وأقر عدد من المحتجين بأن ذويهم كانوا يشغلون مناصب داخل جهاز أمن القذافي. لكن ما ظل مجهولا لهم هو سبب اعتقالهم وماهية الأدلة التي صُنفوا على أساسها بأنهم يشكلون تهديدا أمنيا ومن الذي وقع أوامر اعتقالهم؟ وقد أدى الإحباط وقلة الأجوبة إلى اندلاع هذا الاحتجاج يوم الاثنين الماضي.
ويذكر أن المحتجين وحراس السجن تبادلا الاتهامات والادعاءات حيث اتهم المتظاهرون الحراس بتعذيب ذويهم في حين رد الحراس على هذه الادعاءات بأن هؤلاء الناس ليسوا أبرياء وأن بعضهم كان شاهدا على مقتل نحو ألفي سجين في التسعينيات وآخر وشى لجواسيس القذافي بالأوقات التي كان يذهب فيها الناس للصلاة في المسجد.
الى ذلك وجه مسئول ليبي دعوة إلى منظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات الحقوقية الدولية أو الإقليمية لزيارة البلاد من أجل الإطلاع على ظروف اعتقال ومحاكمة بغدادي المحمودي رئيس الوزراء السابق الذي قضت محكمة تونسية بتسليمه إلى العدالة الليبية.
وقال عبد المجيد سعد وكيل نيابة بمكتب النائب العام في ليبيا لوكالة الأنباء الألمانية 'د.ب.أ': 'بإمكان العفو الدولية، وأي منظمة حقوقية أخرى، زيارة ليبيا في أي وقت ودون سابق إعلام للإطلاع على ظروف اعتقال ومحاكمة المحمودي وغيره من رموز نظام معمر القذافي'.
وأضاف أن القضاء الليبي 'لن يظلم أيا من هؤلاء وسيتعامل معهم كمواطنين ليبيين مهما كانت التهم الموجهة إليهم حتى وإن كانت القتل وسيوفر لهم جميع ضمانات المحاكمة العادلة'، لافتا إلى أن ليبيا 'ستقيم الدليل على نموذج للعدالة الانتقالية' عند محاكمة رموز نظام معمر القذافي.
وذكر أن كبار معاوني القذافي المعتقلين حاليا في ليبيا يقيمون في 'ظروف صحية' داخل سجون تابعة لوزارة العدل وتخضع للإشراف المباشر للنائب العام الليبي وأنه 'بإمكان أي منظمات حقوقية دولية الإطلاع على ظروف اعتقالهم ومتابعة محاكمتهم'. ولاحظ أن هؤلاء 'يتمتعون داخل السجن بكل وسائل العيش التي كانوا يتمتعون بها في منازلهم' خلال فترة حكم القذافي.
وقال إن من بينهم عبد العاطي العبيدي وزير الخارجية السابق ومنصور ضو قائد الكتائب الأمنية للقذافي 'الذي ساهم بشكل مباشر في قتل وقمع الليبيين' وأبو زيد دورة رئيس جهاز مخابرات القذافي ومحمد الزوي رئيس البرلمان وأحمد ابراهيم وزير التعليم العالي السابق. وحول التهم الموجهة إلى بغدادي المحمودي صرح المسئول الليبي بأنها تتمثل في اختلاس 550 مليون دينار ليبي (حوالي 275 مليون يورو) من صندوق التشغيل الليبي خلال الفترة ما بين 2004 و2006 وفي سحب أموال طائلة من البنك المركزي الليبي (لم يحدد قيمتها) خلال الأشهر الأخيرة من حكم القذافي.
وأوضح أن المحمودي أذن بصرف هذه الأموال (550 مليون دينار) إلى أحمد ابراهيم (وزير التعليم العالي السابق) وعائلته، وموسى ابراهيم الناطق الرسمي باسم القذافي، ومعتوق محمد معتوق وزير القوى العاملة السابق، وإلى عائلة عبد الله السنوسي (الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات) وأشقائه.
وذكر بأن صندوق التشغيل انشئ ليساعد الفقراء على بعث مشاريع يعيشون منها وأن معاوني القذافي ليسوا من الفئات التي يحق لها الاستفادة من دخل هذا الصندوق.
وأضاف أن أهداف الصندوق تتمثل في تقديم مساعدات عينية فقط لبعث المشاريع مثل الآلات وغيرها إلا أن المحمودي استغل نفوذه وأمر بصرف أموال من موازنة الصندوق لمعاوني القذافي المذكورين.
يذكر أن منظمة العفو الدولية دعت تونس إلى عدم تسليم المحمودي إلى ليبيا خشية تعرضه إلى التعذيب أو المعاملة السيئة بعد مقتل معمر القذافي.
وقضت محكمة الاستئناف في العاصمة تونس الثلاثاء بتسليم المحمودي (66 عاما) المعتقل في تونس منذ يوم 21 أيلول/سبتمبر الماضي، إلى العدالة الليبية.
وقال محامون لـ 'د.ب.أ' إن 'العدالة الليبية ممثلة في وزير العدل والنائب العام قدمت لنظيرتها التونسية التزاما كتابيا بحسن معاملة المحمودي وتوفير ضمانات المحاكمة العادلة له'.
وأوضحوا أن 'الالتزام يتضمن خمس نقاط تتعلق بالمعاملة الحسنة للمحمودي، والاحتفاظ به في الوحدات السجنية التابعة لوزارة العدل الليبية، وعدم تسليمه إلى أي جهة أخرى، وتمكين محاميه والمنظمات الحقوقية الدولية من الدفاع عنه ومن معاينة ظروف اعتقاله، وإخلاء سبيله في صورة عدم ثبوت التهم الموجهة إليه'.
كانت تونس اعتقلت المحمودي واثنين من مرافقيه يوم 21أيلول/سبتمبر الماضي ببلدة 'تمغزة' التابعة لمحافظة توزر الحدودية مع الجزائر المجاورة.
وكان الثلاثة يحاولون ساعة اعتقالهم التسلل إلى التراب الجزائري على متن سيارة رباعية الدفع.