رائد جبر
دخلت التطورات حول القرم مرحلة حاسمة بالنسبة إلى تحديد مستقبل الاقليم مع ما يتبع ذلك من اعادة رسم ملامح العلاقة الاوكرانية مع روسيا خصوصاً، وعلى نحو أعم مع الفضاء السوفياتي أو برنامج «التكامل الاوروآسيوي» الذي عملت موسكو طويلاً على توطيد أركانه.
ويبدو السؤال مشروعاً عن الآلية المتسارعة لتطور الاحداث التي شهدتها اوكرانيا وجعلت حسم ملفات ظلت عالقة طويلاً ممكناً في غضون ايام معدودة. الامر الذي دفع خبراء في اوكرانيا وروسيا إلى طرح تساؤل: هل كانت ثمة سيناريوات مُعدّة سلفاً وتم دفعها بسرعة في لحظة مصيرية؟
لا تكمن الاجابة عن السؤال في ميدان الاستقلال في وسط كييف وحده على رغم انه يمتلك بعض الاجوبة عن النقاط التي قد تظل لفترة طويلة حبيسة أدراج السياسيين وممنوعة من التداول في الاعلام.
مندوب صحيففة «الحياة» زار كييف، في محاولة لتجميع صورة كاملة لمشهد ما زالت أركانه لم تكتمل تماماً، وما زال يشي بتطورات جديدة.
< من النظرة الأولى يمكن تلمس الفرق الهائل بين حال الميدان الذي شهد في العام 2004 «الثورة البرتقالية» التي اطاحت حليف روسيا فيكتور يانوكوفيتش وسلّمت مقاليد الأمور إلى خصمه السياسي اللدود فيكتور يوتشينكو.
فالميدان الذي غدا عنصراً سياسياً ضاغطاً على مدى السنوات العشر الماضية تحولت ملامحه بقوة، والمتاريس الضخمة التي تحيط به من كل جانب ومشهد السيارات العسكرية المحطمة حوله، اضافة إلى حجم الدمار المحيط، من مبنى النقابات الضخم الذي تم احراقه تماماً بعدما حوّله المحتجون لفترة إلى غرفة عمليات ميدانية، إلى العدد الهائل من اطارات الشاحنات التي تحولت سواتر في بعض المناطق لصد الطلقات النارية عن المختبئين خلفها، إلى ما تبقى من طرق كانت مفروشة بحجر اسود انيق تم خلع أكثره وتكسيره ليتحول إلى اسلحة بيد المحتجين أو إلى سواتر حجرية في بعض الاماكن.
كل ما في الميدان وما حوله يوحي بأن المنطقة تحولت إلى ساحة حرب حقيقية، خلافاً لما كان عليه الحال في العام 2004 عندما كان الميدان يفاخر بأنه لم يشهد اطلاق رصاصة واحدة.
أيضاً تغيرت ملامح الخيم التي نصبت في الميدان كما تغيرت ملامح ساكنيها وألوان الأعلام التي ترفرف فوقها.
إذ لم يسبق للمعارضين في اوكرانيا ان شكلوا لجاناً شبه عسكرية لحماية اعتصاماتهم، ويكاد اللون الكاكي يكون غالباً على سكان المخيمات المنصوبة في الميدان، وعلى رغم غياب مظاهر السلاح، لكن الاسلحة البديلة ظهرت في ايدي كثيرين منهم وهي مكونة غالباً من العصي وسلاسل الحديد.
وفي حين كان ميدان «الثورة البرتقالية» مطبوعاً بلوني التيارين المتصارعين، الأزرق لأنصار يانوكوفيتش وناشطي حزب «الاقاليم»، و «البرتقالي» لأنصار يوتشينكو ومؤيدي التيار الليبرالي الديموقراطي الساعي الى التقارب مع اوروبا، فإن خليط الالوان والشعارات المرفوعة في ميدان الاستقلال الذي انقلب اسمه في 2014 ليغدو ميدان اوروبا يفاجئ المراقب.
وإضافة إلى العلم الاوكراني المقسم بين اللونين الاصفر والازرق، ثمة تظاهرة لأعلام حزبية لم تكن ظهرت في السابق، وقد تكون هذه اولى الملامح المميزة للتطورات الجارية في اوكرانيا، لأن زمام المبادرة في الشارع غدا بيد احزاب قومية يقودها ناشطون شباب ضاقوا بالاحزاب التقليدية التي يتهمونها بالتسبب في وصول البلاد إلى حافة الجوع والدمار الاقتصادي.
تشكل معرفة خريطة الاحزاب السياسية الفاعلة حالياً في اوكرانيا مدخلاً لفهم حجم التغيرات الكبرى التي طرأت على المجتمع الاوكراني خلال العقد المنصرم، وأدت الى تغير أداء السلطات مع المعارضة كما تأثرت بالوضع من حول اوكرانيا وخصوصاً في روسيا التي غدت بلداً مختلفاً «اقوى وأكثر عدوانية واستعداداً لمواجهة قاسية دفاعاً عن مصالحه»، كما يقول سيرغي بيلكو أحد ناشطي حزب «اودار».
بداية، يفسر بيلكو انجرار السلطة إلى فتح مواجهة عنيفة مع المعارضين خلافاً للمشهد الاوكراني في السابق، بإدراك الرئيس يانوكوفيتش أن المعركة هذه المرة حاسمة لجهة تحديد مصيره مع فريق واسع من «حيتان المال» و«طبقة المستفيدين» التي ترعرت حوله.
كما ان الدعم القوي الذي حصل عليه من موسكو لم يكن ليقدم في ظروف مختلفة عندما كانت جهود موسكو مقتصرة على محاولة لملمة الامور في الفضاء السوفياتي السابق، بينما غدت حالياً اقدر على تحويل مسارات الأحداث لخدمة مصالحها. ويدلل بيلكو على حديثه بأن موسكو لم تكن قادرة في 2004 على تصعيد سياستها في القرم والتصرف بالآلية التي تصرفت فيها خلال الازمة الراهنة.
اما تركيبة المعارضة فشهدت في المقابل، تحولات اساسية. إذ لم يعد الوجود القوي في الشارع مقتصراً على الاحزاب «التقليدية» مثل حزب «الوطن» الذي تتزعمه رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموتشينكو او «اوكرانيا لنا» الذي كان يتزعمه الرئيس السابق فيكتور يوتشينكو ونحو عشرة احزاب اخرى ناشطة يصفها البعض بأنها تشكل «المعارضة الرسمية»، بينما برزت خلال السنوات الاخيرة أحزاب جديدة نسبياً اخذ وجودها في الشارع يتسع بقوة وأبرزها إضافة إلى حزب «اودار» الذي يمثله بيلكو، حركة «القطاع الايمن» التي يقودها السياسي المثير للجدل ديمتري ياروش المتهم من جانب موسكو بميوله «الفاشية الجديدة» وحزب «حرية» الذي يقوده اوليغ تيغنيبوك وهو ايضاً متهم بإثارة نعرات قومية وبالعداء للسامية.
هذه الاحزاب الثلاثة ومعها حزب «الوطن» هي التي حافظت على وجود واسع في الحركة الاحتجاجية التي شهدتها اوكرانيا قبل اربعة شهور وامتدت بشكل قوي لتنزلق نحو مواجهة عنيفة سقط فيها نحو مئة قتيل... وانتهت بفرار الرئيس فيكتور يانكوفيتش ودخول البلاد مرحلة من الفوضى.
الأبرز بين هذه الأحزاب حركة «القطاع الايمن» التي هاجمتها موسكو بضراوة وأدرجت اسم زعيمها على لائحة الارهاب بتهمة اتصاله بمجموعات انفصالية في منطقة القوقاز الروسي. ويطلق الروس على ناشطي هذه الحركة تسمية «بانديريين» نسبة إلى ستيبان بانديرا الذي قاد حركة قومية مسلحة ضد الحكم السوفياتي في اوكرانيا في ثلاثينات القرن الماضي وأربعيناته، ومثل تاريخه خليطاً مثيراً للتساؤلات والغموض، فهو متهم بالتواطؤ مع المانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية، لكنه في المقابل قضى في سجون المانيا النازية سنوات عدة خلال الحرب بسبب رفضه التعاون مع المانيا. وعاد بعد إطلاقه لفتح جبهة قوية ضد الوجود السوفياتي في اوكرانيا، ما حوله زعيماً قومياً واسع النفوذ داخلياً، وعدواً لدوداً للروس وللشيوعيين عموماً في الخارج... خصوصاً انه يعد المسؤول مع مجموعاته المسلحة عن مقتل كثيرين من الروس والبولونيين وهما الطرفان اللذان كان يعتبرهما من اعداء اوكرانيا.
على هذه الخلفية للرجل «الفاشي» بالنسبة إلى روسيا و«الزعيم القومي» بالنسبة إلى اقاليم اوكرانيا الغربية التي سعت دائماً الى التخلص من الهيمنة الروسية، يمكن فهم موقف موسكو المستاء من ظهور حركة واسعة في الشارع الاوكراني تتمسك بتعاليم بانديرا. كما يمكن فهم اسباب قيام انصار الحزب الشيوعي الاوكراني باتخاذ موقف معاد للسلطة الجديدة والنزول في تظاهرات مؤيدة لروسيا في الاقاليم الشرقية من البلاد.
وتدل الصورة الضخمة الموضوعة لبانديرا في احد مداخل ميدان الاستقلال الى أن إحياء ذكرى هذا الرجل لم تكن مجرد صدفة تاريخية، فتاريخ العلاقات المعقد بين روسيا ومناطق غرب اوكرانيا اعاد بانديرا إلى الحياة بقوة مع ظهور واتساع تأثير «القطاع الايمن» في الحياة السياسية الاوكرانية.
وتؤكد السلطات الاوكرانية ان مسلحين تابعين لهذه الحركة استفزوا التدخل القوي لرجال الامن، ما تسبب في سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى في مواجهات الميدان، وتبنت موسكو وجهة النظر الاوكرانية الرسمية وحذرت اكثر من مرة من ان القوى «الفاشية» هي التي وصلت إلى السلطة بعد سقوط حكم يانوكوفيتش، وتتخذ لهذا السبب موقفاً صلباً ضد الاعتراف بشرعية الحكم الجديد على رغم ان «القطاع الأيمن» ليس ممثلاً في الحكومة الحالية، لكن موسكو تؤكد انه يملك نفوذاً واسعاً وتأثيراً فيها. كما تقول إن مسلحي هذه الحركة يقومون بهجمات لإخضاع مؤسسات حكومية في الاقاليم الشرقية للبلاد الناطقة بالروسية، ما يفسر استمرار التوتر في هذه المناطق.
بانديرا الجديد!
وسعى زعيم «القطاع» ديمتري ياروش الى نفي صحة هذه الاتهامات وقال لـ «الحياة» إن المهمة الاساسية التي يقوم بها ناشطو «القطاع» هي مواصلة الضغط على الحكومة الحالية التي «لا تختلف كثيراً في تركيبتها عن النخب الفاسدة التي حكمت اوكرانيا منذ 23 سنة هي عمر «الاستقلال» الاوكراني عن الدولة السوفياتية.
بهذا المعنى يصر ياروش على مواصلة التواجد مع انصاره في الشارع الى حين انجاز الاستحقاقات الرئاسية والنيابية، وتشكيل هياكل جديدة لإدارة البلاد، ويعتبر نفسه «حامي مطالب الشعب» التي خرج بها إلى الميدان وهي بالدرجة الاولى تركز على محاربة الفساد المستشري بقوة وإعادة تركيب هياكل السلطة في شكل شفاف ونزيه.
اللافت في حديث الرجل انه يبتعد قليلاً عن مطالب «الثورة» الاوكرانية التي ركزت في فترات ماضية على الاقتراب من اوروبا وإبعاد شبح الهيمنة الروسية.
أكثر من ذلك، فإن ياروش كان متحفظاً (مثل يانوكوفيتش وحزب الاقاليم) على توقيع اتفاق الشراكة مع اوروبا، ثم عاد في وقت لاحق وأعلن تأييده لهذه الخطوة.
ويبدو من الصعب التأكد من صحة اقوال ياروش بعدم وجود تشكيلات مسلحة تابعة له. فالمظهر العام من خلال سيطرة رجاله على الميدان وطبيعة تحركاتهم يدل إلى أن منظمته شبه عسكرية على رغم عدم وجود اسلحة ظاهرة بأيدي الناشطين فيها.
وزاد السياسي الذي اعلن ترشيح نفسه لمنصب الرئاسة «استجابة لمطالب شعبية» كما يقول، أنه يريد «علاقات متوازنة مع موسكو تقوم على الندية والتكافؤ»، لكنه يرى مستقبل اوكرانيا في اوروبا.
وهو يأخذ على السلطة الجديدة أنها «تشكل استمراراً لحكم الاوليغارشية السابق، ولم تتحرك سريعاً لتنفيذ اهم مطالب الشارع وهو التحقيق لمعرفة المسؤول عن قتل المتظاهرين ورجال الامن وتقديمهم للقضاء».
ويرفض السياسي المتشدد فكرة تقسيم الاوكرانيين وفق قوميتهم او لغتهم، لكنه يتحدث عن تقسيم آخر إلى ثلاث فئات: تضم الأولى من «يناضل معنا من اجل الديموقراطية وبناء مجتمع جديد بعيد من الفساد، هؤلاء اخواننا وشركاؤنا بصرف النظر عن هويتهم القومية، اوكرانية او روسية او من الاقليات الاخرى في المجتمع»، والثانية تضم من يصفهم بـ «السلبيين الذين لا تطلعات سياسية لديهم ولا يرغبون بالمشاركة في الحياة السياسية، هؤلاء أحرار في توجهاتهم»، لكنه وضع الفئة الثالثة التي تضم «من يقاتل مصالح الاوكرانيين» على لائحة «اعداء الوطن».
وعلى رغم انه اكد في حديثه موقف حركته «ضد العنصرية واللاسامية وعدم التسامح مع الآخر بكل أشكاله»، لكنه زاد أن «لا حل وسطاً في مسائل الديموقراطية والنزاهة وتحقيق احلام الاوكرانيين».
وقال ان حركــته ستتحول إلى حزب سياسي يمــــثل طيفاً واسعاً وائتلافاً لحركات وأحزاب عدة تشاطره الرأي في القضايا الاساسية، كما اشار إلى وجود اتصالات قوية لحركته مع اوساط حزبية في هنـــغاريا وألـــمانيا وبولندا، حيث تعيش جاليات اوكــــرانية نشطة. علما أن عدد الاوكـــرانيين المغـــتربين يتجاوز عشرين مليون نسمة.
يشير ياروش وغيره من الزعماء الميدانيين إلى عدم الثقة بالحكومة الجديدة باعتبارها امتداداً لحقبة حكم الاوليغارشية في البلاد. ويضع مع فيتالي كليتشكو وهو زعيم حزب «اودار» (الضربة) الذي لا تختلف توجهاته كثيراً عن «القطاع الايمن» لائحة مطالب امام الحكومة والبرلمان، بينها التسريع بتنفيذ وعود الاستحقاقات الانتخابية ووضع قوانين تشدد الرقابة على اعضاء اي حكومة مقبلة، لجهة النزاهة وملاحقة الفاسدين والالتزام بالمطالب التي رفعت خلال حركة الاحتجاج.
لكن الخبراء يشيرون إلى أخطاء جسيمة ارتكبتها السلطات الجديدة فور هروب يانوكوفيتش من البلاد وأدت إلى تقديم اوراق مهمة لموسكو لتصعيد تحركاتها في القرم وشن حملة قاسية على كييف. وأوردت المحللة في مركز بحثي، آنا غونتشيرينكو، خمسة اخطاء وقعت فيها السلطات وأربكت الوضع السياسي في البلاد وأثارت مخاوف عدة دفعت إلى تصعيد الوضع في المناطق الشرقية منها.
تكاد كلها تكون مرتبطة بقرارات البرلمان الاوكراني التي اتخذت في اليومين التاليين لاختفاء يانوكوفيتش عن المسرح السياسي ودفعت موسكو إلى التمسك بنظرية «الانقلاب» على السلطة الشرعية.
اول القرارات الخطرة كان الإلغاء المتسرع لتعديل قانوني تم اقراره قبل سنوات يمنح اللغة الروسية صفة اللغة الثانية في البلاد بعد الاوكرانية التي لها صفة اللغة الرسمية.
هذا التعديل وعلى رغم ان تفسيرات كثيرة أعقبته تشير إلى نية البرلمان وضع قانون شامل للغات لدراسته وإقراره، لكنه أثار في توقيته وأسلوب اصداره تساؤلات عدة، ودفع حتى الاوساط المؤيدة للوضع الجديد بين الناطقين بالروسية في الاقاليم الشرقية إلى اعلان تذمرها منه. كما منح موسكو فرصة ذهبية للحديث عن انتهاك حقوق الاقليات. على رغم محاولات التخفيف من حدة المشكلة كما ظهر عندما وجه كثيرون من الناطقين بالروسية نداءات بعدم «تحميل الموضوع اكثر من حجمه» وذهب بعضهم إلى توجيه رسالة مفتوحة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين تؤكد ان «الروس في اوكرانيا لا يشعرون باضطهاد وهم قادرون على الدفاع عن مصالحهم من دون تدخل خارجي» كما ورد في الرسالة المنشورة في 28 شباط (فبراير) والتي وقّع عليها نحو 200 ألف شخص في غضون أيام.
الخطأ الثاني تمثل في احتجاز عدد من المسؤولين المحليين في الاقاليم، وظهرت صور عدة لمسلحين يعتقلون سياسياً او موظفاً في دائرة فقط لأنه اعلن معارضته الحكم الجديد، ما اثار ردود فعل سلبية جداً.
اما الخطأ الثالث فكان قرار حل جهاز الامن الخاص «بيركوت» الذي يتهمه المحتجون بقتل المتظاهرين والتسبب في اندلاع العنف والفوضى. ورفضت بعض المناطق ومنها القرم تنفيذ هذا القانون وأشادت بـ «بإخلاص رجال بيركوت ووطنيتهم»، بينما اعلنت موسكو منح جنسيتها لعناصر هذه الوحدات الخاصة بذريعة انهم «ملاحقون ومهددون».
والخطأ الرابع جاء مع عدم ادانة تكرار استهداف تماثيل ونصب تذكارية لزعماء مثل فلاديمير لينين، وهو امر اثار حفيظة قطاعات في المجتمع واعتبره كثيرون غلواً في التشدد ورفض الآخر. ودفع إلى رد فعل مضاد في مناطق شرق اوكرانيا اذ قام ناشطون مؤيدون لموسكو باستهداف دور عبادة للأوكرانيين الكاثوليك.
اما الخطأ القاتل الخامس فتمثل في التعيينات المتتالية في مناصب حساسة، وبدأ التوغل في هذا الخطأ منذ اللحظة الأولى لتشكيل الحكومة، وقبل بدء المداولات حول تركيبتها في البرلمان تم اعلان تشكيلتها في ميدان الاستقلال لنيل تأييد المحتجين عليها. وأثار ذلك حفيظة كثيرين لا يعارض بعضهم الحكومة، لكنه لا يتفق مع المطالب المطروحة في الميدان.
كما ضمت التشكيلة الجديدة للحكومة وبعض المناصب الرفيعة اسماء شخصيات اثارت تحفظات في مناطق عدة، وعلى رغم ان «الميدان» رفع مطلب تشكيل حكومة تكنوقراط، لكن التشكيلة الجديدة ضمت اسماء لرجال اعمال ومال بارزين ووزراء سابقين، ما دفع الى التساؤل عن سبب نيلها السريع للثقة. والاهم من كل ما مضى ان التشيكلة الجديدة لم تأخذ في الاعتبار ضرورة تمثيل كل الاقاليم والمناطق الاوكرانية فظل الشرق الاوكراني ضعيف الوجود فيها، ما منح البعض فرصة لاعتبار أن «اقاليم الشرق كلها وليس يانوكوفيتش كشخص فقط، باتت تواجه منطق المنتصرين في هذه الحركة».
ومهما كانت طبيعة التطورات اللاحقة وخصوصاً تداعيات انفصال القرم عن اوكرانيا وهو امر بات في عداد المحتوم، فإن الحراك الجاري في اوكرانيا حالياً سيكون له كما يؤكد خبراء اثر حاسم في رسم مستقبل هذا البلد الذي كان مؤهلاً ليكون من اكثر بلدان اوروبا استقراراً ورخاء، لولا الصراعات السياسية التي خاضها طرفا الازمة المستفحلة، خلال السنوات العشرين الماضية، والتي اوصلته إلى حافة الافلاس والتقسيم. وتكاد كل الاطراف تكون مجمعة على ان لا عودة إلى الوراء بمعنى عودة الرئيس المعزول يانوكوفيتش، لكن الاهم من ذلك ان اوكرانيا كما يقول كثيرون ودّعت مع خلع الرئيس حقبة من تاريخها ودخلت اخرى ما زال كثير من جوانبها محفوفاً بالغموض والخوف من الغد الآتي.
الحياة اللندنية