شنت الحكومة الفرنسية الاربعاء هجوما مضادا على الانتقادات اللاذعة التي وجهتها لها المفوضة الاوروبية فيفيان ريدينغ وركزت الهجوم على المقارنة التي اجريت بين وضع الغجر في فرنسا والحرب العالمية الثانية.
وتولت الرئاسة الفرنسية ووزير الدولة للشؤون الاوروبية بيار ليلوش الرد على تصريحات المفوضة الاوروبية للعدل والحقوق الاساسية ريدينغ التي اثارت حفيظة فرنسا بعد تصريحات اعتبرتها باريس تجنيا بحقها.
ورفضت الرئاسة الفرنسية الاربعاء عشية قمة لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الاوروبي، انتقادات ريدينغ لفرنسا حول وضع الغجر وقالت "ان بعض التصريحات، ببساطة، غير مقبولة"، لكنها اعتبرت انه يجب اجراء "حوار هادىء" مع المفوضية الاوروبية.
واقترح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الاربعاء على ريدينغ استضافة غجر في بلدها لوكسمبورغ، بحسب تصريحات لنواب فرنسيين بعد تناولهم طعام الغداء مع الرئيس الفرنسي.
وقال النائب عن حزب "الاتحاد من اجل حركة شعبية" الرئاسي برونو سيدو "هو (ساركوزي) يقول انه لا يقوم الا بتطبيق التشريعات الاوروبية، القوانين الفرنسية، وان ليس هناك ما يستوجب توجيه اللوم لفرنسا في هذا المجال، لكن اذا اراد اللوكسمبورغيون استقبال (الغجر) فلا مشكلة بتاتا".
وتابع سيدو للصحافيين "لقد قال ان سياستنا كانت الصائبة وانها لفضيحة (...) ان تعبر اوروبا عن رايها بهذه الطريقة بشان ما فعلته فرنسا"، مشيرا الى ان ساركوزي سيدلي بموقفه من هذه التطورات خلال مشاركته في قمة دول الاتحاد الاوروبي المقرر عقدها في بروكسل الخميس.
ونقل زميله النائب ميشال هويل عن ساركوزي قوله ان "المفوضة الاوروبية تقطن في لوكسمبورغ، القريبة جدا من فرنسا، وسنكون سعداء للغاية اذا ما استطاعت لوكسمبورغ استضافة بعض الغجر ايضا".
من جهته، قال ليلوش الاربعاء لاذاعة ار تي ال "ان مثل هذه التصريحات المنفلتة التي صدرت غير مناسبة" مضيفا "للصبر حدود وليست هذه الطريقة (المناسبة) لمخاطبة دولة كبرى".
كما اعلنت وزارة الخارجية الفرنسية الثلاثاء ان فرنسا تعرب عن "دهشتها" بعد الانتقادات التي وجهتها المفوضية الاوروبية حول موضوع طرد الغجر، لكنها ترفض الخوض في "جدل".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو في ندوة صحافية "تبلغنا بدهشة تصريحات فيفيان ريدينغ. لا نعتقد اننا بهذا النوع من التصريحات نستطيع تحسين مصير ووضع الغجر الموجودين في صلب اهتماماتنا".
وتصاعدت حدة الازمة بين فرنسا والمفوضية الاوروبية منذ ان زادت باريس اعتبارا من الصيف الماضي عمليات طرد الغجر (اساسا الرومانيين والبلغار) الذين هم في وضع غير قانوني.
ووصلت الى ذروتها مع تهديد المفوضية الاوروبية الثلاثاء بملاحقة فرنسا امام القضاء لمعاقبتها على عمليات الطرد المثيرة للجدل، بعد الكشف عن مرسوم اداري (نص يفسر القانون) يستهدف بشكل علني الغجر.
وتفاقمت الازمة بسبب المقارنة التي اجرتها ريدينغ، المنزعجة على ما يبدو من التكتم بازاء هذا المرسوم، بين وضع الغجر في فرنسا والحرب العالمية الثانية.
وطلبت ريدينغ من فرنسا تزويدها "في اسرع وقت ممكن" بتفسيرات حول المرسوم المثير للجدل الذي استهدف ابعاد الغجر، وذلك في رسالة حصلت وكالة فرانس برس على نسخة منها.
وجاء في الرسالة الموجهة الى وزير الهجرة اريك بيسون، "سأكون ممتنة لك بأن تبلغني في اسرع وقت ممكن العناصر الايضاحية التي يمكن ان تؤمنها حول تطابق هذا المرسوم مع قانون الاتحاد الاوروبي وميثاق الحقوق الاساسية، وكذلك كل الايضاحات حول طريقة تطبيقه".
واضافت الرسالة المؤرخة في 14 ايلول/سبتمبر، "كذلك سيكون مفيدا ان تزودنا ايضاحات عن المرسوم الاداري الجديد الموقع من وزير الداخلية في 13 ايلول/سبتمبر، والذي الغى المرسوم السابق، وان توضح تأثيره على طريقة ازالة المخيمات في المستقبل".
ورد الوزير الفرنسي بيار ليلوش بقوة على تصريحات ريدينغ التي تعيد التذكير بماضي فرنسا، حين تعاون مسؤولون رسميون مع النازيين في عمليات نقل اليهود والغجر.
وقال "لا استطيع ترك ريدينغ تقول ان فرنسا العام 2010 في معالجتها لمسالة الغجر، هي فرنسا (حكومة) فيشي (الذي تعاون مع النازيين في عمليات نقل اليهود والغجر). لا يمكن الحديث عن الحرب العالمية الثانية".
واضاف "مطار رواسي (في باريس)، ليس درانسي"، في اشارة الى الموقع الابرز للاعتقال والترحيل من فرنسا باتجاه المخيمات النازية. وتابع ان منح غجر "بعض المال وبطاقة سفر الى بلد المنشأ في الاتحاد الاوروبي، هذه ليست مخيمات الموت، ليست غرف الغاز (النازية)".
وابدى رئيس المفوضية الاوروبية الاربعاء خوسيه مانويل باروزو دعمه "الشخصي" للمفوضة الاوروبية لشؤون العدل والحقوق الاساسية فيفيان ريدينغ، بعد الانتقادات اللاذعة التي وجهتها الى فرنسا بسبب ترحيلها للغجر، لكنه نفى ان تكون المفوضة اللوكسمبورغية اجرت مقارنة بين هذه العمليات وعمليات الترحيل ابان الحرب العالمية الثانية.
وقال باروزو خلال مؤتمر صحافي عقده عقب لقائه الرئيس النمساوي هينز فيشر "احدى العبارات" التي استخدمتها ريدينغ الثلاثاء "ربما تسببت بسوء تفاهم".واكد ان "ريدينغ لم ترغب في المقارنة بين ما حصل خلال الحرب العالمية الثانية والمرحلة الراهنة".
واكد باروزو، على خلفية تهديد المفوضة الاوروبية بملاحقة باريس قضائيا لترحيلها الغجر الرومانيين والبلغار، ان ريدينغ تحظى "بالدعم الكامل" من جانب المفوضية وبدعمه "الشخصي" بصفته رئيسا للهيئة التنفيذية للمفوضية.
والثلاثاء، تم ترحيل نحو 160 من الغجر الرومانيين الى بلادهم بعدما وافقوا على الية "العودة الطوعية" مع تلقي مساعدة مالية.
من جهته، ابدى الرئيس النمسوي هاينز فيشر تحفظه عن عمليات الترحيل الجماعية للغجر التي تقوم بها فرنسا، وقال في بروكسل حيث التقى مسؤولين اوروبيين "ينبغي الا تتعرض اي مجموعة اتنية للتمييز. وطبيعي الا يتعرض الغجر للتمييز".
الاسبوع الماضي، اجرى مفوض حقوق الانسان في مجلس اوروبا السويدي توماس هاماربيرغ مقارنة بين "الجدل السياسي الحالي ضد الغجر" وتلك المستخدمة من جانب "النازيين".
وفي فرنسا، اثارت مقارنة اسقف فرنسي بين اعادة الغجر الى بلادهم الاصلية وترحيل اليهود ايام النازيين ردود فعل كثيرة في فرنسا نهاية اب/اغسطس.
وابدى المجلس التمثيلي للمؤسات اليهودية في فرنسا "انزعاجه" بسبب حصول هذا " اللبس والخلط" بين الامور. وتمت اعادة صياغة المرسوم الذي اثار الجدل وفاقم الازمة بين المفوضية الاوروبية وباريس، من دون ذكر اسم الجهة المستهدفة (الغجر).
وفي مقابلة مع صحيفة ليبراسيون نشرت الاربعاء، قالت ريدينغ انها اخذت "علما" بالموضوع. واضافت انه "من المهم الا تكون فقط الكلمات هي التي تتغير بل تصرف السلطات الفرنسية" ايضا.