أهمية "القرم" لروسيا.. وأجواء الحرب الباردة تعود

تاريخ النشر: 03 مارس 2014 - 08:00 GMT
شبه جزيرة “القرم” تحتل المشهد السياسي الدولي والاقليمي
شبه جزيرة “القرم” تحتل المشهد السياسي الدولي والاقليمي

إحتلت شبه جزيرة “القرم” المشهد السياسي الدولي والاقليمي، منتزعة الوهج الذي تحظى به الازمة في سوريا منذ الأربعة أعوام تقريباً. أزمة تكاد تعيد إلى الأذهان زمن الحرب الباردة، وتنذر حتى بحرب ساخنة في أوكرانيا التي تُعاني من أزمة حادة بسبب التدخلات الغربية.

ظهرت شبه جزيرة “القرم” كشبه دولة ذات حكم ذاتي في أوكرانيا مطلع الأزمة الجارية حالياً في هذا البلد. تتمتّع هذه المنطقة الواقع على ضفة البحر الأسود، المحاذية لروسيا بإهتمام إستراتيجي خاص من قبل روسيا لعدة عوامل ليس أولها انّ نسبة السكان فيها هم من الروس، بل يتدعى الأمر ذلك وصولاً للعمق الاستراتيجي لموسكو وإرتباط “القرم” بهذا العمق بشكل وثيق، كونها الممر الحيوي لروسيا نحو أوكرانيا.

وفي لقاء مع رئيس حزب المشرق، وأحد المختصين بالشأن الروسي الاستاذ رودريغ خوري،  كشف بعض المعطيات المختصة بـ “القرم” وأهميتها لروسيا.

وقال الاستاذ خوري انّ “القرم” هي عبارة عن شبه جزيرة تقع على الحدود بين روسيا واوكرانيا، تشرف على البحر الأسود وشمال تركيا، تسكنها أكثرية من الروس الأرثوذكس ومجموعة صغيرة (12%) من التتار المسلمين القريبين تاريخياً من تركيا وحالياً من ثورة الغرب في اوكرانيا.

وبحسب الاستاذ خوري، فإن “التتار” سكنوا شبه الجزيرة لفترة وحاربهم الروس لقرون حتى حرروها وأصبحت تحت حكمهم الناجز أيام الامبراطورة كاثرين الثانية، وإرتبط اسمها تاريخياً بحرب “القرم” التي شنتها روسيا ضد العثمانيين عام 1854 ووقفت فيها الدول الغربية إلى جانب العثمانيين وضربت الحصار على القوات الروسية هناك لأشهر ، وكتب عنها تولستوي الشهير روايته العالمية :”الحرب والسلم”.

يقول خوري انّ “القرم” بقيت مرتبطة بروسيا، إدارياً وقومياً ودينياً، إلى أن أعطاها الزعيم السوفياتني “خروتشيف” إلى اوكرانيا (إدارياً) وهو كان اوكراني الأصل.

الاستاذ رودريغ خوري يعتبر انّ تدخل روسيا في القرم لا يعتبر مجرد تدخل من أجل حماية مصالحها بل هو يفوق ذلك بكثير، فروسيا بنظرتها للأمور هناك، تعتبر “اوكرانيا” كلها جزء لا يتجزأ من “روسيا التاريخية المقدسة”، فقد كانت كييف عاصمة روسيا تاريخياً … ومنها خرجت خيرة الجيش الروسي والقادة الروس، وعليه، فإن دخول الغرب وتدخله في “أوكرانيا” خط أحمر.

ويضيف انّ “القرم” هي منطقة لا زالت حتى اليوم أكثريتها ناطقة باللغة الروسية . وتدخل روسيا هناك أتى “بطلب من الشعب” والسلطات المحلية.

وقد خلص إلى انّ التدخل الروسي في القرم يأتي لإعتبارات كثيرة، ليس فقط من أجل مصالح الدولة الروسية الاستراتيجية، متحدثاّ عن خوف لدى السكان من اعتداءات يمكن ان تطال الناطقين باللغة الروسية من قبل بعض المتطرفين القوميين الفاشيين الأوكران.

الغرب إذاً يسعى لتقويض نفوذ روسيا وضربها من خاصرتها “أوكرانيا” بعد الصعود المخيف للمارد، تلك الدولة التي أسقطت فاشيّة “هتلر” عبر جيشه الذي تسكّع ثلاثة أشهر فيها، تسعى روسيا اليوم لاسقاط الفاشية الجديدة المقنّعة بالزي الغربي في أوكرانيا ايضاً، حيث ستكون “القرم” شرارة بدء النزاع الجديد بين الغرب وروسيا، وليس بعيداً عن ذلك النزاع السوري.

ويعتقد متابعون انّ الأزمة الموجودة حالياً في أوكرانيا والتي سببتها الاطاحة بالرئيس الشرعي بدعم غربي، إضافة للتهديدات والتوتر التي تشهدها منطقة “القرم”، يمكن أن يؤدي ذلك لتكرار مشهدية “جورجيا – أوسيتيا الشمالية” التي حصلت عام 2008 وأدت بروسيا للتدخل العسكري للحفاظ على مصالحتها.

معلومات عامة:

يوجد في ميناء “سباستوبول” على الساحل الجنوبي لشبه جزيرة القرم مقر اسطول البحر الأسود الروسي الذي يضم الآلاف من عناصر القوة البحرية، وتعتبرها “روسيا” قاعدة عسكرية متقدمة. بحسب الاستاذ “خوري” فقد كان الرئيس الأوكراني السابق، والموالي للغرب “فيكتور يوشنكو” قد أثار مخاوف موسكو عندما أعلن في عام 2009 أن على روسيا اخلاء قاعدتها البحرية في “سباستوبول” بحلول عام 2017، ولكن الرئيس فيكتور يانوكوفيتش (الذي اطيح به مؤخراً) قرر بعد انتخابه عام 2010 تمديد مدة بقاء الاسطول الروسي في الميناء لغاية عام 2042.

تجدر الإشارة إلى أن سيباستوبول (روسية القومية واللغة ) وهي المدينة التي حاصر الغرب فيها روسيا عام 1854 والتي كتب عنها تولستوي و قد وقعت من نصيب اوكرانيا بعدما انهار الاتحاد السوفياتي وانقسم إلى دول عديدة.

“القرم” هي جمهورية ذات حكم ذاتي ضمن جمهورية أوكرانيا حيث تقع جنوب البلاد ويحيط بها البحر الأسود من الجنوب والغرب، بينما يحدها من الشرق بحر أزوف، ومساحتها 27000 كم، وسكانها 2.5 مليون نسمة، ويشكل الروس حوالي 62% منهم، والأوكران 26%، والباقي من التتار المسلمين. وأهم مدنها هي العاصمة سيمفروبل